صوت النقود ولونها
دخل رجل فقير مدينة بغداد واخذ يتجول في أسواقها ، وكانت بغداد يومئذ
عاصمة أكبر دولة على البسيطة ، وكان فيها سوقًا عظيمًا يجد الناس فيه كل ما يريد، حتى كان دكاكين شعبة من السوق الكبير مختصة ببيع الأطعمة بأنواعها، بحيث كان بعض كسبة السوق يأتون كل يوم ليتناولون
الطعام في هذه الشعبة من السوق .
ذهب الرجل الفقير الى هذه الشعبة من السوق فشاهد فيها أنواع الأطعمة
فازدادت شهيته ولم يتمكن من مقاومة نفسه مقابل رائحة الطعام الشهي ، ومن القدر أنه كان لرجل دكانا في السوق وكان قد عرض طعامه خارج دكانه و البخار يتصاعد من أعلى الطعام ، فيأتي بعض الزبائن فيشترون منه ، وكان صاحب الطعام يأتي بين الحين والآخر يبيع طعامه ثم يدخل الدكان .
فلما رأى الفقير ذلك وهو لم يملك شيئا من النقود فكر مع نفسه فاخرج قطعا من الخبز اليابس الذي كان معه ثم وضعه على البخار المتصاعد
من الطعام ليترطب ويأخذ رائحة الطعام، فلما رأى صاحب الطعام – وكان طماعًا جشعًا_ ذلك خرج من الدكان وجاء إلى الرجل الفقير
مسرعًا وطالبه بثمن الطعام ، قال الرجل الفقير (( و هل جننت ؟ ثمن ماذا أعطيك.. فهل أعطيتني طعامًا ؟))
قال صاحب الدكان : هل تعترف أنك أكلت الخبز اليابس الذي وضعته على بخار طعامي ثم أكلته ؟
قال الرجل الفقير : نعم ، أكلت خبزي مع بخار طعامك المتصاعد الى السماء.
قال صاحب الدكان : إني أكتفي منك بأخذ ثمن البخار فقط !
وهكذا ارتفع صوتهما واشتد الشجار بينهما ، ومن حسن حظ الفقير
أن مر بهلول واستمع الى النزاع بينهما ، فقال بهلول لصاحب الدكان : أتعترف انه لم ياكل طعامك بل انتف ببخاره ؟
قال: نعم، وأنا لم أدع أكثر من ذلك
قال بهلول : حسنا اسمع .. ثم اخرج من جيبه نقودًا وألقاها في الأرض ثم أخذها وألقاها وهو يقول لصاحب الدكان: خذ ثمن طعامك..
فلما انتهى بهلول من ذلك ، قال له صاحب الدكان وهو متألم : ما هذا الذي فعلته ؟
قال بهلول : دفعت اليك ثمن طعامك .
قال صاحب الدكان: كنت أعتقد أنك تحكم بالحق أي شيء أعطتيني؟
قال بهلول: لقد حكمت بالحق، فإن الذي يبيع بخار طعامه ورائحته
لابد أن يكون ثمنه صوت النقود.
لم يتمكن صاحب الدكان أن يتكلم بشيء ورجع إلى محل عمله ، ثم أعطى
بهلول ما كان عنده من النقود الى الرجل الفقير ليشتري بها طعامًا ثم انصرف ..
__________________
المفضلات