( 9 )
" الضمائر النائمة "
سار عمار ..
وهو ممسكاً بيد مهدي إلى بيت أحمد ..
الشمس أوشكت على المغيب..
وكانت هناك هبات من الهواء الحار تارة ..
والبارد تارة ..
مما يجعل قطرات من العرق تنزل من على الجبين وتتبخر سريعاً ..
حتى وصل إلى باب بيت أحمد ..
أو بالأحرى بيت أبو عيسى المؤجر..
ودق جرس البيت ..
فتح الباب بصعوبة .. مصدراً صوتاً خشناً ..
يدل على أن الباب قديم كقدم البيت ..
وأطل من خلفه أحمد ..
عمار: السلام عليكم
أحمد : وعليكم السلام .. مرحباً بعمار الخير ..
عمار : كيف أمسيت يابني ؟
أحمد : بخير .. نحمد الله
عمار : إسمع .. لقد كلمت أبا عيسى .. وقد كان جافياً .. لكن هناك حلاً أخيراً ..
أحمد بحماس : وماهو ؟ أنا مستعد لصنع أي شيء ..
لا أهتم لنفسي ..
لكن لأمي وإخوتي أين يذهبون لو خرجنا..
عمار : لقد أعطاكم أبو عيسى مهلة .. حتى الغد ..
أحمد مقاطعاً : ماذا ؟؟
حتى الغد فقط ..
عمار : كن صبوراً يا بني ..
وأنا سوف أعطيك ما معي من مال ..
آمل أن يغطي ايجار البيت ..
بالمناسبة بكم ايجاره؟
أحمد : ياليت لو أن ايجار البيت يستحق وضع البيت ..
إنه أربعة عشر ألف في السنة ..
عمار : ما معي لا يغطي حتى نصف المبلغ ..
لكن لا تقلق ..
بعد صلاة المغرب ..
سأدعو أصحاب القلوب الرحيمة .. ليمدوا لك العون ..
أحمد : لكنك تعرف أني لا آخذ الصدقات ..
وليست إلا فترة ضيق أمر بها ..
شدة وستزول ..
لكن هذا الجشع يأبى أن يعطيني فقط شهراً واحداً ..
إنه شهراً واحداً يا عمار ..
عمار: ليست صدقات .. إنها مساعدة منَّا من أهل حارتك ..
وأهلك ..
وليس إلا وقت ضنك تمر فيه ..
يمكن أن يحدث لأي أحد منا ..
وضع أحمد يده على فمه ..
وأطرق رأسه إلى الأرض ..
لوهلة يفكر .. واختنقت العبرات في عينيه ..
أحمد : أتعلم لو كان أبي على قيد الحياة ..
عمار: أعلم ..
أعلم لكانت الحال مختلفة ..
لكنها الدنيا يا بني ..
وإن توفي أباك .. فأنا أباك ..
وكل رجل صالح هو أب لك ..
لا تحزن يا بني هذه سنة الحياة ..
رخاء وشدة ثم رخاء ..
ستفرج .. صدقني
أحمد : أترى ذلك ياعمار ؟
عمار : نعم .. ونحن جميعاً أهلك ..
ومادمنا نستطيع المساعدة سنساعد..
والآن يجب أن أذهب إلى المسجد ..
أستأذنك يا بني ..
وتوكل على الله ..
أحمد : لاحول ولا قوة إلا بالله ..
بعد صلاة المغرب ..
أستعطف عمار أصحاب القلوب الرحيمة ..
بدعوتهم إلى التقرب إلى الله .. بمساعدة أحد البيوت ..
فلم يبخل أهل الحارة ..
وجمع مبلغ من المال .. وبعد أن تفرق الناس ..
بقي عمار وأحمد في المسجد ..
وأخذا يعدان المال ..
أحمد : أرأيت ياعمار .. قلت لك أنها قد تعسرت ..
عمار : لاتقلق .. فكم بحوزتك ؟
أحمد : ألفان وخمس مئة .. وأنت ؟؟
عمار: ألف .. إضافة إلى ذلك .. رأس مالي .. وهو حول الأربعة آلاف ..
أحمد : إذن المجموع هو حول الستة آلاف وخمس مئة ..
هذا بالكاد يغطي نصف المبلغ ياعمار ..
عمار: سأكون غداً صباحاً معك ..
وآمل أن يكون الرجل قد عاد إلى رشده ..
وإن شاء الله ..
سأحاول إقناعه بأن يقبل بنصف المبلغ إلى نهاية الشهر الذي تريده ..
وسأكفلك عنده أيضاً .. فما رأيك ؟
أحمد : وهل بقي لي خيار ..
كما ترى ياعمار ..
لن أنسى لك ذلك ماحييت
عمار : لاتقل ذلك يا بني فهذا واجبنا نحوك ..
والآن إذهب إلى بيتك وطمئن أهلك واسترح ..
فأمامك يوماً طويل بالغد ..
أحمد : نعم إنه كذلك ..
إنه وقت نشاط عملكم ..
الآن هو الليل ..
لاأريدكم أن تبحثوا عن العيون النائمة ..
لكن ابحثوا في الضمائر النائمة .. بعثروا كل قلب ونفس ..
ادخلوا في خلجات كل واحد ..
وأشعلوا الرغبات الدفينة ..
فهذا هو وقتنا .. معركتنا ..
هيا .. انطلقوا ..
هكذا أثار خطاب الوسواس الخناس حماس الشياطين ..
فانطلقوا بلا هوادة كالمجانين ..
كما النار التي تركت لتنتشر في الهشيم ..
هكذا كانوا ..
فاختار كل واحد منهم .. ضحية من أصحاب الأنفس الضعيفة ..
وابتدأت الحرب ..
فالذي كان من أبي عيسى ليس إلا البداية ..
في فجر اليوم الثاني ..
لم يستيقظ أهل الحارة على صوت أذان عمار الرخيم كما اعتادوا ..
لكن استيقظوا على صوت قرع قوي مدوّي .. على أحد أبواب البيوت ..
مع صوت صراخ رجل ينادي بأعلى صوته ..
وكأنه يريد أن يسمع القاصي والداني بما يقول ..
لقد كان أبو عيسى يطرق على باب أحمد ..
وهو يصرخ
أبو عيسى : أخرج أيها اللص !!
فتح أحمد الباب ..
وبدت ملامحه مخلوطة بملامح النوم والذعر ..
وإذا به يفاجأ بحجر متوسط الحجم ..
يصطدم بجبينه ويشجه ..
وأخذ دمه ينهمر .. متحرراً من جبينه بلا توقف ..
.... يتبع ....
المفضلات