بسمـ الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
سلام الله على اهل بيت العصمه ومهبط الوحي
وموضع الرساله.

هجرتان من اجل الإسلام ورسالة الإسلام ،
الأولى منهما كانت فراراً من الموت الذي استهدف رسالة محمد بشخصه ، وقد نفذها الرسول الأعظم بأمر من ربه ليتابع رسالته وينقذها من مشركي مكة وجبابرة قريش كأبي سفيان وأمثاله .
والثانية قام بها سبطه الحسين بن علي (ع) ولكنها كانت للشهادة بعد أن ادرك ان الاخطار المحدقة برسالة جده لا يمكن تفاديها وتجاوزها إلا بشهادة .
لقد هاجر رسول الله من مكة إلى يثرب لأجل رسالته بعد أن تآمرت قريش على قتله لتتخلص منها ، لأن بقاءها ونتشارها مرهون بحياته ، وبعد أن وجدت ان جميع وسائل العنف التي استعملتها معه على اختلاف اصنافها وأنواعها خلال ثلاثة عشر عاماً لم تغير من موقفه شيئاً كما لم تجدها جميع الاغراءات والعروض السخية ، وكان رده الأخير على عروض ابي سفيان وأبي جهل ومغرياتهما ، والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر أو أموت دونه .


