( 10 )

" لا يزال يقاوم "




مع وصول أول شخص من أهل القرية إلى مصدر الصوت ..
كان أبو عيسى ..
آخذاً بعنق أحمد يخنقه .. وهو مستلقٍ على الأرض ..
بينما أهل أحمد .. يصرخون طالبين للغوث ..
فاندفع الرجل حول أبو عيسى .. ودفعه من فوق أحمد ..
فشهق شهقة كادت أن تخرج روحه معه ..
وأجلسه يساعده على التنفس ..
لقد كان الرجل أبو مهدي ..

أبو مهدي : هل فقدت عقلك ..
أتحاول أن تقتل شاباً ضعيفاً في عمر أولادك ..
ماذا حصل لك ؟
أكلُ هذا بسبب المال ؟

أبو عيسى : ليس المال فقط ..
هذا اللص يستحق الموت ..
فلم يكتفي فقط بعدم دفع الايجار ..
بل وسرق دكاني ..
تستطيع أن تذهب وترى بنفسك



في هذه الأثناء ..
بدأ أهل الحي بالتجمع .. ومن بينهم عمار ..
الذي أقبل نحو أحمد مسرعاً ..

عمار: أنت تنزف ؟؟ ماذا حدث ؟!
لم يكن أحمد في حالٍ تمكنه من الكلام ..
فرد أبو مهدي

أبو مهدي: لولا أني تدخلت لكان أحمد مقتولاً الآن ..
على يد أبو عيسى

هنا علا تهامس الناس .. واستنكارهم للأمر !!
عمار: ماذا تقول .. يقتله !!
أبو مهدي: أجل ..
لقد كان آخذاً بعنق الفتى المسكين يخنقه ..
لولا رحمة الله لَأجهزَ عليه ..
ولم يرحم لا توسل أمه ولا صياح اخوته ..

أبو عيسى : يستحق الموت هذا اللص الوقح ..
عمار: وافترض أنه لص .. اللص لايقتل ..
أبو عيسى : لكن هذا يقتل لأنه وقح ..
لم يكتفي بعدم دفع الايجار ..

بل وسرق دكاني ..
والآن أريده أن يدفع مبلغ الايجار ..
ويعيد المال المسروق ..
وأن يخرج من بيتي من ساعته ..
اضافة اني سأتقدم ببلاغ إلى الشرطة ..

أبو مهدي : اتقي الله يارجل .. ليسوا إلا أيتام ..
أبو عيسى : ليسوا إلا لصوص ..
عمار: وما أدراك أنه هو من سرق ؟
هل رأيته ؟!

أبو عيسى : لم أره ..
لكن من البديهي أن يعمل ذلك ..
كي ينتقم مني هذا التعس اللعين ..

عمار: أرجو أن تبقى محترماً يا أبا عيسى ..
فلا يكفيك أنك تهجمت على الرجل .. وحاولت قتله ..
واتهمته ..

وأخرتنا عن وقت صلاة الفجر ..
الآن ترميه بالألقاب ..
كن حليماً ..

أبو عيسى : لا تقلق ياشيخ ..
سترى كم أنا حليماً في مركز الشرطة ..
وأريده خارج منزلي حين أعود ..
وإلا سيخرج هو وأهله بالقوة ..
وسَأزُجّ بأغراضه إلى الشارع ..
وله وقت حتى الثالثة عصراً ..



انصرف أبو عيسى وهو يلهث ..
كأنه يبحث عن أي ذرة أكسجين ليتنفسها ..
وكأنما الشيطان الذي سخر له ..
كان يتنفس كل الهواء الذي يتنفسه هو ..


تعاون رجل مع أبو مهدي في حمل أحمد إلى سيارة .. وأخذوه إلى المستشفى ..
بينما عاد عمار إلى منزله ..
وجهز نفسه للصلاة ..

وذهب إلى المسجد وأذّن ..
كان ذلك ..
هو أول يوم يؤذّن فيه أذان الصبح متأخراً ..





حمل إبليس أحد قوارير المعاصي ..
أتى له بها الوسواس الخناس ..
وأخذ يتأملها .. وهو مبتسم ..
بينما كان مستلقياً على جنبه ..
وإحدى قدميه موضوعة على ذراع عرشه ..
بينما الأخرى متدلية تلامس الأرض ..
وأخذ يضحك ضحكاً متقطعاً..

إبليس : ههه .. هه .. أقلت لي أن هذه من أبي عيسى ؟
الوسواس الخناس : أجل .. لقد كان سهلاً جداً ..
حتى أن من اهتم به أضعف شيطان في جيشنا ..
وما هذه إلا بداية الغيث ..

إبليس : حقاً .. هذه بداية الغيث ..
لكن حين يأتي الغيث ..

أنا من سأقصم ظهر عمار ..
وأخذ يواصل الضحك..
وهو ينظر إلى القارورة بسرور ..





مع ظهور أول شعاع شمس ..
كان عمار بجانب سرير أحمد في المستشفى ..
الذي كان رأسه ملفوفاً بلفاف أبيض ..
ويظهر على سطحه بقعة دم حمراء ..

عمار : كيف تشعر الآن ؟ كيف جرحك ؟
أحمد : جرح رأسي لا يألمني يا عمار ..
الذي يألمني جرحٌ هنا ..

وأشار نحو قلبه .. وأشاح بوجهه عن عمار..
وانحدرت على خده دمعة حارة ..
لو وقعت في بحر لبخرته .. لحرقة قلب أحمد ..
مسح دمعته ..

ثم أعاد النظر إلى عمار ..
أحمد : لقد أهانني ..
وضربني أمام الملأ .. وأمام أهلي ..
أنا لست لصاً يا عمار ..
لست لصاً

عمار : أصدقك يا بني ..
وأنا متيقن كل اليقين أنه لا يدٌ لك في ما حدث ..

أحمد : مؤكد أنه الآن في مركز الشرطة ..
وسيخرج أهلي من البيت ..
سيحدث ما خشيت حدوثه ياعمار ..
سيضيعني ويضيع أهلي ..

عمار: ماذا تقول يا أحمد ..
لن يضيع أحد منكم وأنا موجود ..
ستسكنون في بيتي

أحمد : وأنت أين ستذهب ..
عمار : لا تقلق علي ..
فأنا أستطيع أن أتكفل بنفسي ..
سأعيش في مخزن مكتبتي حالياً ..
وسأذهب من ساعتي إلى بيتك ..
وأخبر أهلك بأن يجهزوا أغراضهم لينتقلوا إلى بيتي ..
وسأساعدهم أيضاً

أحمد : لا أعلم كيف سأردُّ لك هذا الجميل ياعمار ..
عمار: لا تقل جميلاً.. إنه واجب علي



هنا أدار الوسواس الخناس وجهه لحائط الغرفة ..
واختفى وهو يقول ..

الوسواس الخناس : اللعين ..لا يزال يقاوم




... يتبع ...