( 4 )
" ماالذي دفعه للهرب ؟"




بعد أن غادر الوسواس الخناس عمار ..
كان الليل أوشك أن يغص بظهور الفجر ..
نهض من على سجادته ..
وتهيأ كي يذهب إلى المسجد كعادته ..
ليفتح أبواب الخير مع بداية كل يوم ..
فجأة سمع طرقاً خافتاً على باب بيته ..
لكنه كان طرقاً سريعاً..
ينقطع لثواني قليلة جداً .. ثم يعود ..
توجه عمار إلى الباب في عجل وهو متعجباً ..
من عساه أن يكون في مثل هذا الوقت ..

عمار: من هناك
لم يلقى أي رد ..
سوى أن الطرقات أخذت تقوى

اقترب عمار من الباب ..
عمار بريبة : من .. من هناك
فتح عمار الباب ..
وإذا به يجد مهدي الصغير .. واقفاً مذعوراً ..
حافي القدمين ..
مرتدياً ملابس غير مرتبة .. بدا أنها ملابس النوم ..
وكان ينظر إلى عمار بعينين خائفتين غارقتين في بحورٍ من الدموع ..
وما إن فتح عمار الباب ..
حتى ألقى مهدي نفسه في حضن عمار بقوة ..
حتى أن عمار رجع خطوة إلى الخلف ..

من قوة دفع مهدي له ..
ثم أخذ يجهش في البكاء ..

عمار: مابك ياصغيري؟ طمئني ماذا حدث ؟
وما إن أنهى عمار كلامه ..
حتى رأى أبا مهدي مسرعاً نحوهما ..
وعلى وجهه ملامح ذعرٍ تفوق تلك التي على وجه مهدي..

أبو مهدي : الحمدلله
واندفع نحو مهدي وهو يلهث ..
وانتزعه من حضن عمار..
وأخذ يمسح على وجه وجسد إبنه وهو يلهث ..
وكان وكأنه يتفقده إذا كان جسمه سليماً أم لا ..
بينما كان عمار ينظر متعجباً ..

أبو مهدي: لماذا فعلت ذلك ياصغيري ..
لماذا هربت من المنزل ..
لماذا؟

ولم يزد سؤال أبومهدي إبنه إلا زيادة في البكاء ..
عمار: ماذا يحدث ؟ ماذا جرى؟
أبو مهدي: لا أعلم ..
كنت وأم مهدي نائمين ..
فجأة سمعت باب الطريق يغلق بقوة ..
نظرت من نافذة الغرفة .. وإذا أرى مهدي يجري يقطع الطريق ..
فتبعته مباشرة .. والحمدلله أنه جاء عندك ..

عمار : فعلاً غريب ..
اسمع ..
سأذهب إلى المسجد الآن ..
وعد أنت بمهدي إلى البيت ..
وسأمركم إن شاء الله بعد صلاة الصبح ..

لأطمئن عليه ..
أبو مهدي : نلتقي إذاً
حمل أبو مهدي إبنه .. وسار به عائداً إلى المنزل ..
بينما دس مهدي وجهه قرب كتف أبيه ..

ودموعه لازالت تنهمر متدافعه ..
وكأنما ضاقت بها عيناه ..
فلم يعد أمامها إلا أن تخرج متدافعه من عينه ..
دخل أبو مهدي إلى منزله ..

وكانت زوجته بانتظاره ..
وكانت كالذي مات ألف مره ..
لكن روحه لم تخرج منه .. وما إن رأت إبنها حتى انقضت عليه ..
تحضنه وتقبله ..

أم مهدي: ماذا حدث .. أين ذهب؟
أبو مهدي : ذهب إلى عمار ..
أم مهدي : عمار.. تقصد عمار الخير ؟؟
أبو مهدي : ومن غيره ؟
أم مهدي : لكن لماذا يذهب إلى عمار ..
ولم يأت إلينا ؟
أبو مهدي : لاأعرف المهم أنه بخير ..
أم مهدي : لا أدري ماالذي دفعه للهرب ..

في هذه الأثناء صدح صوت عمار بالأذان ..
وأرسل صوته عبقاً في الأجواء ..
مردداً نداء الخلود

" إن الله وملائكته يصلون على النبي"

أبو مهدي : حاولي أن تسأليه ..
لكن لا تلحي عليه يكفي مابه ..
والآن سأذهب للمسجد ..
وبالمناسبة سيأتي عمار بعد الصلاة ليطمئن على مهدي ..

بعد الصلاة ..
خرج عمار وأبو مهدي متجهين إلى منزل أبو مهدي ..
وأثناء الطريق تبادلا الحديث

عمار:برأيك ماالذي دفع بمهدي للخوف والهرب من البيت هكذا ..؟
أبو مهدي: لاأعلم .. كنت على وشك أن أسألك نفس السؤال ..
كما تعلم مهدي يقضي معظم وقته معك ..

عمار: فعلاً ..
لكنه لم يخبرني عن شيء قد يدفعه إلى الهرب من البيت ..

أبو مهدي: لكنه في الواقع لم يهرب ..
بل كان يقصدك .. جاء إليك ..

عمار : فعلاً ..
لقد حدثني أمس عن حلمٍ يتردد عليه وأنه يرعبه ..

أبو مهدي : لكن ..
لا أعتقد أن تكرر حلماً مخيفاً قد يدفع بطفلٍ إلى الهرب من منزله في وقتٍ متأخر ..
بل يقصد والديه ..

عمار : حقاً .. كلامك صحيح ..
في هذه الأثناء وصلا إلى منزل أبي مهدي
أبو مهدي : تفضل ..
فتح أبو مهدي الباب لعمار ..
فدخل عماراً إلى المنزل .. ثم مباشرة إلى المجلس من خلال باب خارجي ..
كان المجلس يوحي بالراحة النفسية ..
فعندما تدخل يقابلك لوحة ببرواز مذهب ..
كتب فيها

"اللهم صلي على محمد وآل محمد"
بخطٍ متشابك في بعضه ..
وعلى جدارٍ آخر توجد صورة من الصور التقريبية للإمام علي (عليه السلام) ..
وبالقرب من النافذة كانت مكتبة مشبعة بمختلف الكتب الدينية ..
اضافة إلى رائحة البخور ..

الذي يضفي على الجو نفساً طيباً ..
أبو مهدي : إسترح .. فأم مهدي تعد الإفطار ..
عمار: ليس قبل أن أرى وأطمئن على مهدي ..
أبو مهدي: للأسف ..
لقد استسلم للنوم بعد أن غادرنا في حجر أمه ..
والآن هو في الصالة نائم..

عمار : إذاً دعه نائماً ..




... يتبع ...