بسم الله الرحمن الرحيم
* انا انزلناه في ليلة القدر * وما ادراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من الف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر * سلام هي حتى مطلع الفجر .
ظاهر اكثر الاخبار (1) الواردة في طريقنا يفيد ان ليلة القدر النازل فيها الملائكة على الامام ـ عليه السلام ـ في بقعة هو فيها غير خارجة عن احدى تلك الليالي الثلاث ، ليلة تسع عشرة ، ليلة احدى وعشرين ، ليلة ثلاث وعشرين .
وانما وردت مبهمة غير معينة عندنا ـ وان كانت معينة عنده ـ عليه السلام ـ كما يدل عليه ما في بصائر الدرجات عن ابي الهذيل عن ابي جعفر ـ عليه السلام ـ قال قال : يا ابا الهذيل انا لا يخفى علينا ليلة القدر ، ان الملائكة يطوفون بنا فيها (2) ـ لضرب من المصلحة ، كساعة الاجابة واسم الاعظم ونحوهما .
____________
(1) انما قال اكثر الاخبار ، لان بعضها يفيد انحصارها في ليلتين : احدى وعشرين ، او ثلاث وعشرين ، بل يفيد بعضها انحصارها في ليلة ثلاث وعشرين ، وان فيها انزل القرآن ، ولا شك ان نزوله كان في ليلة القدر ، لقوله « انا انزلناه في ليلة القدر » ، « منه » .
(2) بصائر الدرجات : 221 ح 5 .
فكل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل ، يتأخر غروبه عن غروب الشرقي بساعة ، فرؤية الهلال في احدهما دون الاخر لا مانع منه .
وعليه يتفرع تعدد ليلة القدر واختلافها بالنسبة الى المساكن الشرقية والغربية ، وكلها ليلة القدر الشرعية ؛ لان تخصيصها ببلد دون بلد غير معلوم ولا مفهوم من الاخبار ، بل الظاهر منها خلافه .
الا ان نزول الملائكة على الامام ـ عليه السلام ـ في واحدة منها ، ويمكن ان يكون في كل منها ، بأن يكون ـ عليه السلام ـ في كل ليلة من تلك الليالي في بقعة من تلك البقاع بطيّ الارض ونحوه ، ليدرك ثواب عمل تلك الليلة ، فتتعدد عليه ليلة القدر في سنة واحدة .
بل نقول : لا بعد في ان تكون ليلة قدره ـ عليه السلام ـ ايضا واحدة ، ولكن يكون نزول الملائكة عليه في كل ليلة من تلك الليالي القدر ، بأن يعرضوا عليه في كل ليلة ما يتعلق بأحوال سكان البلدة التي تلك الليلة ليلة قدرهم .
فان نزول الملائكة عليه في ليلة القدر اعم من ان تكون ليلة قدره او ليلة قدرهم ، كما يستفاد من الآية ، فان المفهوم منها ان الملائكة والروح تتنزل في ليلة القدر على امام الزمان ، وهو يعم الليلتين معاً ولا يخفى .
وعلى هذا فكل من تلك الليالي مصداق ليلة القدر النازل فيها الملائكة على الامام ـ عليه السلام ـ بما يكون من السنة الى السنة ، فتأمل .
نعم ليلة القدر التي نزل فيها القرآن جملة الى السماء الدنيا ، كما هو ظاهر « انا انزلناه في ليلة القدر » وقد وردت فيه عدة اخبار ، واحدة بالعدد لا تعدد فيها ، ولكنها لا يعلم انها كانت ليلة قدر سكان اية بلدة .
وعلى هذا فلابد من الاستخدام في ضمير «فيها » في قوله « تنزل الملائكة والروح فيها » فتدبر .
والحاصل ان تعدد ليلة القدر في سنة واحدة بالنسبة الى اهل المساكن الشرقية والغربية ، ونزول الملائكة في كل منها على الامام بأحكام اهل تلك المساكن ، وكون العمل الصالح في كل منها خيراً من العلم في الف شهر ، مما لا مانع منه لا عقلاً ولا نقلاً .
