السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



أقرأ إليكم في كتاب المجالس الفاخرة للمرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين

و منه أنقل إليكم قصة مقتل إمامنا الحسين عليه السلام و به هوامش تركتها لمن يريد الإطلاع عليها فعليه باقتناء هذا الكتاب فهو كتاب جليل

أكتبها لكم و لآلاف الشيعة الذين يدخلون هذا المنتدى المبارك و هم بعيدون عما يتمتع به البقية من أبناء جلدتهم من حضور للمجالس الحسينية لكونهم يعيشون الغربة

(1)

كان مولد الحسين عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع للهجرة و روي غير ذلك. و لما و لد هبط جبرائيل عليه السلام في ألف ملك يهنئون النبي صلى الله عليه و آله و قد سر به و سماه حسينا.

و عن أم الفضل قالت: رأيت في منامي قبل مولد الحسين عليه السلام كأن قطعة من لحم رسول الله صلى الله عليه و آله قد قطعت و وضعت في حجري، فقصصت ذلك على رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: رأيتِ خيرا إن صدقت رأياك فإن فاطمة تلد غلاما، و أدفعه إليك لترضعيه.

قالت: فجرى الأمر على ذّلك، فجئت به يوما إليه، فوضعته في حجره فبينما هو يقبله بال فقطرت على ثوب النبي صلى الله عليه و آله فقرصته فبكى، فقال النبي صلى الله عليه و آله كالمغضب: مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل و قد أوجعت إبني، قالت فتركته في حجره و قمت لآتيه فجئت إليه فوجدته يبكي، فقلت: مما بكائك يا رسول الله؟ فقال: إن جبرئيل أتاني فأخبرني أن أمتك ستقتل ولدي لا أنالهم شفاعتي يوم القيامة.

و لما أتت على الحسين عليه السلام من مولده سنة كاملة هبط على رسول الله صلى الله عليه و آله اثنا عشر ملكا محمرة وجوههم، باكية عيونهم، و هم يقولون: إنه سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل، و سيعطى مثل أجر هابيل، و يحمل قاتله مثل وزر قابيل.


و لم يبقى في السماوات ملك مقرب إلا و نزل إلى النبي صلى الله عليه و آله يقرؤه السلام، و يعزيه عن الحسين، و يخبره في ثواب ما يعطى، و يعرض عليه تربته و النبي صلى الله عليه و آله يقول، اللهم اخذل من خذله، و اقتل من قتله، و لا تمتعه بما طلب.

فلما أتى على مولده سنتان خرج النبي صلى الله عليه و آله في سفر له فوقف في بعض الطريق و استرجع و دمعت عيناه، فسئل عن ذلك، فقال: جبرئيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها: كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين، و كأني انظر إلى مصرعه و مدفنه.

ثم رجع صلى الله عليه و آله من سفره مهموما مغموما فصعد المنبر فخطب و الحسن و الحسين بين يديه، ثم نزل فوضع يده اليمنى على رأس الحسن و يده اليسرى على رأس الحسين، وقد رفع رأسه إلا السماء فقال: اللهم إني محمد عبدك و نبيك و هذان من أطائب عترتي و خيار ذريتي و من اخلفهما في أمتي، و قد أخبرني جبرائيل إن ولدي هذا مخذول مقتول.

اللهم بارك له في قتله، و اجعله من سادات الشهداء.

اللهم و لا تبارك في قاتله و خاذله.

فضج الناس في المسجد بالبكاء، ثم رجع صلى الله عليه و آله فخطب خطبة أخرى موجزة و هو متغير اللون و عيناه تهملان دموعا فقال: ايها الناس إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز و جل، و عترتي أهل بيتي، و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا و إني أنتظرهما، و إني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي ألمودة في القربى، ألا و إنه سترد علي ثلاث رايات في هذه الأمة:
الأولى سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة فتقف علي فأقول:
من أنتم؟
فينسون ذكري، فيقولون: نحن أهل التوحيد من العرب.
فأقول: أنا أحمد نبي العرب و العجم.
فيقولون: نحن من أمتك.
فأقول لهم: كيف خلفتموني في أمتي و كتاب ربي؟
فيقولون: أما الكتاب فضيعناه، و أما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم عن آخرهم،
فأولي عنهم وجهي،
فيصدرون عطاشاء مسودة وجوههم.
ثم ترد علي راية أخرى أشد سوادا من الأولى فأقول لهم:
كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر و الأصغر كتاب ربي و عترتي؟
فيقولون: أما الأكبر فخالفناه، و أما الأصغر فخذلناه و مزقناه كل ممزق.
فأقول: إليكم عني! فيصدرون ظمأى عطاشى مسودة وجوههم.
ثم ترد علي راية أخرى تلمع وجوههم نورا، فأقول:
من أنتم؟
فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد و التقوى، فنحن أمة المصطفى، و نحن بقية أهل
الحق، حملنا كتاب ربنا فحللنا حلاله، و حرمنا حرامه، و أحببنا ذريته و قاتلنا معهم
فأقول لهم: ابشروا فإني نبيكم محمد صلى الله عليه و آله و لقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم، ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين مستبشرين، ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين.

و روى الشيخ في الأمالي بأسانيده إلى الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن أسماء بنت عميس، قالت: لما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام كنت أخدمها في نفاسها به، فجاء النبي صلى الله عليه و آله فقال: هلمي إبني يا أسماء فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأخذه و جعله في حجره و أذن في إذنه اليمنى و أقام في أذنه اليسرى. قالت: و بكى رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قال: إنه سيكون لك حديث اللهم العن قاتله، لا تعلمي فاطمة بذلك، قالت أسماء: فلما كان يوم السابع من مولده جاء النبي صلى الله عليه و آله فعق عنه كبشا أملح، و أعطى القابلة الورك و رجلا و حلق رأس الحسين و تصدق بوزن الشعر ورقا، و خلق رأسه بالخلوق، قالت: ثم وضعه في حجره فقال: يا أبا عبد الله عزيز علي ثم بكى، فقلت: بأبي أنت و أمي مما بكائك في هذا اليوم و في اليوم الأول؟ قال صلى الله عليه و آله: أبكي على إبني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، ثم قال: اللهم إني أسألك فيهما ما سألت إبراهيم عليه السلام في ذريته: اللهم أحبهما و أحب من يحبهما، و العن من يبغضهما ملء السماء و الأرض.


أشــــــدد يدا بحب آل محــــمد *** فإنها عــــقدة فوز و لا بـــــــخل


وابعث لــــــهم مراثيا و مدحا *** صفوة من راض الضمير و نخـل


و ما الخبيثان ابن هند و ابنه *** و أن أمرهــــــما بعـــــد وجــــــل


بمـــــبدعين للـــــذي جـاء به *** و إنما تقـــــفيا تـــــــلك الســــبل