((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))
الأخت الفاضلة " شمعة تحترق "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة شكرا على قراءة الموضوع وعذرا على تأخري لفترة طويلة على الرد
سؤالكم هل يمكن أن تتغير الأحكام الشرعية وتتبدل نتيجة التطور الحياتي أم أنها لا قابلية لها ؟
الأحكام الشرعية الواردة في الشرعية المقدسة بين قسمين الأصول والفروع
أما بالنسبة للأصول فلا تتبدل والدليل عليها الرواية الواردة عن الرسول (ص) " حلال محمد حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة "
وأما الأحكام المتبدلة أو المتغيرة هي الأحكام الفرعية المعبر عنها بالأحكام الاجتهادية وهي التي لم يرد فيها نص بالحرمة أو بالوجوب من الكتاب أو من السنة وهي تكون على وفق القاعدة الفقهية تبدل الحكم بتبدل الزمان أو المكان فيكون فيها سعة أو ضيق
فالشريعة الإسلامية دين جاء به النبي (ص ( ليكون دين العالم كله ودين الأزمنة والأعصار كلها ورفع به جميع ما يحجز الإنسانعن الرقي والتقدم السليم فحرر الإنسان بذلك عن رقيته السيئة المخزية وأخرجه من ذلعبادة الطاغوت وحكومة المستكبرين وأدخله في عز حكومة الله تعالى خالق الكون وربالعالمين كما حرره من أسر الشهوات وذلها بقاء الأحكام الخمسة على مر الأزمنة والأعصار:
هذا ومقتضىخاتمية الدين الإسلامي للأديان السابقة وعالميته بقاء أحكامه الخمسة من الوجوبوالحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة وأحكامه سواء كانت أحكام موضوعات بعناوينهاالأولية مثل حرمة أكل الميتة أو بعناوينها الثانوية مثل جواز أكل الميتة في حالالاضطرار وسواء كانت من الأحكام الظاهرية أم كانت من الأحكام الواقعية كما هومبين في كتب الأصول وكذلك لو كانت هذه الأحكام من الأحكام الوضعية فإنها متأصلةبالتشريع والجعل الإلهي أو منـتزعة من الحكم التكليفي على الخلاف الموجود بينالأصوليـين في علم الأصول في حقيقة الحكم الوضعيفهذه الأحكام بجملتها وبكلواحد منها مصونة عن التغيـير والتبديل فلا تنالها يد الإنسان كائناً من كانبتغيـير ولا تبديل وردا لشبهة بعضالعلمانيـين والحداثيـينهذا وتـثار مقابلهذا المعنى الذي ذكرناه من عدم تغير الأحكام الإلهية وأنها لا تنالها يد التغيـيرخصوصاً من يد الإنسان شبهة من قبل بعض العلمانيـين والحداثيـين إذ يقولون:
بأنه قد طرأت على الحياة الاجتماعية للإنسان أبعاد واسعة ومعقدة لايمكن أن تقاس أبداً بأسلوب الحياة قبل أربعة عشر قرناً فعلى سبيل المثال نلاحظالتطور والتقدم الذي أصاب أجهزة المواصلات اليوم وما وضع لها من أنظمة وقوانين يفوقلوحده عدد الأنظمة والقوانين التي كانت تضبط مسار الحياة في عهد النبي محمد(ص) فكيف إذا أضفنا إليها جوانب التقدم والرقي التي أحاطت المجتمع المعاصر في جوانبهالمختلفة وأدت إلى وضع مجموعة من القوانين والأنظمة التي لا مجاللحصرهاوبالجملة فإن جميع هذه المستحدثات كلها لم تكن في العصر الماضي أبّانتشريع وتقنين النظم والقوانين الإسلامية مما يعني أنه لم يكن للإسلام فيها موقفورأي وبالتالي نستكشف عدم الحاجة وجدوى مثل هكذا دين وهو يفتقر للنظم والقوانينالتي تحتاجها الحياة المعاصرة ولعلنا نطرح هذه الشبهة بطريق آخر فنقول لاريب في وجود تطور اجتماعي في سلسلة الحياة البشرية وهذا التطور يستلزم تطوراً فيقوانين الاجتماع خصوصاً إذ عرفنا بأن القانون الموضوع في ظرف خاص ربما يكون مضراًفي ظرف آخر ولا أقل من كونه غير مفيد وذلك يعني أن القوانين ومقتضيات الزمانتختلف باختلاف المجتمعات وألوان الحياة فما كان صحيحاً