تتمه :


هذه المرة احتاجت قمر عملية مستعجلة
... في الرأس ...



طبعاً أنا شلت يدي من الموضوع كطبيبة ،،
و ظليت معها كصديقة و وحدة من الأهل ...


كنت أتابع كل شي
... كل صغيرة و كبيرة ...
أول بأول ...


الأشعة وضحت أنه كان عندها نزيف بسيط من أيام ،،
تخثر و ما أحد انتبه له

أما النزيف الجديد هذا
... كان ... شديد ...




نفس المكان اللي صابته ،،
نفس الحالة قبل 14 سنة ...





كانت بآخر الأيام تشتكي من صداع رهيب ...
كيف ما فكرت أنه ممكن يكون شيء خطير ... ؟

انا ألوم نفسي أني ما انتبهت ...


بس كان ذاك من زمن
... و انتهى ...
يا ليته كان انتهى
... يا ليت ...





قمر...
بعد العملية المستعجلة ظلت بالمستشفى أيام
... فاقدة الوعي تماماً ...
و أسابيع ...
مشلولة عن الحركة ...




كنت أول ما أجي المستشفى أمر عليها ...
و آخر الدوام أمر قبل ما أطلع
... و في أوقات الزيارة ...
كنت أحاول أتحاشى التواجد ...
ما أقدر أشوف أهلها و أسمع أسئلتهم
... ما أقدر ...




في البداية ...
كان كل اللي يطلع منها أنات و تأوهات ...
بعدين بدت تحرك شفايفها و لسانها بصعوبة ...

و أول كلمة نطقت بها و هي لسة في حالة اللا وعي : ( عسل ) ...


مرة من المرات ...
و أنا كنت عندها وعت شوي ...
فتحت عينها و حركتهم يمين و شمال ...
مسكت بيدها و ناديت بلهفة :

- قمر ... تسمعيني ؟


ما جاوبت علي ...
شديت على يدها أبيها تحس فيني
... كلمتها ...
بكيت غصباً علي ...
و أنا أردد


- تشجعي يا قمر ... ارجعي لنا ... أرجوك ...


كأني سمعتها تقول ( عسل )
... طالعت بعينها ...
أكيد قصدها تسأل عن سلطان ؟


سلطان ...
ما أعرف أخباره
... بعد وفاة بنته الوحيدة ...
ما أدري وش صار فيه ...
يا ليته مات بدالها ...

يا ليته طايح بالفراش بدل قمر ...
يا ليته غرق من سنين بدل بسام ...


رديت ...
و أنا بس أبي أشجعها و أشوف تتجاوب معي أو لا :


- سلطان ؟ سلطان بخير و يسأل عنك ...


أهي حقيقة أو تهيؤ
... مو متأكدة ...
بس كأني شفت الراحة بعينها ...
غمضت ثواني و ردت فتحت تطالع فيني ...

كأنها تقول ( طمنتيني )...
بعدها غمضت مرة ثانية ...



*
* *
*



ماتت بنت أخوي
.. الوحيدة ....
المدللة الدلوعة ... بهجة قلوبنا كلنا ...
نشوة البيت و العيلة كلها ...

ماتت ...
و ما تركت بعدها الا سواد في سواد



شهرين مروا من يوم وفاتها
... و صورتها الأخيرة ...
و هي جثة بلا روح ...
بحضن أبوها و هو يصرخ
( ردي علي ) ...
صورة للحظة ذي ... و لآخر لحظة بعمري
... ما نسيتها و لا بانساها ....



أتذكرها كأنها صارت البارح
... قبل شوي ...
قاعدة تصير قدامي الحين ...



و أتذكر
... قبل سنة ...
لما كنت أشاهد أروع صورة .
.. لأخوي و بنته ...
و احنا بمكتبه بالشركة ...

و هو شايلنها على ذراعه و حاضننها ...
و هي تضحك بمرح و حيوية ...
و النافذة مفتوحة من وراهم ...

و البدر مكتمل ...
و النسيم يلعب في شعر البنت الحريري ...



يومها أتذكر أني تمنيت لو كانت عندي كاميرا أصور بها هذه الروعة ...
ما كنت أدري ...
أنها بتظل ببالي كآخر و أروع صورة لهم ...
محفورة و محفوظة دون الحاجة لأي كاميرا ....

معلقة بالضبط ..
جنب صورتها و هي ميتة بحضن أبوها
... في المشهد الأخير ...



ياليت ربي ...
أعماني قبل ذاك اليوم ...



شهرين ...
و أحنا كلنا نموت كل يوم و كل لحظة
.... بعد هبة ...
حلت علينا الغيمة السوداء المظلمة ...

اللي ما قدرت أي رياح و أعاصير ....
تبعدها عنا لوقت طويل ....



بعد هالشهرين ...
توني بس ...
قررت أطلع من البيت ...
و كان أول مشوار بغيته
... هو المستشفى ...

قمر ...


*
* *
*