وعادت قريش بعد جميع تلك المراحل التي مرت بها معه تخطط من جديد للقضاء على رسالته لاسيما بعد ان أحست بأن يثرب ستكون من اعظم معاقلها وستنطلق منها إلى جميع انحاء الحجاز وإلى العالم بأسره ، فاجتمع قادتها في مكان يعرف بدار الندوة وراحوا يتبادلون الآراء للتخلص منه فاقترح بعضهم ان يضعوه في احدى البيوت مكبلاً بالحديد بعيداً عن أعين الناس ومجالسهم إلى أن يأتيه الموت ، كما اقترح آخرون ان يطرد من مكة حتى لا يتحملوا مسؤولية قتله ، واتفقوا اخيراً على ان يباشروا قتله على ان تشترك فيه جميع القبائل المكية ويتولى ذلك من كل قبيلة فتى من أشد فتيانها واتفقوا على الزمان والمكان الذي يتم فيه التنفيذ وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في الآية :
( واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )
، والذي تعنيه الآية ان الله قد فوت عليهم هذا التخطيط وأخبر رسوله بما كان من أمرهم ، وأمره بالخروج من مكة ليلاً وأن يأمر عليا في المبيت على فراشه قبيل خروجه .
وحينما عرض الأمر على الامام علي (ع) لم يتردد لحظة واحدة في التضحية بنفسه في سبيله وقال له : أو تسلم انت يا رسول الله ان فديتك بنفسي ، فرد عليه النبي (ص) بقوله : بذلك وعدني ربي ، فطابت نفسه عند ذلك وتبدد ما كان يساوره من خوف وقلق على النبي ، وتقدم إلى فراشه مطمئن النفس رابط الجأش ثابت الفؤاد واتشح ببيرد الحضرمي الذي اعتاد ان يتشح به في نومه .
وتمت الهجرة في جوف الليل من مكة إلى الغار ومنها إلى يثرب في السادس من ربيع الأول ، واعتمد المسلمون تلك الهجرة في تواريخهم منذ عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على أثر خصومة بين اثنين في دين يدعي احدهما استحقاقه في شهر شعبان بموجب سند بيده ، وسأل الخليفة الدائن أي شعبان هذا أشعبان هذه السنة
أو التي بعدها ؟ ولما لم يطمئن لأحد منهما جمع المسلمين في المسجد ليعتمد لهم تاريخاً ، والمسلمون يوم ذاك لم يكن لهم تاريخ خاص ، فكان بعضهم يؤرخ بعام الفيل وبعضهم بحرب الفجار وأكثرهم كانوا يعتمدون تواريخ الدول المجاورة لشبه الجزيرة العربية ، واختلفت آراء الصحابة في الزمان الذين يعتمدونه في تواريخهم وكادوا ان يتفرقوا بدون ان ينتهوا إلى نتيجة حاسمة لولا ان عليا أقبل عليهم بالمعهود من رأيه السديد وقال : نؤرخ بهجرة الرسول من مكة إلى المدينة فأعجب ابن الخطاب برأيه وهتف قائلا : لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن ، واقترن رأيه هذا بأعجاب الحضور وتقديرهم لان هجرة الرسول كانت المنطلق لانتصار الإسلام على الشرك والوثنية وحدثا تاريخياً لعله من ابرز الاحداث في تاريخ الدعوة ، واستمر المسلمون على ذلك في تواريخهم ولم يحدث التاريخ عنهم بأنهم اعتبروا شهر المحرم بداية لسنتهم الهجرية ،
ولعل ذلك لم يحدث إلا بعد مقتل الحسين وبعد ان اصبحت الأيام الأولى من شهر المحرم أيام حزن عند أهل البيت وشيعتهم فجعلها الأمويون بداية للسنة الهجرية وعيداً من أعيادهم ، ولا يزال المسلمون عند مواقفهم من تلك الايام الأولى من ذلك الشهر ، فالشيعة يحتفلون بذكرى الحسين (ع) ويرددون تلك المأساة في مجالسهم ومجتمعاتهم بما تحمله وتنطوي عليه من الإخلاص للعقيدة والمبدأ والتضحيات الجسام في سبيل الحق والمستضعفين وكرامة الإنسان ، وغيرهم من مسلمي السنة يحتفلون به كبقية الأعياد ويتباهون بمظاهر الفرح والزينة وأنواع الأطعمة . ومهما يكن فلقد كانت الهجرة من مكة إلى المدينة في السادس من ربيع الأول بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على ولادة الإسلام ، وفي اليوم الثاني عشر منه كان النبي في المدينة بين أنصاره الجدد الذين احتضنوه وأخلصوا لرسالته وأنقذه الله من تلك المؤامرة الدنيئة التي استهدفت حياته ورسالته وحاك خيوطها شيخ الأمويين يوم ذاك أبو سفيان بن حرب ، وسلم محمد لرسالته التي ارغمت ابا سفيان وغيره من مشركي مكة بعد سنوات قليلة من تلك الهجرة على الانضواء تحت لوائها بقلوبهم المشركة الحاقدة يتململون بين أقدام طريدهم بالأمس يستجدون عفوه ورأفته أذلاء صاغرين .
وأبت نفسه الكبيرة التي اتسعت لتعاليم السماء ورسالة الإسلام إلا أن تتسع لأبي سفيان وحتى لزوجته هند آكلة الأكباد وغيرها من المشركين والمشركات وأعلن العفو العام حينما دخل مكة فاتحا منتصرا متجاهلاً جميع سيآتهم بكلماته الخالدة التي لا تزال سمة خزي وعار ما دام التاريخ : اذهبوا فأتنم الطلقاء ، وأعطى لأبي سفيان العدو الأكبر للإسلام ما لم يعطه لأحد من المشركين .
وهل غيّر هذا الموقف العظيم الذي لا يمكن ان يصدر من أي انسان مهما كان نوعه ، هل غيّر من نفس أبي سفيان وروحه شيئاً ، وهل ادرك ان موقفا كهذا لا يصدر الا عن انسان تسيره ارادة السماء ؟ ان النفوس الحقودة اللئيمة لا علاج لها إلا بالإستئصال والرسول العظيم يعلم ذلك ويعلم أن ما صنعه مع البيت الأموي لا يغير من طبيعته ولكن مصلحة الإسلام يوم ذاك فرضت عليه ان يعالجهم بهذا الأسلوب ويستعمل معهم العفو والرحمة بدلاً من معاملتهم بما يستحقون .
وبقي الحزب الأموي بقيادة ابي سفيان يتحين الفرص ويستغل المناسبات وحينما انتقلت الخلافة إلى سليل بيته عثمان بن عفان أحس بنشوة تملأ نفسه الحاقدة وذهب يقوده غلامه لينفس عما تراكم في نفسه من أحقاد على الإسلام ودعاته ، إلى قبر الحمزة ليركله برجله ويقول : قم يا ابا عمارة ان الذي تجالدنا عليه لقد اصبح تحت أقدامنا .


كونوا معي هنا
للحديث تتمه
دمتم بخير