السر في اختلاف ذكاء الأبناء
كان لهارون الرشيد زوجتان احداهما زبيدة وله منها ولد اسمه
الامين ، والاخرى امة مسترقة من ايران وله منها ولد ايضا واسمه المأمون
، وكان الأمين والمأمون معا يتعلمان في المكتب الذي كان قريبا من قصر هارون ، وكان هارون يذهب في بعض الاوقات الى المكت للتعرف على وضع الدراسة لإبنيه .
وذات يوم خرج هارون - وعلى عادته الى المكتب فرأى في طريقه بهلولا فأراد ان يستصحبه معه الى المكتب ، وافق بهلول على ذلك وتوجها معا الى المكتب .
ولما دخلا المكتب وجدا المعلم وحده ، فساله هارون وقال : اين ولدَي؟
فأجابه المعلم : لقد استأذنا مني وذهبا معًا .
ساله هارون عن وضع دراستهما فقال المعلم : اما الامين ولد زبيدة سيدة نساء بغداد فضعيف الاستعداد جدا ، واما المامون ابن الامة فهو ذكي وفطن جدا .
حاول هارون ان يخفي اثار تالمه من هذا الخبر فسال المعلم وقال : هل يمكنك ان تثبت لنا صحة ذلك ؟
قال المعلم : نعم ، لو سمح لنا أمير المؤمنين اخبرناهما ، حرك هارون راسه ثم قام ومعه بهلول فجلسا في زاوية من غرفة الدرس ، واسند هارون راسه للجدار والى جانبه بهلول جالس .
وضع المعلم تحت مجلس المامون ورقة وتحت مجلسة الامين قطعة من الآجر وبعد دقائق دخل الامين والمامون فلما رايا ابوهما قبلا الارض احتراما لابيهما وظلا واقفين، ثم اجاز لهما ابوهما الجلوس في مجلسيهما فجلسا .
فلما استقر بهما المجلس أخذ المأمون ينظر إلى سقف الغرفة وما يحيط به وكأنه متعجب من شيء ، فساله المعلم وقال : (( ما بك يا ولدي ؟))
قال: اشعر اني من حين ذهبت ورجعت ان الارضقد ارتفعت مقدار حجم ورقة، او ان السقف قد نقص بهذا المقدار)).
التفت المعلم الى الامين وقال : هل تشعر انت بذلك ؟
قال الامين : كلا لا اشعر بذلك.
تبسم المعلم في وجهيهما واذن لهما بالخروج ليستريحا قليلا ، ثم قال لهارون : (( الحمد لله الذي اثبت صحة كلامي )).
غرق هارون في التفكير ليجد حلا منطقيا لهذا الاختلاف بين الأخوين فلم يجد لذلك ما يقنعه ، فقال للمعلم: (( هل تعلم انت سر الاختلاف في ذكائهما ؟))
أجهد المعلم نفسه في العثور على سر الاختلاف فلم يعثر على شيء يقنع هارون.
قال بهلول - بعد سكوت طويل كان فيه شاهدا لجميع ما حدث - : لو آمنني الأمير أخبرته بسر ذلك )).
قال هارون : (( انت في امان ، قل ما تعلم )
قال بهلول : (( ان ذكاء وفطنة هؤلاء يرجع الى امرين :
الأول : حب الابوين - الاب والام - لبعضهما .
الثاني: اختلاف قومية ونوع دم كل من الرجل والمراة ، فان كان الابوان من قوم ودم واحد يكون اولادهما في الغالب فاقدين للعقل الكامل والفطنة
الشديدة، وحيث ان الأمير لا يشترك مع أم المأمون في قوميتها ولا دمها كان اولادك منها ذوي فطنة وعقل ، وأما أولادك من زبيدة فالسر في كونهم ما ترى هو اشتراكك معها في قوميتها ودمها )).
قال هارون لبهلول : (( وهل تستطيع أن تثبت صحة مدعاك ؟))
قال بهلول : ((ألا ترى قوة وذكاء البغل ، فان السبب في ذلك هو تركبه من نوعين مختلفين من الحيوانات هما الحمار والفرس )).
أصاب هارون الرشيد ما يشبه الأثكل وخجل جدا امام المعلم ، فان احدا غير بهلول لا يتمكن ان يقرب ذلك بمثل هذا المثال يوجه ضربة مباشرة
لشخصيته واهانته ، لكن ماذا يفعل بهلول وهارون هو الذي طلب منه ذلك ؟
فلما علم بهلول ان كلامه اثر في الأمير جاء بمثال آخر فقال :
(( الم ير الأمير كيف يخرج ثمر الشجر - الذي يكون من فسيلين مختلفين - لذيذا ومرغوبا ؟؟ ))
وبذلك شعر الخليفة بضعفه وعجزه >> اخيرا حس بروحه <<
امام ما استدل به بهلول فرجح الانصراف على البقاء، واستاذن ، قم قال : (( لا بد من الذهاب فان عندنا عمل كثير )).
وبعد ذهاب هارون قام بهلول وانصرف هو الآخر ايضا ، وبقي المعلم وابني هارون.
ومنذ ذلك اليوم علم المعلم بان بهلول رجل عالم ...
__________________





السر في اختلاف ذكاء الأبناء
ألا ترى قوة وذكاء البغل ، فان السبب في ذلك هو تركبه من نوعين مختلفين من الحيوانات هما الحمار والفرس )).
رد مع اقتباس

المفضلات