دجاجة مشوية تبيض
دجاجة مشوية تبيض
كان في قديم الزمان على طريق الهند - بغداد- منزل ينزله المسافرون ليضعوا عنهم عناء السفر فيه ساعات معدودة، وايضا ياكلون ويشربون فيه ليكملو فيما بعد سفرهم ، فكان يأتي صاحب المنزل الى المسافرين بما يشتهون ويقدم لهما ماعنده من الطعام والشراب.
وفي ليلة من ليالي الشتاء الطويلة قصد هذا المنزل مسافر معه بضاعة جاء بها من الهند ليبيعها في بغداد، وبعد أن أودع المسافر متاعه عند صاحب المنزل وخلع ملابسه ليستريح ، ساله صاحب المنزل (( ماذا تشتهي من الطعام ؟))
قال : (( اني جائع جدا ائتني بما عندك فاني قاصد بغداد في الغد صباحًا ))
قال :(( عندنا دجاجة مشوية حشوناها بالبيض ، لتكون لذلية ومقوية فهل تحب أن آتيك بها ؟))
قال المسافر : (( نعم هاتها سريعا فإني جائع جدًا ))
وبعد دقائق حضر الطعام وأكل المسافر بشهية لا توصف ، ثم ذهب إلى المكان المعد لاستراحته ، فما وضع رأسه على الوسادة حتى أخذه النعاس فنام سريعًا ، وأخذ التعب يجر أذياله بهدوء عن بدنه .
ولما استيقض صباحا مبكرا توضا ثم توجه الى القبلة ليصلي صلاة الصبح، وبعد صلاة الصبح حمد الله تعالى على ان رزقه يوما جحديدا الى عمره ليرى العالم ويتزود الى اخرته ثم القى ببصره الى صاحب المنزل ليحث عنه فلم يجده، دقق النظر وكرر الطلبب عنه فلم يعثر عليه ثم ذهب الى محل استراحة صاحب المنزل فلم يسمع حسيسًا ولم يجد فيه أحدًا .
فلم يجد بدً من مناداته ناداه بصوت عال فإذا بالصدأ يرجع اليه بالخيبة .
انه لابد من الحركة باتجاه بغداد وبأسرع وقت ممكن خوفا من مشاكل الطريق التي لم يحسب لها أحد حسبانا ، ومن جهة أخرى يريد أداء ثمن عشائه ومنامه الى صاحب المنزل ليخرج عن ذمته، فكم يجب عليه ان يدفع؟ وهل يمكنه الانتظار اكثر ام لا ؟ لايعلم احد ذلك ، لانه لا احد يجيب نداءه..
وأخيرا صمم على الرحيل لكنه كان ينوي أداء ثمن صضاحب المنزل عند عودته من بغداد .
نعم أيها الاصدقاء ، ذهب مسافرنا متوجها نحو بغداد فلما نزلها مكث فيها اشهرا تمكنى خلال المدة التي مكث فيها من بيع متاعه ، ثم اشترى بثمنه متاعًا آخر ليتجر به ، وكان على أهبة الاستعداد للعودة إلى وطنه.
وذات يوم توجه الى بلاده ، فوصل الى موضع محط الرحال اعني المنزل الذي نزل فيه قبل سنة فلما دخل لم يكن صاحب المنزل يعرفه ، فتعشى تلك الليلة وذهب الى فراشه لينام على امل ان يدفع الدين الذي في ذمته عند الصباح . فلما اصبح صلى صلاة الصبح ثم توجه الى غرفة صاحب المنزل ليدفع له ثمن مبيته ومأكله ، لكنه صادفه في الطريق فقال له : (( كنت ذيفك في السنة الماضية حيث كان طريقي من هنا فنزلت عندك وكان لك في ذمتي مبلغ اريد ان ادفعه اليك ))
فسأله صاحب المنزل وهو متعجب : (( وعن ماذا ؟ ))
تبسم المسافر ثم أخذ يقص عليه خبر مبيته في العام الماضي كان صاحب المنزل رجلا محتالا وفي الوقت نفسه
في غاية الجشع والطمع وهذه فرصة ثمينة لم يرد التفريط فيها فكر مع نفسه قليلا فخطر بباله ان هذا المسافر يمكنه دجفع ثمن باهض ازاء مبيته فطمع فيه ، فقال بعد هنيئة (( ان عليك ان تؤدي الف دينار قفي هذا الوقت )) ثم استانف كلامه بلين ولطف قائلا (( طبعا اني احتطت كثيرا في ذكر هذا المبلغ وضبطه فاني اخاف ان اكون مدينا للاخرين ))
بهت المسافر لما سمع بهذا المبلغ واذا به صاح بصوت عال : (( ماذا تقول ؟ الف دينار.. هل جننت؟))
قال صاحب المنزل (( لاتغضب فاني حسبت حسابا دقيقا فان احبت اخبرتك كيف بلغ حسابك ذلك..))
قال المسافر : (( قل فإني أذني صاغية لما تقول ))
قال صاحب المنزل : (( هل جئت في العام الماضي الى هنا واكلت دجاجة فيها ستة بيضات ام لا؟ ))
قال: ((نعم ))
قال: (( لو كانت تلك الدجاجة حية ، وكنت قد وضعت تلك البيضات الستة تحتها ، لخرج من كل بيضة فرخ صغير ، ثم إني لو جعلت تحت تلك الفراخ الست بعد ان يكبرن ستة بيضات اخرى و هكذا اكرر ذلك الى هذا اليوم لكان عندي عددا من الدجاج مايبلغ قيمته الف دينار )) ثم جدد صاحب المنزل انفاسه وقال: (( هل عرفت الآن ما تلطفت به عليك ، فإني لم آخذ منك اجرة مبيتك وطعامك لهذه المرة ))
قال المسافر * بعد سكوت طويل* بصوت عال : (( انك حقا لمجنون ))
نعم ايها الاصدقاء لقد ازداد الشجار ولاخلاف بين المسافر وصاحب المنزل ووصل حدًا ارتفعت فيه أصواتهما واجتمع حولهما جماعة من المسافرين ، وكلما حاول المسافرون حل النزاع بينهما لم يتمكنوا من ذلك، وأخيرا اتفقوا على أن يذهبوا الى سيد قوم ذلك المكان ويأتو به ليحل النزاع .
