من كنت مولاه فهذا علي مولاه

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم

الفصل 14


إعلم أنّ القلب متى ما إنكسر جرى الدمع من العين، وذلك لأنّ مادة الدمع ‏الجاري من العين تكون من الدموع المتفجرة من ينابيع القلب المنكسر،فما لم ينكسر القلب لا تجري دموع العين البتة، فاذا جرت دموع العين في سبيل ‏اللَّه جرت معها الخيرات والمبرات والنعم والفيوضات، لأنّ كلّ ما يجري لا يكون ‏له وقع كما يكون للدمع الجاري من العين الذي يعقب في قلب صاحبه الضياء والنور والبهاء.
وقد ذكرنا فضيلة البكاء على مصيبة سيد الشهداء في الجزء الأول من التحفة الحسينية مفصلاً، وذكرنا مراتب عزاء المخلوقات في مصيبة شفيع العرصات التي‏رتبناها في إثني عشر رتبة ضمن ما بيناه من الدرجات في كتاب سفينة النجاة، في‏ذيل قول المرحوم بحر العلوم:
ماذا النواح الذي غط القلوب وما***هذا الضجيج وذي الضوضاء والزجل


فمن شاء فليراجع، لأنّ الغرض من تأليف هذه الوجيزة إنّما هو بيان الموارد التي‏بكى فيها سيدالمظلومين، فلا نطيل.


ولا يخفى أننا ذكرنا في كتابنا »سراج المتهجدين« أن البكاء من خشية اللَّه يكون‏على ثلاث مراتب ودرجات: بكاء الخواص،
وبكاء العوام
، وبكاء خواص ‏الخواص،
فكذلك البكاء على مصيبة الإمام الحسين‏عليه السلام له مراتب ودرجات‏عديدة، ترجع كلّها الى أربع مراتب -على حدّ نقل بعض العرفاء-:
فإنّ من يبكي على الحسين‏عليه السلام لا يخرج عن أحد حالات أربعة:
]الحالة الاُولى:
إمّا أن يبكي لغلبة هوى الطبيعة، ويحجب بحجاب الصورة، كما هي عادة الأطفال والنسوان، فإنّهم يبكون لمجرد الإحساس ببعض ما يؤلم الطبع البشري،فيعمّهم الهمّ والغمّ.
الحالة الثانية:
أو أنّه يسيطر -على حسب إستعداده- على طائر الخيال، ويحلّق في فضاءالمعرفة، فيرى إمامه ومقتداه مصابا مظلوما، ويستشعر مشاعر الإمام وطبعه ‏المبارك، فيجده متألما مغموما، فيبكي على مصائب الإمام وغمومه وآلامه، ومانزل به من المكاره.
الحالة الرابعة:
أو أنّه لا يرى وجودا للمولى إلّا في اللَّه، فيرى وجود المولى فانيا في الوجود المطلق، وعلمه متلاشيا في العلم المطلق، حتى لا يسقط من ورقة إلّا يعلمها، وهوعلى كلّ شي‏ء قدير، فهو مظهر الأسماء الجلالية والجمالية، وواسطة اللطف والقهرالذي لا يزال، فمن هو شمر ويزيد لولا إلتفاته‏عليهالسلام؟ وهذه الطائفة تجمع مراتب تلك ‏الطوائف السابقة جميعها.
ولا مانع من إجتماع المراتب كلّها، فإنّه صاحب المراتب الجامعة، وهو متجلّي في‏كلّ مرتبة على نحو الكمال والتمام