السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
في الكثير من الأحيان قد نسمع عن هذه المفردة ، أعني التسامح . فهي كلمة ربما تخرج من أفواه العديد من الناس ، كما أن البعض قد يستعذب نطقها ! إلاّ أن السؤال المحير الذي أود طرحه في هذه المقالة ، هو التالي : هل إننا جميعاً نعمل وفق هذه المفردة ؟ بمعنى آخر ، هل نحن كمسلمين نعمل بهذه الفضيلة الأخلاقية والقيمة الإنسانية التي دعت إليها فطرة الإنسان وعقله ، كما دعا إليها الدين الإسلامي في الكثير من نصوصه وآثاره ، وجميع الرسل الذين أُرسلوا بالحق ؟

للإجابة على هذا السؤال نحتاج لاستقراء ردود فعل الناس والمجتمعات من حولنا ، قديماً وحديثاً .

فنحن قد نقرأ الآيات القرآنية التي تحدثت عن ابني آدم بالحق { إذ قرّبا قُرباناً فُتُقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ، لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين } (المائدة:27-28) .

فما كان من قابيل إلاّ أن قتل أخاه ، ليصبح بعمله هذا مرتكب لأول جريمة قتل في التاريخ . وأثناء قراءتنا لهذه الآيات نشيد بموقف هابيل المتسامح ونشجب موقف قابيل الدموي العنيف . ولكن ، ماذا لو كنا نحن في موقفٍ كهذا ؟ هل سنُجيب كما أجاب هابيل أم سنُشمر عن أيدينا للقتال كما فعل قابيل ؟

أعتقد بأننا سنُشمر عن أيدينا للقتال ، خاصة إذا كنا في موقف قوة ، بالرغم من أن القرآن أنزل للتطبيق وحكى لنا القصة لنتمثل دور هابيل لا دور قابيل !

نعم ، قد يحفظ الكثير منا عن ظهر قلب مواقف رسولنا الكريم محمد بن عبدالله (ص) مع أعدائه والتي تجلت فيها أسمى صور التسامح ، فمن منا ينسى موقفه المتسامح مع ( وحشي ) قاتل عمه حمزة ؟

ومن منا ينسى موقفه مع مشركي مكة عندما فتحها ؟

لكن السؤال هنا : هل نتمثل نحن مواقفه الشريفة ونحاول الإقتداء به ؟

بعد عرضنا الموجز لموقفٍ من القرآن الكريم يحكي حالة العنف واللاعنف ، وآخر من السنة الشريفة، واستطراداً في الحديث ، أقول: قد نقرأ أيضاً للشاعر مقولته الرائعة التي يقول فيها :

وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى

وفارق ولكــن بالتي هي أحسن
وقد يتغنى بعضنا بهذه المقولة ، إلاّ أنه عندما يجد من يعتدي عليه ، سواءٌ كان ذلك الاعتداء باللسان أو باليد أو .. فلا يتردد المعُتدى عليه بالرد بالتي هي أشد وأقسى ! وعندما يفارق من هم كانوا بالنسبة إليه أشرف الناس يغادرهم وهو يتحدث عنهم كنصابين ودجالين !

كما أنه قد يقرأ المرء أبيات ( الشافعي ) التي يقول فيها :

يخاطبني السفيه بكل قبحٍ وأكره أن أكون له مُجيبا

يزيدُ سفاهةً وأزيدُ حلماً كعودٍ زاده الإحراق طيبا

لكن ، ما الذي يحدث للواحد منا عندما يسمع كلمة نابية من شخصٍ ما ؟ ما الذي يحدث عندما يرد عليه أحد السفهاء بقبحٍ ؟ هل هو في مثل هذه الحالة يكره أن يكون مجيباً للسفيه ، أم أنه سيرد عليه بأقبح مما سمع ؟ وفي حالة ازدياد سفاهة السفيه ، هل سيزداد الحليم حُلماً ، أم ماذا ؟

وقد يردد شخص ثالث ، ما قاله (الشافعي) أيضاً حول الصديق ، عندما أنشد :

سامح صديقك إن زلت به قدمُ
فليس يسلمُ إنسـان من الزللِ
والمشكلة التي يقع فيها البعض أنه وبمجرد أن تزل قدم صديقه ، كأن يتفوه بكلمة جارحة في حقه وربما بدون قصدٍ تراه مزمجراً غضباناً بعد أن كان قطاً وديعاً !