وبعد مدة يسيرة جاء سيد القوم واستمع دعوى المسافر وصاحبه ، لكنه وعلى خلاف ما كان يتوقع الكثير من الحاضرين حكم لصاحب المنزل ؟، وقال للمسافر : (( اعطه الألف دينار )) ولمّا علم المسافر أن بعناده لا يتمكن من حل النزاع فقط بل يمكن ان ينجر امره الى ضربع وإهانته، حينئذ نكس راسه الى الارض وانصرف مفكرا في عاقبة امره ، وهو يقول ( الهي اعني ).
كلنا يعلم أن الله تبارك وتعالى لا يترك من توسل اليه عند حاجته بل يدبر امره حيث شاء ، من هنا اعترض المسافر الذي كان غارقا في التفكير رجل وقال له : (( اني اعرف رجل يمكنه ان يخلصك من ورطتك .))
رفع المسافر رأسه وقال: (( اين هو ؟ ))
قال : (( انه في بغداد قريب من هذا المكان فاني عازم على الذهاب الى بغداد لأجيء به إلى هنا)).
ظل المسافر ينتظر من ياتي ويحل مشكلته ، فانه لي هناك طريق سوى الصبر . ذهب هذا الرجل ووعد المسافر بالرجوع في اقرب فرصة ممكنة، ومن ثم ركب فرسه وتوجه نحو بغداد مسرعًا .
ولما وصل بغداد سال عن بهلول ، فقيل له انه في المسجد ، دخل المسجد وسلمن على بهلول ثم قص عليه خبر المسافر المسكين.
استأجر الرجل لبهلول فرسًا واستصحبه الى موضع المنزل المذكور ، فسار سيرًا حثيثًا حتى وصلا قريبا من المنزل قال بهلول للرجل: (( انزل واذهب مسرعًا ، ثم قل لهم : بان قاضي بغداد في الطريق وقد وعدني بالمجيء عن قريب ))
نزل الرجل وفعل ما أوصاه بهلول به ، فأخذ الحاضرون ينتظرون قدوم القاضي.
لم يمض وقت طويل على مجيء القاضي الذي لم يكن سوى بهلول >> ايوى ... وحيث ان احدا من الحاضرين لم يكن يعرف بهلول لم يحصل الشك لاحد انته هو القاضي حقا ام لا !!
ولما دخل بهلول استقبله سيد القوم وصاحب المنزل وادخلوه معززا محترما الى المنزل.
ولما جلس بهلول في الموضع الذي اعدوه له قال: (( قصوا الخبر فاني عازم على العودة الى بغداد سريعا لقضاء ما ينتظرني من أعمال ))
تكلم صاحب المنزل وشرح الحال بسرعة ثم قال : (( فهل يعطيني حضرة القاضي في الحق في ذلك أم لا ؟ ))
تنفس بهلول نفسًا عميقًا ثم قال : (( إني اعتذر منكم جميعا خصوصا من سيد القوم وكذلك من صاحب المنزل ))
قال سيد القوم وصاحبه : (( لماذا يا حضرة القاضي ؟))
قال بهلول : (( اعتذر من التأخير في المجيء ، فاني مضافا الى عمل القضاء مشتغل بعمل الزراعة ، وقبل أن آتيكم بساعة جاءني عمال مزرعتي وطلبوا مني بذرا ليزرعوا القمح وحيث اني كنت قد سمعت ان بذر القمح لو فار بالماء الحار يزرع ثم يعطي ثمرًا كثيرًا ، فاشتغلت بوضع القمح بالماء الحار ، ولذلك فاني اعتذر من التأخير ))
ضحك سيد القوم مما سمعه من بهلول وقال في نفسه : (( انه لقاض مجنون اذ هل يمكن وضع بذر القمح في الماء الحار وتفويره ! ))
وضع صاحب المنزل * الذي اصابه الدوار في راسه * يده على شاربه وقال : (( ان هذا لشيء عجاب ))
قال بهلول : (( كلا كلا لا عجب في مثل بلد تحتضن دجاجة مشوية البيض ثم يخرج بعذ لك منها الفراخ فلا عجب اذن من بذر القمح الذي يفور بالماء الحار ان يعطي ثمرا ))
فلما سمع الحاضرون جواب بهلول اعطو الحق للمسافر ، وخاف سيد القوم ان ينكشف امره بتآمره مع صاحب المنزل وحاول ان يدفع عن نفسه الشبهة ، فقال : (( الحق مع القاضي ، اذ كيف يمكن للدجاجة المشوية ان تحتضن البيض ويخرج منها فراخًا ؟! ))
نكس صاحب المنزل رأسه الى الارض من دون ان يتفوه بشيء وبذلك تخلص المسافر المسكين من هذه الورطة ودفع ثمنا يسيرا ازاء مبيته وعشائه .
ثم توجه بهلول الى بغداد راجعًا ، وكان في ذلك عبرة ودرسا لكل من وسوست له نفسه بخداع الآخرين من المغفلين .
المفضلات