جهاز الارادة في الانسانإن هنالك جهازا في وجودالإنسان، وهو المسمى بجهاز الإرادة، وإذا لم ندعم هذا الجهاز في وجود الإنسان، فإنالإنسان سيكبو يوما ما، وزلة الحكيم قاتلة.. وعليه، فإنه لا بد منإيجاد هذا الجهاز المسيطر في ثلاث محطات من وجود الإنسان، فلكل محطة جهازها المستقل .
الجهاز الأول:يركب في حقل الخواطر.. فنحن نعلم بأن كثيرا منالمحرمات والمخالفات تبدأ من عالم الوهم والخيال.. فالمجرمون يقومون بإجرامهم نهارا،بعدما يخططون ليلا.. وعليه، فإن المؤمن لا بد وأن يجعل جهازا مراقبا في فكره بالدرجةالأولى.. وبعبارة أخرى: عليه أن يسيطر على خواطره، وهذه من أصعب المراحل في الإنسان، فمن قدر على وقف خواطره، فهو من أقوى الأبطال، وعندئذ تكون السيطرة على الجوارح منأسهل الأمور.. ومن الواضح أن السيطرة على الخواطر تحتاج إلى مجاهدة مريرة.. ومنهامراقبة فضول النظر والسمع، فالإنسان الذي يسمع كثيرا، ويتكلم كثيرا، وينظر كثيرا،فإن جهازه الباطني جهاز مشوش.. وبالتالي، فإن كل هذه الترسبات ستطفو على السطحيوما ما، ومن هنا جاء التعبير: (وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم).. ولا بدمن الالتفات إلى قيد (العلم النافع لهم)!.. فقد يكون هذاالعلم نافعا، ولكن لا لك بل لغيرك .
الجهاز الثاني:هى السيطرة على الغرائز بعد الأفكار.. وهو ذلكالجهاز العاطفي الميلي في وجود الإنسان، ففي هذه المرحلة يسيطر العبد على ميوله،فلا يريد كل شيء، فلو أن الإنسان ترك حبله على غاربه لأراد كل شيء، لأراد كل مطعوموكل مشروب، وكل مشتهى في مجال الملذات النسائية وغيرها.. وعليه، فإن هذا الجهازالثاني يركب في هذه المحطة التي تريد ولا تريد، فالمؤمن له سيطرته على هذا الجهاز،ولعل هذا التعبير من أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، يشير إلى هذا الجانبعندما يصف أخا له، فيقول انه كان خارجا عن سلطان بطنه وفرجه.
وأخيرا هو الجهاز الثالث: وهو الذي يسيطر على الجوارح.. هب أنإنسانا هُزم في جانب الخواطر، ثم هُزم في جانب الميول الباطنية، والآن يريدأن يعمل المنكر، فلا بد في هذه المرحلة -على الأقل- أن يكون له حرس حدود في هذهالنقطة.. وهذه هى المرحلة الحرجة فى حياته حيث أن الخواطر تكالبت عليه، والشهواتاشتعلت.. والآن يريد أن يمارس الرذيلة، الكبيرة أو الصغيرة، فهنا يحتاج أيضا إلىجهاز يمسك جوارحه عن الإقدام، فلا بد من التفكير فى أنه كيف نصل إلى هذه المرحلة؟.. والإنسان إذا سقط في الامتحان الثالث، فقد هوى إلى أسفل السافلين.. إذ أن خواطرهتأتي من كل مكان: فميوله تريد بلا حساب وحدود، وجوارحه أسيرة للوهم والغريزة والميل،فما بقي من كيانه الإنساني شيء!..
فهنا لا بد من تقوية الحرس الحدوديكما عبرنا عنه، ومنهاالالتزام بالواجبات كما أرادها الشارع، والقيام بالمستحبات، فمن بركات المستحب فيحياة الإنسان - كالصيام المندوب، وكالصلاة المندوبة- تقوية هذا الجهاز في وجودالإنسان.. فالإنسان يريد أن ينام في جوف الليل، ومن أجمل ساعات النوم في اليوموالنهار ساعتان: ساعة قبيل السحر، وساعة بين الطلوعين.. والإنسان المؤمن في هاتينالساعتين، يقاوم سلطان النوم ليقف بين يدي ربه.. فإذا هو قام ليله، وبقي مستيقظا إلىطلوع الشمس، وفي الأيام المندوبة كالأربعاء والخميس من الشهر صام بين يدي اللهتعالى، وخاصة في حر الصيف.. فلو بقى على هذا البرنامج بعض السنوات، هل يخشى منهالزلل في مقام العمل؟!.. وخاصة الصوم الذي ينصح به الشاب الأعزب إذا اشتعلت بهالغريزة .
فإذن، إن المؤمن لا بد أن يكونمسيطرا علىحقل الخواطر أولا أو أخيرا، لأن هذا هو الحقلالأصعب، ثم حقل الميول، ثم حقل الجوارح..فإذا اجتاز هذه المراحل الثلاث، يُلحقبخليل الله إبراهيم (ع) {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}..وما المانع أن نكون نحن أئمة من أئمة الهدى، بمصداق هذه الآية: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}؟!..
اختكم |47| نور علي
ما فيه توقيع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات