من كنت مولاه فهذا علي مولاه
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم


الفصل 18
لو سأل سائل وقال:
لماذا كان الحسين‏عليه السلام يبكي في مصيبة أولاده وأنصاره وأحبابه واخوته وأبناء اخوته، ونحن نعلم أنّه ‏عليه السلام كان راغبا في الشهادة متشوقا اليها مستأنسا بها، كما سيأتي عن قريب في الحديث‏ عن سرّ إبتسامه لحظة الشهادة؟
الجواب:
يجاب على ذلك - كما هو مذكور في »مهيج الأحزان«- بعدة وجوه:
الوجه الأول:
إنّ بكاءه‏عليه السلام لم يكن من الجزع أو عدم الصبر وعدم الرضا بقضاء اللَّه-عزّوجلّ-، ولو قلنا ذلك للزم أن نقوله في حقّ النبي المصطفى‏ صلى الله عليه وآله وعلي ‏المرتضى‏ عليه السلام أيضاً، لأنّهما بكيا في هذه المصيبة بكاء كثيرا وشديدا، كما بكىأنبياء السلف‏ عليهم السلام على مصائبهم وعلى مصيبة الحسين‏ عليه السلام، وقد إشتهرت قصة بكاء يعقوب‏على يوسف، وبكاء آدم، وبكاء نوح، وبكاءسيدةالنساء عليها السلام وسيد الساجدين‏عليه السلام.
الوجه الثاني:
إنّ البكاء على مصيبة أهل البيت‏ عليهم السلام من أفضل العبادات وأقرب القربات وأهم ‏الطاعات، والحزن على مصائبهم عبادة وإظهار للعبودية بأروع صورها، والحسين‏عليه السلام مندوب الى هذه العبادة والطاعة كما ندبنا نحن لها، وهي مطلوبة منه ‏كما هي مطلوبة منّا، وأي مصيبة أولى بالبكاء عليها من البكاء على مصارع‏ شباب أهل البيت، وعطش أرباب المحن، وغربة ووحدة أخوات الإمام المظلومالغريب وأطفاله وحرمه.
الوجه الثالث:
أنّه يبكي على شريعة سيد المرسلين وعلى دين الإسلام الذي قضى النبي ‏صلى الله عليه وآله ‏عمره الشريف مجاهدا متحملا مخاطرا في سبيل إقامة أساسه، وقاتل أبوه ‏أمير المؤمنين‏ عليه السلام من أجله وألقى نفسه في لهوات الحرب وجرد سيفه مخاطرا بنفسه من أجل تثبيت أركانه وإشادت بنيانه، واذا به الآن يتعرض للخطر والإنهياربسبب قتله وقتل أنصاره وأهل بيته، ويهدد بالإنطماس والإندراس، ويرى ‏رايات العلم والحكمة تنخفض، وأعلام الهداية تنتكس، ويعود الكفر والنفاق‏الى الإنتعاش والرواج، كما قال الإمام صاحب الأمر في بعض فقرات الزيارةالمروية عنه‏عليه السلام:
قتلوا بقتلك الإسلام وعطّلوا الصلاة والصيام ونقضوا السنن ‏والأحكام.
فلماذا لا يبكي منتجب الربّ ولا تسيل دموعه في مثل هذا الموقف، وبكاؤه لايخرجه حينئذ عن مقام الصبر والشكر، واذا قلتم أنّ ذلك يخرجه عن هذا المقام ‏فيلزم أن نقول ذلك في حقّ الأنبياء أيضا، والحال أنّ ذا الجلال قد كرر وصفهم في‏القرآن بالصابرين، كما قال تعالى:
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ.
الوجه الرابع:
لا شكّ ولا شبهة أنّ الإمام المظلوم كان بشرا، ومن لوازم البشرية أن يحزن في‏المصائب والمحن ويعرضه السرور إذا أصاب نعمة وموجبا من موجبات المسرات،وهكذا هي طبيعة الجسد البشري يجوع ويظمأ، ولابد أن يؤثر به الجوع والعطش ‏ويؤثر في قواه البدنية ، فاذا جاع سعى الى الطعام، واذا عطش سعى الى الماء ضرورة، واذا تعرض للمكاره والمصائب جرت دموعه ضرورة.
نعم، لا يمكن -والعياذ باللَّه- أن يصدر منه ما ينافي مقامه، ولا يمكن أن تصدرمنه شكوى أو ما شاكل ذلك.
وقد روي أنّ يوسف‏عليه السلام بكى في السجن حتى إشتكى منه أهل السجن وضاقوابه ذرعا.
فكيف لا يبكيالحسين‏عليه السلام ولا تجري دموعه ولا يحزن - روحي وأرواح العالمين ‏له الفداء- وهو ينظر الى وحدة الشهداء، وأبدان الشبان المقطعة إربا إربا، وعطش ‏الأطفال وهم يتصارخون، وغربة النساء ووحشتهن، ونياحة الأخوات وعويلهن‏على الشباب والاخوة والأولاد؟!
بل إنّ عدم التأثر والحزن في مثل هذه المصائب علامة على قساوة القلب وخلوّه‏ من الرحمة، وهي من الصفات الخسيسة الرذيلة ومن الأخلاق القبيحة التي يجلّ ‏عنها الحسين‏عليه السلام