تتمه :




بعد ساعة زمن ..
توقف أبو مهدي عند جثة ملقاة في الأرض
" لا .. لابد أني أحلم .. ربما يكون طفلاً آخر .. لكنه مؤكد ليس مهدي " ..
اقترب أبو مهدي من الجثة ..
وجثى على ركبتيه ..
كان الدم جافاً على وجه الجثة .. مماجعله يبدو كالمحترق ..
" لا أستطيع أن أميز الوجه في هذا الظلام والغبار ..
لكن ياإلهي .. لا .. لا .. هذه الملابس .. هذه الملابس أعرفها جيداً ..
إنها ملابسه .. إنها ملابس مهدي "
رفع أبو مهدي رأسه إلى السماء ..
وصرخ : يا إلهي .. لا.. لا ..
وضم مهدي إلى صدره .. وأجهش في البكاء





فتح أبو مهدي باب بيته ..
كان يحمل مهدي ..
يداً تحت رقبته ويداً تحت مفاصل ركبتيه ..
وكان رأس مهدي مائلاً للأسفل ..
قفزت أم مهدي من مكانها : الحمد لله لقد وجدته أين ؟

أم مهدي : أين وجدته ؟؟
لم يرد عليها أبو مهدي ..
وجثى على ركبتيه بجمود ..
ورفع مهدي إليها وهي واقفة ..
وحين نظرت لوجه مهدي ..
صرخت بتعصب : لا ..لا .. هذا ليس إبني ..
إنهض واحضر لي إبني

ووضعت عباءتها على رأسها ..
وخرجت تنادي في الطريق : مهدي .. يامهدي ..
أين أنت ياصغيري .. مهدي .. ولدي .. إرجع لي ..
إرجع لأمك أين أنت




كان عمار بالجوار ..
وحين رأى أم مهدي تصرخ بالطريق ..
دخل إلى بيتها مسرعاً ..
بينما أمسكت بها أحد الجارات تهدأها ..
وحين دخل عمار المنزل ..
رأى أبو مهدي جالساً على الأرض ورأسه مطأطئ ..
ومهدي جثة ممدة أمامه ..
حينها توقفت اللحظات في عمر عمار ..
وأخذت الدنيا تدور من حوله ..
ودار شريط من ذكريات مهدي في باله
" جدي عمار .. كيف حالك ..
لقد أخبرتني إذا رأيت مناماً مزعجاً ألا أخبر أحداً ..
نفس الحلم ياجدي عمار ..
يتكرر ويتكرر لكن بشكل مختلف ..
هل أنا بخير ياجدي .. هل سيصيبني مكروه ..
وما تقرأ .. ياجدي عمار ؟..
جدي عمار .. تبدو قلقاً ..
هل يمكنني أن أساعد ياجدي عمار .. أرجوك .. أرجوك ..
عندي ما أخبرك به ..
لكنه ضروري جداً ..
حسناً سأخبرك في الغد يا جدي "



ألقى عمار بعكازه ..
وسالت دموع صمت .. وحرقة قلب على إبنه من عيناه ..
وسار بخطى بطيئة ..
وجلس عند رأس مهدي
باكياً : ماذا كنت تريد أن تخبرني ياصغيري .. هاه ..
ماذا أخبرني ..
أنا جدك عمار ياصغيري لِـمَ لا تخبرني من فعل بك ذلك من .. من ؟




في صباح اليوم الثاني ..
كان عمار يقوم بتغسيل مهدي ..
ولاحظ أن يده مغبضة على شيء ..
وحين فتحها .. وجد بداخلها المال الذي أعطته إياه أمه لشراء الخبز ..
فتساقطت دموعه
" يالشدة وفائك وأمانتك ياصغيري حتى وأنت متوفى " ..
وسكب عمار الماء على وجه مهدي ..
وعندما زالت الدماء عن وجهه ..
زادت دموع عمار في الإنحدار ..
وبكى بآهات متقطعة من صدره
" إذن هذه الإبتسامة التي كنت تحدثني عنها في آخر حلمك .. ليتني أعرف من الشيطان الذي صنع بك ذلك " ..





في اليوم الثاني ..
كان عمار جالساً فوق قبر مهدي ..
وبيده قرآن ..
لكنه لا يقرأ فيه ..
ورأسه محنياً على القبر .. وهو يمسح عليه بيده ..
كما كان يمسح على رأس مهدي ..
أقبل عندها أحمد : قم ياعمار الخير ..
ألايكفي أنك عاكف منذ الأمس على قبر مهدي ..
قم فالناس بحاجتك .. أنظر ماحلَّ بهم ..
وكأن الشياطين تلعب بهم ..

قم ياعمار الخير
عمار : لقد كان مهدي هو الخير ..
والآن ذهب ..
وبقي عمار وحيداً ..

ورفع رأسه ينظر إلى أحمد ..
لكنه لم يكن ينظر ..
إذ ابيضت عيناه حزناً ..
ووقف يردد وهو مغادراً المقبرة : لقد كان مهدي هو الخير ..
والآن ذهب .. وبقي عمار وحيداً ..

وغادر عمار .. وهو يحمل القرآن في يده ..



ضحك إبليس منتصراً : أرأيت الضربة التي قضت وأقصت عمار ؟
الوسواس الخناس : لقد أثبت جدارتك مجدداً .. أيها الخبيث الماكر ..




هنا ظهر صوت هز فرائص الشياطين : وتمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
الوسواس الخناس : دائماً تنقص فرحتنا ..
برأيك إلى أين غادر عمار ..

إبليس : لاأعلم ..
لكن أمثاله يغيبون ليعودوا مرة أخرى محاربين أقوياء ..
وإذا لم يعودا ..
فإنهم يولدون مجدداً في ألف عمار .. وألف مهدي جدد ..
لكننا سنكون جاهزين ومستعدين





في اليوم التالي ..
أخذ أحمد يضرب باب بيت عمار .. مرات متتابعة ..
لكن دون جدوى ..
فلم يكن هناك أي عمار في البيت ..
ولم يرد عليه سوى صوت صرير باب غرفة عمار ..
الذي تعبث فيه الرياح تفتحه وتغلقه ..
لكن لو أصغى أحدهم جيداً إلى صوت الباب ..
لسمعه يدعوا بدعاء الفرج الأزلي
" اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن .. صلواتك عليه وعلى أبائه .. في هذه الساعة .. وفي كل ساعة .. ولياً وحافظاً .. وقائداً وناصراً .. ودليلاً وعيناً .. حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً ..

ويملأها عدلاً وقسطاً كما ملأت ظلماً
وجوراً " ..





... تمت ...