وربما سمع قارئي العزيز عن أشخاصٍ استخدموا سلاح القطيعة والجفاء لأصدقاء أعزاء عليهم ولسنين طوالٍ بسبب سوء فهم بينهم أو بسبب زلة لسان عفوية خرجت من أحدهم .

فالكثير من الناس في حالة الغضب يتناسى هذه المفردة ( التسامح ) بالرغم من ترديده لها طوال الأوقات الهادئة التي يمر بها خصوصاً إذا كان في موضع الواعظ ! كأن يكون مدرساً في فصلٍ دراسي ، أو خطيباً في مسجد ، أو كاتباً في صحيفة ، أو … الخ .

فهده حقيقة موجودة عند الكثير من المجتمعات ، فهم يتحدثون عن التسامح ليلاً ليمارسوا العنف صباحاً يؤمنون بالتسامح نظرياً ويكفرون به عملياً ، تراهم يقولون مالا يفعلون !

- فلماذا يحدث ذلك ؟

- لماذا نعيش - نحن المسلمين - بهذه الكيفية ؟

- متى سنعمل وفق ما نقول ؟

- أين نحن عن قوله تعالى : { خذ العفو وأمر بالعرف ، وأعرض عن الجاهلين } (الأعراف:199) أو { وأن تعفوا أقرب للتقوى } (البقرة:237) وغير ذلك من آيات قرآنية .

وللإجابة عن بعض ما طرح ، أقول - وعلى الله التسديد - إننا أصبحنا لا نمتلك لروح التسامح ، لسببٍ أساس وهو : غياب القدوات ، ولعدم استخدامنا لمبدأ التسامح كطريقة في التربية والتوجيه .

فأين هي القدوات التي تمثل التسامح في مجتمعاتنا حالياً .. أين ؟

فالمدير الذي يترأس مجموعة من الموظفين ، هل يتعامل معهم بمبدأ التسامح في حالة حدوث الخطأ من بعضهم ، أم ماذا ؟

والمدرس الذي يفترض أن يكون قدوة لطلابه ، هل هو يتعامل معهم وفق هذا المبدأ عندما يخطئون في حقه ، أم يلجأ للعصا ؟

وعلماء الدين الذين يفترض فيهم أن يكونوا قدوات للناس من حولهم ، هل يتسامحون ويعذر كل منهم الآخر في حالة الاختلاف ، أم يلجأ كل واحد منهم لسلاح التشهير والإسقاط ؟ .

فلأننا نفتقد للقدوات التي تمتلك لهذه الروح في مجتمعاتنا أصبحنا غير متسامحين ، ومن المسلمات أن النتيجة تتبع أخس المقدمات ! وأنك لا تجني من الشوك العنب !

فكيف نطلب من الطالب أن يكون متسامحاً وهو يرى بأم عينه ، أباه متعصباً ؟ كيف نريد منه أن يكون متسامحاً وهو يرى مدرسيه وقد أصبحوا أعداءً ؟

فلكي نعيش هذه المفردة الجملية في حياتنا نحتاج إلى ممارستها عملياً طوال الأوقات ، في البيت ، في المدرسة ، في المتجر ، في المصنع ، في … الخ ، وليجعل كل شخصٍ منا من نفسه قدوة في التسامح ، مع زوجته ، مع أولاده ، مع أصدقائه ، مع معارفه ، مع جيرانه ، مع طلابه ، مع مخدوميه ، مع محاوريه … الخ .

أخيراً ، ينبغي أن نؤمن بالتسامح كقيمة داخل ذواتنا لا أن نحمله كشعار أجوف فوق صدورنا ، وبهذه الكيفية ربما نتفيء من ظلال هذه الشجرة الباسقة الوارفة الظلال .

نعم ، قد نكون قاب قوسين أو أدنى من أولئك الذين تحدث عنهم القرآن الكريم ، بقوله : {والكاظمين الغيظ ، والعافين عن الناس ، والله يحب المحسنين} (آل عمران:134) .


للكاتب الاخ حسن آل حمادة



وتقبلو تحياتي

awam