بالأمس لا يصح اليوم وماصح اليوم لا يصح غداً وهكذامثلاً لو راجعنا وسائل النقل التي كانت موجودةفي الأزمنة السابقة لوجدناها تنحصر في الجمال وغيرها من المواشي وكانت الثرواتالطبيعية لا تكاد تستغل استغلالاً مفيداً إلا القليل منها وقد كانت أدوات الحربفي تلك الفترات لا تعدو السيف والرمح والسهم ولا يخفى أن تلك القوانين المقننة فيتلك الحقبة الزمنية لا تـتماشى مع الواقع الحياتي المعاش اليوم الذي بلغت فيهحضارة الإنسان حداً تمكن فيه من تسخير الأرض والفضاء ووضع أرض القمر تحت رجليهواستخدم الكهرباء وأخذ يقطع المسافات البعيدة بالسيارات والطائرةوالصاروخ وصار يواجه أعدائه في الحروب بالقنبلة الذرية والهيدروجينية وغير ذلكمن أدوات الحرب فكيف يمكن لقانون واحد قنن في ظرف خاص ودور خاص أن يقوم بتأميننظام الحياة لظرف ودور آخر يغايره
الثابت والمتغير في الإسلام:
وفي الحقيقة أن هؤلاء الذي يثيرون مثل هذه الشبهات ويذكرونها يجهلون الإسلام ولا يعرفون أحكامه وكيفية تقنينها إذ أنهم يعتقدون أنالدين الإسلامي يقوم بإدارة الحياة المتحولة والمتغيرة دوماً نحو التكامل بمجموعةمن الأحكام الثابتة فقط وأن الإسلام يريد أن يحدّ بقوة السيف من تدفق حركة الحياةويقاوم التقدم الضروري المطرد للتمدن الإنساني وما هذا إلا وهم وجهل فهؤلاءيفتقدون للوعي الكافي ويملكون ضيق الأفق وعدم الإطلاع على المعرفة القانونيةوالحقوقية وعلى أي حال لكي نوضح أن مثل هذه الشبهة لا ترد على عالمية الإسلام وكونه رسالة خالدة لكل زمان ومكان ولا تنحصر قوانينه ونظمه على عصر دون آخر نشير إلى أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين :
الأحكام الإسلامية الثابتة:
فنعني بها الأحكام التي ترتبط بواقع الإنسان الطبيعي وتأخذ بنظرالاعتبار التكوين الإنساني بصرف النظر عما إذا كان الإنسان بدوياً أو متحضراً أسوداً كان أو أبيضاً قوياً كان أو ضعيفاً ودون أن تعنى بزمان أو مكان معينينلأنها أصلاً تنسق مع البنية الوجودية للإنسان وما جهز به من قوى وأدوات داخليةوخارجية وبعبارة أخرى هي القوانين التي تحافظ على المنافع الحياتية للإنسان منزاوية كونه إنساناً يعيش حياة جماعية بغض النظر عن المكان والزمان والعواملالمتغيرة الأخرى ولكي يتضح ماذكرناه بشكل أفضل نشير لبعض الأمثلة في الحياة العائلية:
إن الإنسان بما هو وجود اجتماعي بالطبع يحتاج في حفظ حياته ونسله إلى العيش الاجتماعي والحياة العائلية وهذانالأمران من أسس الحياة الإنسانية و تقوم عليهما في جملة ما تقوم عليه منذبدء حياته وعلى هذا فإذا كان التشريع الموضوع لتنظيم المجتمع مبنياً علىالعدالة مراعياً لحقوق الأفراد وخالياً عن الظلم والجور بحيث يضمنمصلحة المجتمع ويصونه عن الانهيار والفساد لزم بقاؤه ودوامه ما دام مرتكزاً علىالعدل والإنصاف
التفاوت بين الرجل والمرأة:
من الأمور الطبيعية المحسوسة مسألة التفاوت بين الرجل والمرأة إذ أنهما موجودان مختلفان اختلافاً عضوياًوروحياً وإن كانت هناك دعايات أقل من أن يصغى إليها تسعى إلى إزالة التفاوت الموجود بينهما وبناءاً على وجود هذا التفاوت الطبيعي بينهما اختلفت أحكام كلمنهما عن الآخر اختلافاً يقتضيه طبع كل منهما فإذا كان التشريع مطابقاً لفطرتهماومسايراً لطبعهما ظل ثابتاً لا يتغير بمرور الزمان لثبات الموضوع.
الروابط العائلية:
ونعني بها رابطةالولد مع الوالد والأم والأخ مع أخيه هي روابط طبيعية لوجود الوحدة الروحيةوالوحدة النسبية بينهم فالأحكام المتفرقة المنسقة لهذه الروابط من التوارث ولزومالتكريم ثابتة لا تـتغير بتغير الزمان.
