من كنت مولاه فهذا علي مولاه



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم



الفصل15
إنّه من الصالحين العاملين بالتقية
قال‏عليه السلام:
ثم لم يزل أهل الإيمان وذوو البصائر كالأنبياءعليهم السلام ‏والصالحين يكتمون إيمانهم من قومهم وعشائرهم، لاقتضاء المصلحة، كمؤمن آل فرعون الذي قصّ اللَّه - تعالى- قصّته في كتابه‏فقال -عزّوجلّ-: »
وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ‏رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ‏وإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ‏كَذَّابٌ«.
فإن كان أبو طالب بكتمان إيمانه وإخفاء إسلامه كفر، فكذلك هذا الذي قد سمّاه اللَّه في كتابه مؤمناً، ثم شهد عليه أنّه يكتم إيمانه قدكفر بكتمان إيمانه، إذ كان كتمانه الإيمان هداية، وهذا مؤمنآل‏فرعون كانت حاله مع قومه كحال أبي طالب عليه افضل الصلاة والسلام مع‏قريش، فإنّه كان يخفي عنهم حاله، ويدخل معهم بيوت متعبداتهم،ويقسم بمعبودهم، ويأكل من مأكولهم، ويشرب من مشروبهم، حتى‏تمّ له ما كان يسرّه من التوحيد باللَّه تعالى، ولم يعلموا بحاله حتى‏جاءهم موسى ‏فقال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ‏مِنْ رَبِّكُمْ.
ثم قدّم لهم :
وإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ
حتى يخفي عليهم موضع‏عنايته به، ولم يقل:
وهو صادق، وإنّما قال »وإِنْ يَكُ صادِقاً« تلطفاًبهم، كما كان أبو طالب عليه السلام يتلطّف قومه، فقبلوا منه رأيه.
وكان فرعون قد عزم على قتل موسى ‏عليه السلام وشايعه قومه على ذلك،وكان الرجل المؤمن مرضياً عندهم يرجعون إلى رأيه، ويسمعون‏قوله، فدفع عن موسى‏عليه السلام القتل بوجه لطيف، ولو كان مظهراً الإيمان ‏لما أطاعوه، ولا قبلوا منه، بل كانوا يعادونه ويقتلونه.
وهكذا كانت حالة أبي طالب عليه السلام مع قريش حذو القذة بالقذة يدعو بدعائهم، ويحضر في مجامعهم، ويقسم بمعبودهم، وكان سيدهم ‏الذي يصمدون إليه، وعميدهم الذي يعولون عليه، ويرجعون إلى‏قوله، ويستمعون إلى حديثه، وكان أوفى مرتبة من مؤمن آل‏فرعون، لأنّه صدق النبي‏صلى الله عليه وآله في أشعاره وخطبه، وكشف أمره،وأعلن بصحة نبوته، وخاصم قومه وناظرهم، وكاشفهم ونابذهم،ولذلك اجتمعت على نفيه إلى الشعب المعروف بشعب أبي طالب،ونفي جماعته، فصبروا معه، وعامتهم مشركون للأصنام يعبدون
وكذلك فعل زهير فعل مؤمن آل فرعون وفعل أبي طالب‏عليه السلام.