القصة الخامسة

أبو حنيفة وبهلول
كانت دار أبي حنيفة في أحد محال بغداد القديمة ، وكان جماعة من طلاب العلوم الاسلامية يقصدون هذه الدار يوميا للحضور في درس أبي حنيفة الذي كان يعقده فيها وفي احد الايام دخل بهلول دار ابي حنيفة وجلس في غرفة الدرس .
فسح الحاضرون المكان لبهلول عندما رأوه يدخل لكنه جلس عند الباب ثم مدد إحدى رجليه وثنى الأخرى وأخذ يستمع الى ابي حنيفة .

كان لأبي حنيفة طلابا كثيرين جدا بحيث كان يعدون أستاذهم من اعلم علماء بغداد

تكلم ابو حنيفة وقال : (( اعلموا ان جماعة من المسلمين _ يقصد بذلك الشيعة_ يعتقدون أن ابليس يعذب يوم القيامة بالنار واني اخالف ذلك ))

قل احد التلاميذ وقد أسند ظهره الى جدار الدار (( ايها الشيخ ، ماهو دليلك على ما تقوول؟؟ ))

قال أبو حنيفة - بعد ما سعل قليلا - : (( نعم ، ان ابليس مخلوق من النار وجهنم هي النار فكيف تحرق النار نفسها ؟؟ )) >>>>>>>> جدوب لاتصدقونه


أخذ الجالسون ينظر أحدهم بوجه الآخر لكن لم يجرأ احدهم على التفوه بشيء.
أخذ أبو حنيفة - كالفارس المنتصر في الميدان - ينظر إلى الحاضرين نظرة عجب وغرور ، لكنه لم يغفل عن بهلول الذي كان واضعا يديه تحت ابطيه وينظر الى ابي حنيفة نظرة هادئة..
استأنف أبو حنيفة الكلام - بعد فاصل قليل- فقال (( الأمر الآخر الذي لا ارتضيه وهو ما تعتقده هذه الطائفة من المسلمين حيث يعتقدون بأن الله تعالى لاتمكن رؤيته اذ كيف يكون الشيء موجودا ولا يمكن رؤيته ؟))

قطع أبوجنيفة كلامه هنيئة ليرى مدى تاثير ماذكره على الحاضرين ، لكن هذه المرة كان السكوت مخيما على المجلس أكثر من السابق.

قال أبو حنيفة بصوت أعلى : (( أيها الناس ، انهم يقولون بان الله تعالى خلق كل شيء ومع ذلك يعتقدون بأن الناس فاعل مختار في فعله وهذا يعني الجمع بين الجبر والاختيار وهما مستحيلان عقلا ,............. ))

قال أحد الحاضرين (( ماهو رايك في ذلك ياشيخ ؟؟ ))
مر أبو حنيفة يده على ناصيته ثم قال : (( اعلمو ان كل شيء في رايي هو من الله تعالى وان الانسان غير مختار في افعاله ... ))

عرف ابو حنيفة ان كلامه اثر في قلوب الحاضرين وانه تمكن من إقناعهم بأفكاره وكان يحب أن يفصح عن عقائئده أكثر لولا حيلولة ما حدث له ي مجل الدرس ، فإنه فوجئ بحجر اصاب جبينه فأدامه ، وبذلك زالت افكاره واضطرب المجلس ، التفت الحاضرون الى بهلول وهم يتساءلون (( لماذا فعل بهلول ذلك ؟؟ )


دار جماعة من المقربين لابي حنيفة ببهلول والغضب يتطاير من اعينهم دون أن يجرأ احدهم على اهانته لقرابته من الخليفة، فإنه لو ككان احد غير بهلول فعل بابي حنيفة ذلك لم يكن يخرج من المجلس سالما بل كان ينهك من الضرب من قبل أتباع أبي حنيفة .

نظر أبو حنيفة لبهلول وهو " ابو حنيفة" واضع يده على الجرح والغضب قد استولى عليه ، فقال : (( لأشكونك إلى الخليفة )) فأجابه بهلول بكل هدوء (( وانا اذهب معك ايضا ))
قال ابو حنيفة- وهو متعجب من كلام بهلول - لمن حوله : (( اذن اشهدو لي عند الخليفة بذلك )).

خرج بهلول من دار ابي حنيفة وكأنه لم يسمع أو يفعل شيئا ودخل ابو حنيفة بعد ساعة مجلس الخليفة وهو معتصب الرأس، فلما رآه الخليفة تعجب من ذلك لعلمه بمكانه ابي حنيفة في بغداد وماله من أتباع.

أخذ أبو حنيفة يشرح للخليفة ما حدث ، امتعض الخليفة من فعل بهلول، فأصدر أمرا بإحضاره على الفور .
أسرع الشرطة في البحث عن بهلول لكنهم ثمة بحث يسير عثروا عليه وهو في طريقه للقصر.

ولما حضر بهلول - وآثار السكينة عليه - المجلس صاح به الخليفة (( لم شدخت رأس هذا العالم الجليل؟)) سوى بهلول رداءه على كتفيه ثم قال: (( لم افعل ذلك ))

قال ابو حنيفة وهو يتلكا في الكلام وقد وضع يد على راسه : (( كيف... كيف تدعي ذلك ؟؟ ايها الظالم إن لي شهودا ))
قال بهلول: (( قل لو سمحت ماهو الظلم الذي صدر مني ؟؟ ))

قال ابو حنيفة : (( شدخت راسي بحجر وهذا الالم في راسي لم يكد ينفك عني ))
ثم التفت الى جملة من تلامذته وقال : (( اتشهدون بذلك ؟؟ ))
قالوا : نعم

قال بهلول : (( اتدعي الألم في رأسك ، أين هو إذن أرنيه ؟؟ ))
هزأ أبو حنيفة به وقال (( وهل يرى الألم لكي أريكه ؟ )) صادووه

قال بهلول : (( إذن ليس للألم وجود وانت كاذب في دعواك لأنك تعتقد ان الشيء مالم تمكن رؤيته فهو غير موجود ))
وضع أبو حنيفة يديه على رأسه متحيرا من جواب بخلول وقد التفت الى تلامذة أبي حنيفة وقال : ان الحجر لا يمكن أن يؤذي أستاذكم )))
أخذ تلامذة ابي حنيفة ينظرون مبهوتين ماذا سيفهل ابو حنيفة وماذا سيقو ؟! لكن بهلول لم يمهل ابا حنيفة في الجواب فقال : ان الانسان من تراب والحجر من تراب
فكيف يمكن ان يؤذي التراب التراب ؟؟))

ادرك ابو حنيفة ان بهلول يريد بذلك حربا العقيدة شعواء لا هوادة فيها فاخذت ترتجف اطرافه واعضاءه كم يرتجف من شدة البرد .

سوى بهلول رداءه مرة اخرى وقل لهارون : (( يعتقد ابو حنيفة بان الانسان غير مختار في افعاله فلا ذنب لي لانه في نظره غير مختار في ما فعلت ))

بهت هارون من جواب بهلول ولم ينطق بشيء ..
بقي ابو حنيفة ذ وهو يلوم نفسه خجلا وقد نكس راسه الى الارض ولسان حاله (( ان كل ما نزل بي هو مما جنيته على نفسي )) يستاهل ..