حفظ الأخلاق من الضياع والانحلال:
لا يخفى على أحد مدى حرص الدين الإسلامي على صيانة الأخلاق وحفظها من الضياع والانحلال ومما لا شك فيه أن الخمر والميسر والإباحة الجنسية وأمثال ذلك من الأمور القاضية على الأخلاق لذا سعى الإسلام العظيم إلى علاج هذه الأمور في حياة الفرد البشري من خلال تحريمها وإجراء الحدود على مرتكبيها فالأحكام المتعلقة بها من الأحكام الثابتة التي لا تـتغير على مدى الدهور والأجيال لأن ضررها ثابت لا يتغير بتغيرالزمان فالخمر يزيل العقل والإباحية الجنسيةتفسد النسل والحرث دائماً والنـتيجة التي نصل إليها من خلال ما ذكرناه إلىهنا هي أن ما يعرض الحياة الاجتماعية للإنسان من تطور وتقدم مدني في بعض نواحيهالا يوجب تغيـيراً في النظم المقننة على غرار الفطرة ولا يوجب أيضاً تغيـيراً فيالأحكام الموضوعة على طبق ملاكات واقعية من مصالح ومفاسد كامنة في موضوعاتها منأمثال بعض العقائد التي تعكس عبودية الإنسان لخالقه والقواعد العامة التي ترتبطبحياة الإنسان بدءاً من قضايا الغذاء والسكن والزواج حتى الدفاع عن أصل الحياةالاجتماعية فكل هذه أمور ثابتة يحتاجها الإنسان دائماً ولا يمكن تصور زوالهاوتغيرها
الأحكام الإسلامية المتغيرة:
وأما الأحكام الإسلاميةالمتغيرة فهي تلك القوانين التي تكتسب صفة مؤقتة أو طارئة لارتباطها بظروف خاصةبحيث تـتغير باختلاف طراز الحياة فمثل هذه الأحكام قابلة للتغير والتبدل تبعاًلتغيرات الحالات الاجتماعية والتطور التدريجي للحضارة والمدنية وما يستـتبعه منزوال القديم وظهور الوسائل والمناهج الجديدة ولا ريب في حاجة الإنسان إلى مثلهذه الأحكام المتغيرة كحاجته إلى الأحكام الثابتة حيث لا يتصور بقاء مجتمع منالمجتمعات البشرية واستمراره دون هذه الأحكام المتحركة.
وهذه الأحكام المتغيرة هي التي يعبر عنها فيالفقه الإسلامي بالمقررات كما يعبر عن الأحكام الثابتة بالقوانين ومما ينبغيالتوجه إليه هو أن هذه الأحكام المتغيرة ليست بمعزل عن القوانين الكليةالإسلامية فلا تكون اعتباطاً وفوضى بل تجري في ضوء القوانين الكلية الثابتة بحيثلا تناقضها ولا تعطلها وذلك لوجود خطوط عريضة تمثل القاعدة المركزية فيالتشريع الإسلامي وهذه القاعدة المركزية مصونة عن التبدل والتحول مهما اختلفتالأوضاع وتباينت الملابسات وتـتفرع على هذه الخطوط العريضة أحكام تستخرجمنها بإمعان ودراية يستنبطها الفقيه من بدل جهده على وفق هذه الخطوطالعريضة وهذه الأحكام المستخرجة من هذه الخطوط العريضة قابلة للتبدل والتغيروفق المجريات الحياتية للمجتمع الإنساني وما يحيط به من ملابسات وظروف هذا وسوفأقتصر في الموضوع زيادة لإيضاح ما ذكرت على مثال واحد وهو: أن عملية الدفاع عن الإسلام وحفظ استقلاله منالقوانين الثابتة التي لا تقبل التغيـير والتبديل لأن المقصد الأسمى لمشرع الإسلامهو صيانة سيادته عن خطر الأعداء وأَضرارهم ولهذا أوجب عليهم تحصيل قوة ضاربة ضدالعدو وإعداد جيش جدير بمواجهته كما في القرآن الكريم ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )) لكن كيفية الدفاع والطرق التكتيكية ونوع السلاح وما شابه ذلك منالأمور التي لم يـبينها الإسلام وذلك إيكالاً منه إياها إلى مقتضيات الزمان لأنهاتـتغير بتغيره لكن في إطار القوانين العامة وبعد هذا الذي ذكرناه من خلالملاحظة انقسام الأحكام الإسلامية إلى قسمين يتضح أن الشبهة المطروحة في محاولةالنيل من الإسلام العظيم لا تكشف إلا عن جهل مدعيها وضيق أفق مثيرها وفقرهمالمعرفي في الجوانب القانونية والحقوقية.
وفي الختام أعيد لكم اعتذاري عن تأخري
المفضلات