( 6 )
" لمن النصر ؟!"
بين كلمات تصغي لسماعها الآذان ..
وتدمع لوقعها العيون ..
وتخشع لصداها القلوب ..
كلمات ليست كالكلمات العادية .. لأنها تواصل مع الله تعالى ..
كلمات تبقى تدق أبواب السماء بإلحاح مستميت ..
" إلهي يامن يعطي الكثير بالقليل .. إرحم من رأس ماله الدعاء وسلاحه البكاء " ..
أطلق عمار هذه الكلمات للسماء ..
وهو رافعاً رأسه من سجود ..
فسرت دموعه متسابقة أيها يبلل شيبة لحيته أولاً ..
دموع اليمين أم اليسار ..
رفع عمار يديه إلى السماء ..
عمار: إلهي ..
أنت أرحم من الأم على طفلها ..
ونحن رعاياك وفي أمانتك ..
فاحفظ رعاياك ياالله .. ولاسيما مهدي بحقك ياالله وبحق محمد وآل محمد ..
نهض من على سجادته كالمغصوب ..
الذي أرغم على مفارقة حبيبه ..
وكله شوق للعودة إلى أحضانه ..
ارتدى غترته ..
وكعادته نظر من نافذة غرفته للسماء للحظة وابتسم ..
توجه نحو عطر العود على المنضدة بجانب فراشه ..
وتعطر به ..
ثم أخذ عكازه ..
وخرج ليأذن لصلاة الفجر ..
أقفل عمار باب بيته ..
وسار بتمهل إلى المسجد ..
وتسابيحه تسبقه إلى المسجد ..
متسللة لتعلن بقوة كلمة حق ..
تبقى للأبد .. " الله أكبر " ..
بينما كان عمار يسير في الطرقات الخالية ..
لم يكن يسمع سوى صوت وقع نعله ..
وهمس خافت ..
هو صوت تسبيحه واستغفاره ..
هنا كانت أعين متربصة تنظر لعمار ..
تنظر والحقد يتطاير منها .. حتى أنه لو كان ناراً لأحرق الأرض بما فيها ..
لقد كانت عين المرجوم .. عين الكفر والتكبر ..
عين إبليس ..
أخذ إبليس يرصد خطى عمار بحذر ..
مراعياً ألا يحسه ولو لوهلة ..
وعندما عاين طريق المسجد .. سبق عمار في السير ..
فمسح بردائه الأسود على الطريق ..
فامتلأ حفراً من الطين .. وتنحى جانباً وأخذ يراقب ..
واصل عمار مسيره ..
حتى وصل بقرب حفرة من الطين ..
فداست رجله فيها مما أدى إلى اتساخ ثوبه ..
فقرر مباشرة أن يعود ليغير لباسه ..
ابتسم إبليس ظناً منه أنه انتصر ..
لكنه مالبث أن سمع صوتاً ذب الرعب في كل خلية من خلايا جسده ..
حاول الهرب لكنه لم يقدر ..
وكأنما ثبت في مكانه ..
الصوت : أتعتقد أنك انتصرت .. أنتظر وسترى لمن النصر ..
وإذا به يرى عمار قد غيّرَ ملابسه وعاد ..
استشاط غضب اللعين .. وأصر إلا أن يثني عمار عن الذهاب للمسجد ..
الصوت : لقد غفر الله لعمار ماسبق وتقدم من ذنوبه ..
جزاءاً لعمله والله يجزي المحسنين ..
عندها فار غضب اللعين ..
وزاد حفر الطين في طريق عمار ..
فداس عمار في حفره .. واتسخت ملابسه .. فعاد أخرى ليغيّرها ..
فظن إبليس أنه استسلم ..
فأخذ يصرخ وهو ينظر للسماء ..
إبليس : لمن النصر الآن هاه .. لمن ؟
وليست إلا وهلة .. حتى عاد عمار ..
الصوت : إن الله متم نوره ولو كرهت .. لقد غفر الله لعمار وجيران عمار ..
وصل الغضب بإبليس درجاته ..
حتى وكأن عيناه جحظتا من مكانهما ..
بينما عمار واصل سيره ..
فرأى رجلاً واقفاً في أحد الزوايا أمامه ..
ويحمل مصباحاً ..
وهو ينظر لعمار بغضب ..
عمار : من أنت ياهذا .. وماذا تفعل في هذا الوقت ؟
تقدم الرجل منه .. وهو صامت ..
وهو ينظر إليه بنظرات مباشرة .. من العين للعين ..
الرجل : خذ .. خذ هذا المصباح ..
ومدَّ المصباح نحو عمار فأخذه ..
عمار باستغراب : ولماذا المصباح ؟
الرجل : حتى ترى حفر الطين في طريقك فلا تقع فيها ..
عمار: وما أدراك ؟
الرجل : حين وقعت أول مره ..
وعدت وغيّرت ملابسك .. ثم رجعت للمسجد غفر الله لك كل ذنوبك ..
وفي الثانية غفر الله لك ولجيرانك ..
وخشيت أن تقع وتعود ثالثة ..
فيغفر الله لآهل قريتك جميعاً ..
فيذهب عملي هباءاً ..
عمار : وكيف عرفت كل هذا ..؟؟
الرجل : ليس صعباً على من أخرج أباك آدم من الجنة أن يعرف هذا ..
عمار : أتقصد أنك إبليس ..
الرجل : أجل أنا هو ..
وسنرى يا عمار من سينتصر ..
فما هذه إلا البداية ..
وإن لم أتغلب عليك فالتغلب على من حولك أسهل ..
وسنلتقي قريباً ..
قريباً جداً .. أعدك ..
وابتسم إبتسامة خبث ..
واختفى وكأنه لم يكن ..
وواصل عمار طريقه إلى المسجد ..
وحرر الأذان في كفوف الريح .. لتنقله إلى الآذان الموالية ..
ليبقى أذاننا حبل صلة بيننا وبين الله .. وبين أهل البيت ..
قصة إبليس والعبد الصالح مقتبسة من قصة واقعية على لسان السيد الفالي حفظه الله
... يتبع ...
المفضلات