من كنت مولاه فهذا علي مولاه

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
الفصل 17
قال ابن أبي الحديد
ضمن أمثلة كثيرة ذكرها في قوة الخطباءالمستدرجين لمخاطبيهم وذوي الاحتجاجات القوية، والأساليب ‏المتينة في الحوارات الكاشفة عن قوة العقل:
قالوا:
ومن ذلك قول اللَّه -تعالى- حكاية عن مؤمن آل فرعون»
وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ‏ وقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ‏ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ«.
فإنّه أخذ معهم في الاحتجاج بطريق التقسيم، فقال:
هذا الرجل‏ إمّا أن يكون كاذباً، فكذبه يعود عليه ولا يتعداه، وإمّا أن يكون‏صادقاً فيصيبكم بعض ما يعدكم به، ولم يقل كلّ ما يعدكم به مخادعة لهم، وتلطفاً واستمالة لقلوبهم، كي لا ينفروا منه لو أغلظ في القول،وأظهر لهم أنّه يهضمه بعض حقّه.
وكذلك تقديم قسم الكذب على قسم الصدق، كأنّه رشاهم ذلك،وجعله برطيلاً لهم ليطمئنوا إلى نصحه.
وكذا كان زهير في خطابه الذي وجهه للقوم، بل امتاز بدقته ، وقوته، وفصاحته، وبلاغته، ورصانته في انتقاء المعاني والألفاظ والأفكار والأمثال، وقوة المحاججة...

إنّه ممدوح بتحمله البلاء والدعوة مع ابتلائه
عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لأ َبِي عَبْدِ اللَّه‏عليه السلام:
إِنَّ هَذَا الَّذِي ظَهَرَبِوَجْهِي يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْتَلِ بِهِ عَبْداً لَهُ فِيهِ حَاجَةٌ!
فَقَالَ لِي:
لَقَدْ كَانَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ مُكَنَّعَ الأصَابِعِ، فَكَانَ يَقُولُ‏هَكَذَا، ويَمُدُّ يَدَيْهِ ويَقُولُ: »يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ.

تشبيهه بسباق الأمم وأنهم لم يكفروا باللَّه طرفة عين
وفي هذا التشبيه منه‏عليه السلام أبلغ الدفاع وأقوى الإثبات على أنّ ‏زهيراً لم يكن خارجاً من مكة حاجاً، ولم يكن كارهاً لمنازلة الحسين‏عليه السلام في الطريق، لأنّه شبيه السباق من الأمم الذين سبقوا الى‏الحقّ وبادروا الى نصرة المعصوم المظلوم.
وفي هذا التشبيه إشارة الى أنّه كان سبّاقاً سبق من خرج من أقرانه ‏لنصرة الحسين‏عليه السلام من أمثال مجمع بن عبد اللَّه العائذي ونافع بن‏هلال وغيرهم.
بل في التشبيه إشارة تكاد تكون واضحة الى أنّه سبق كلّ أنصارالحسين‏عليه السلام الملتحقين به من الكوفة حتى أمثال عابس بن شبيب ‏وغيره ممّن التحق بالحسين‏عليه السلام في مكة أو في أوئل الطريق.
فهو إذن قد سكن البرية، واعتزل العمران والبشرية، واختارتحمل الهجير والرمضاء والفيافي والصحراء منذ زمن بعيد انتظاراًلنصرة سيد شباب أهل الجنة وسبط خير البرية.
وقد روي عن رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله أنّه قال:
سباق الأمم ثلاثة لم يكفرواباللَّه طرفة عين:
خربيل مؤمن آل فرعون،
وحبيب النجار صاحب‏ ياسين،
وعلي بن أبي طالب‏عليهما السلام، وهو أفضلهم.
وهذا الحديث ركّز على نفي الكفر مطلقاً عن هؤلاء السباقين، ولوكان زهير ممّن قال بمقالة عثمان وحزبه أو مال اليهم لما شبهه‏ المعصوم بهم، فهو إذن نظيف الإيمان، وإيمانه كامل الأركان،وعقيدته لا يشوبها شك ولا ريب ولا أدران.