( 12 )
" لابد أن تعرف الحقيقة"
كالمجنون ..
أو كالمتوتر الذي أضاع شيئاً ثميناً ..
دخل أبو عيسى إلى منزله ..
وأخذ يصيح
أبو عيسى : عيسى .. عيسى .. أين أنت ؟
عيسى يصيح من غرفته : ماذا تريد ؟
أبو عيسى : تعال هنا أيها العاق ..
عيسى : ماذا تريد يا موسى ..
كان ينادي والده بإسمه
أبو عيسى : قلت لك مليون مرة ألا تناديني بإسمي ..
فلست أحد أصدقاءك الحمقى ..
عيسى : وماذا تريد الآن؟
أبو عيسى : ستأتي معي إلى المسجد في صلاة المغرب ..
ثم إلى الدكان فهمت ؟
عيسى : لكنك تعرف جيداً أنني لم أذهب إلى المسجد منذ سنتين ..
وتعرف جيداً أني لا أحب الذهاب إلى هناك ..
أبو عيسى بغضب ..
وقد تقدم خطوة نحو الأمام : قلت لك فهمت ..
عيسى : حسناً .. حسناً
أبو عيسى : والآن اغرب عن وجهي ..
وارتدي شيئاً مناسباً .. ثم عُد لنذهب ..
صعد عيسى غرفته ..
وارتدى ثوباً .. وأغلق باب غرفته بقوة تذمراً منه ..
ثم عاد ..
وذهب الإثنان إلى المسجد ..
حين دخل عيسى إلى المسجد ..
كان بعض المتواجدين يحدقون فيه تعجباً ..
فقد كانت مدينتهم صغيرة والجميع يعرف بعضهم ..
والجميع يعرف أن عيسى لم يضع قدماً في مسجد أو مناسبة دينية منذ فترة طويلة ..
وكان عمار ينظر إليه مبتسماً ..
" أرجو أن يكن الله قد هدى هذا الشاب
وأباه "
ونظر عيسى إلى عمار باحتقار ..
" إلى ماذا ينظر هذا العجوز الخرف الصدئ "
بعد الصلاة ..
سار أبو عيسى وإبنه مباشرة إلى الدكان ..
وتوقفا عند بوابته المغلقة ..
رمى أبو عيسى بمفاتيح الدكان بيد عيسى ..
أبو عيسى : خذ إفتح الباب
عيسى : لماذا ؟ أين العمال ..
أتريدني أن أعمل في الدكان يا موسى ..
أبو عيسى : لقد صرفت العمال الليلة ..
فليس هناك إلا أنا وأنت ..
وهيا إفتح الباب .. فأمامنا الليل بطوله لنقف ..
أما الدكان نثرثر يا أحمق ..
فتح عيسى الدكان وأضاء الأنوار ..
أخذ والده المفاتيح من يده نهباً ..
وجلس خلف مكتبه .. وأشار إلى عيسى أن يجلس ..
وفتح خزنةً في الدكان .. كانت من النوع الرمادي الغالي الذي يقفل بمفتاح وبرقم سري ..
ثم أخرج منها صندوقاً معدنياً أحمر كان مقفلاً الآخر ..
وفتحه بمفتاح صغير في نفس ميدالية مفتاح الدكان ..
وأخرج منه ورقة بدت عتيقة وقديمة ..
حتى بانت بها آثار الإصفرار .. والتفتت بها ..
في نفس الوقت .. في بيت أبي مهدي ..
أتت أم مهدي لأبنها بمبلغٍ قليل ..
وطلبت منه أن يذهب لدكان أبي عيسى .. ويجلب خبزاً للعشاء ..
مهدي : أمي لكني لا أحب الذهاب إلى هناك فهذا الرجل ..
هذا الرجل مجنون ..
أم مهدي : لا يصح أن تقول عن الناس هذا ..
والآن إذهب ياصغيري ..
فأباك يعمل حتى الآن ..
وعندما يعود سيكون متعباً ..
لذلك من الجيد أن يكون العشاء معداً حين يعود ..
مهدي : حسناً
خرج مهدي يسير إلى الدكان من غير رغبة ..
كان يسير كالمدفوع .. وكأن كل رجل تجبر الأخرى على السير ..
وكان يحرك بقدمه .. ما يصادف من احجار صغيره ..
لكنه في الواقع لم يكن يسير بمفرده ..
بل كان هناك إثنان ينظران ويرصدان ..
إبليس والوسواس الخناس ..
إبليس : أترى إن الأمور تجري كما خططت لها ..
الوسواس الخناس : لست أرى إلا طفلاً ذاهباً يشتري خبزاً ..
مهلاً ..
إنه الطفل الذي برفقة عمار !!
إبليس : بالضبط .. ومن هنا سأسدد لعمار ضربتي الأخيرة ..
الوسواس الخناس : سنرى
كان سير مهدي هادئاً ..
لذلك لم يكن أبو عيسى وإبنه ليشعران به حين وصل بقرب باب الدكان ..
فتوقف مهدي فجأة بجانب الدكان ..
بعد أن سمع أبو عيسى يتحدث مع إبنه ..
مرر أبو عيسى الورقة القديمة إلى إبنه ..
إبو عيسى : ماذا ترى ؟
عيسى: وماذا أرى ورقة قديمة مهترئة ..
نهض أبو عيسى ثائراً من خلف مكتبه ..
وأمسك بذقن عيسى بغضب ..
وأنزل وجهه نحو الورقة القديمة الموضوعة على المكتب ..
بينما كان مهدي يراقب ..
أبو عيسى : لقد أصبحت رجلاً كبيراً ومسؤولاً ..
وأنت من سيدير أملاكي من بعدي ..
فلا بد أن تعرف الحقيقة حتى تحذر ..
والآن أخبرني ماترى في الورقة إقرأ..
عيسى : مكتوب " أقر أنا موسى العامر أن يوسف الخليل قد شاركني بماله في نصف ماأملك ..
وقد غطيت بأمواله معظم مستحقات ديوني ..
وبهذا أصبح شريكاً رسمياً وشرعياً في نصف
أملاكي "
أبو عيسى : هل عرفت الآن إن يوسف الخليل هو أبو أحمد وقد توفي منذ خمسة عشر سنة ..
وحسب ما أعرف ..
أنه لم يترك مايثبت ما قرأت للتو سوى هذه الورقة المبصومة والموقعة من كلانا فقط ..
فكما تعلم كنا صديقين ونثق ببعض ..
لكن بعد موته ..
وأقولها لك وبصراحة ..
استوليت على كل شيء فالحلال حلالي منذ البداية ..
عيسى : إذاً لِـمَ لا تتلف الورقة ؟
أبو عيسى : أحمق ..
وماذا لو كان بحوزة أبو أحمد ما يثبت أنه يملك النصف ..
وماذا لو ادعى أحد أبناءه حتى أن الحلال كله من حقهم ..
فهذه الورقة تثبت على الأقل أن النصف من حقنا ..
فهمت..؟
بدت علامات الشرود والتفكير على وجه عيسى : أجل فهمت ..
تراجع مهدي إلى الخلف ..
واصطدم بباب الدكان فأصدر صوتاً ..
وولى عائداً إلى البيت سريعاً ..
عيسى : هل سمعت ياموسى ؟
أبو عيسى : أجل وماذا تنتظر .. لقد سمعنا أحدهم إلحق به ..
... يتبع ...
المفضلات