اللغز الهاروني

كان هارون الرشيد قد أجاز الدخول لبهلول عليه كل حين ومتى شاء، وذات يوم كان
هارون مجتمعا بعدد من كبار رجال دولته والمقربين منه ، فدخل عليهم بهلول القصر بلا اذن احد، وجلس الى جانب هارون .

كان سلوك بهلول في ذلك اليوم مؤذيا لهارون ، لكنه ما دام قد أذن له بالدخول متى شاء لم يتمكن من إخراجه من القصر.
كان بهلول في ذلك المجلس يقلد فعل هارون حيث كان واضعًا إحدى رجليه على الأخرى فوضع بهلول إحدى رجليه على الأخرى أيضا مقلدا هارون في ذلك . ضحك الحاضرون في المجلس من فعل بهلول الذي كان يؤذي هارون لحظة بعد أخرى ، وفجأة خطر بذهن هارون فكرة يمكنه من خلالها تأديب بهلول، قال هارون : لا بد من الجواب عن هذا اللغز ما دمت جالسًا إلى جانبي.
قال بهلول: إذا لم ترد التخلص من الجائزة كما فعلت ذلك مرارًا أجبتك عن اللغز.
أراد هارون أن ينتهر بهلول وأنه متى تخلف عن وعده، لكنه سرعان ما تذكر
أن بهلولا صادق فيما يقول لأنه – أي هارون- أخلف وعده لمرات عديدة معه، لذا حاول التعامل مع بهلول بهدوء وقال : إن أجبت عن هذا اللغز أمرنا لك بألف سكة ذهبية ، و أما إن لم تجب عنه فسوف نأمر بحلق لحيتك ثم نضعك على حمار ويدار بك في أزقة المدينة .
قال بهلول : لا حاجة لي بالذهب، لكني مستعد للجواب عن اللغز بشرط واحد.
قال هارون بعد هنيئة : لنرى ما هو شرطك ؟
قال بهلول : إن أجبتك عن اللغز أريد منك أن تأمر الذباب بعدم التعرض لي وإيذائي.
لما أدرك هارون أن بهلولا بشرطه هذا يريد إثبات عجز هارون وضعفه، ضحك قليلا ثم قال: لا يمكن العمل بشرطك لان الذباب ليس بأمري.
حرك بهلول رأسه مؤيدًا كلام هارون ثم قال : لاينبغي لي أن أتوقع من شخص ضعيف وعاجز أمام الذباب شيئا ، لا بد من البحث عن أحد يتمكن أن يأمر الذباب بذلك.
حسّن الحاضرون فعل بهلول في قلوبهم دون ألسنتهم لان كلامه ينمّ عن عقله وحسن تدبيره.

ولما علم بهلول أن كلامه أثر في هارون – الذي صار لونه يتغير لحظة بعد أخرى من شدة الضربات التي صار يواجهها من بهلول -
قال: أنا مستعد الآن أن أجيبك عن اللغز دون أي شرط..

ولما أحس هارون بأنه خاسر في هذا الجدال لم يكن يحب أن يطيل الكلام أكثر من ذلك مع بهلول، فقال : ما هي الشجرة التي لها من العمر سنة واحدة ولها من الفروع والأغصان إثنا عشر، وعلى كل غصن منها ثلاثين ورقة، في وجه من وجوه كل ورقة ظلام وفي الوجه الآخر ضياء ونور ؟

أجابه بهلول بدون أي تأمل : أما الشجرة فهي السنة ، وأما أغصانها فهي الأشهر، وأما ما كان في وجه أحد أوراقها الظلام فهو الليل والآخر فهو النهار.

لما سمع هارون بذلك لم يكن له بدّ من القبول فإذا به رفع صوته وقال : أحسنت ، أحسنت..
وهكذا الحاضرون قالوا مثل قول هارون ثم خرج بهلول من القصر وهو لم يعتن بهذا التهريج ولم يبال بأحد من الحاضرين ..

__________________