بل الواقع كذلك ، لان من ضروريات مذهب اهل البيت ـ عليهم السلام ـ بقاء ليلة القدر الى يوم القيامة ، ولا شك في إختلافها باختلاف البلدان ، وقد سبق ان تخصيصها ببعضها دون بعض لا وجه له ، اذ لا دليل عليه ، وخاصة بالاضافة الى الاعمال .
فانهم ـ عليهم السلام ـ قد رغبوا الناس بالاشتغال فيها بالصلاة والدعاء والمسألة ، ليدركوا فضلها وما اعد للعمل فيها ، ولم يخصوها في شيء من الاخبار فيما علمناه ببلد دون بلد ، وترك التخصيص والتفصيل دليل العموم ، وهو ظاهر .
قال بعض الافاضل المتأخرين ناقلاً عن مجمع البيان : اختلفوا في تحقيق استمراره وعدمه ، فذهب قوم الى انها كانت على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ثم رفعت . وقال آخرون : لم ترفع ، بل هي الى يوم القيامة ـ الى ان قال : وجمهور العلماء على انها في شهر رمضان في كل سنة انتهى .
أقول : وهذا هو الحق يعلم ذلك من مذهب اهل البيت ـ عليهم السلام ـ بالضرورة ثم قال : ولا خلاف بين اصحابنا في انحصارها في ليلة تسعة عشر منه واحدى وعشرين وثلاث وعشرين ، الا من الشيخ رحمه الله .
فانه نقل الاجماع عنه في التبيان على انها في فرادى العشر الاواخر منه تتنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم على امام الزمان ، فيعرضون عليه كلما قدر في كل تلك السنة ، يسلمون عليه وعلى اوليائه من اول الليل الى مطلع الفجر ، والاخبار مستفيضة بذلك .
ثم قال : بقي هنا اشكال ، هو انه ربما تختلف باختلاف الاهلة المختلفة باختلاف الاقاليم ، فلا تعرف .
أقول : عدم كونها معروفة لا يدل على عدمها ، مع انها معروفة للامام الذي تنزل عليه الملائكة والروح فيها .
نعم يرد الاشكال على العمل فيها مع عدم الجزم بها ، ولكن سيأتي ما يدل على جواز العمل المعين لوقت من غير جزم بوجوده .
فيجوز مثلاً ان يغتسل بنية ليلة القدر مع عدم جزمه بوجودها ، وهكذا في سائر الاعمال المتعلقة بتلك الليلة ، فلا يشترط الجزم في النية ، ولهذا جاز الترديد فيها ليلة الشك .
واما الثواب الموعود من الشارع لذلك العمل ، فهو يترتب عليه ، لانه وعده عليه ذلك الثواب ، ولم يعين له الوقت على وجه يتمكن من الجزم به .
فاذا عمل ذلك العمل المعين لوقت من غير جزم بوجوده ، يجب عليه ان يثيبه ، والا لكان ظالما ، لانه بذل جهده في تحصيل العلم بذلك الوقت ولم يحصل ، ومع ذلك فهو مخاطب بالعمل فيه ، فاذا عمل وجبت اثابته .
واليه اشار المستشكل بقوله : واجيب عنه بأجوبة ، منها : ان يكون المدار على بلد الامام في نزول الملائكة والروح ، ويكون للآخرين ثواب عبادة ليلة القدر اذا عبدوا الليلة الاخرى .
اقول : فان قلت : لو كانت عبادة الليلة الاخرى وان لم تكن ليلة القدر قائمة مقام عبادة ليلة القدر في بلد الامام ، فأي وجه للامر بعبادة ثلاث ليال متفرقة ؟
قلت : الوجه فيه هو الوجه في عبادة ثلاث ليال في بلد الامام ، وعالم بها بعينها ، كما سيأتي انشاء الله العزيز .
ثم قال : ومنها ان يكون الامام في كل ليلة في اقليم ، فتنزل الملائكة في الليلتين معاً . الثالث : ان يكون الامام في بلدة لكن تنزل عليه الملائكة في كل ليلة بأحوال اصحاب البلدة التي تلك الليلة قدرهم انتهى .
اقول : اختلاف الاقاليم لا مدخل له في اختلاف الاهله ، لانه باعتبار عرضها واختلاف الاهله انما هو باعتبار طولها ، كما اومأنا اليه ، وطول كل اقليم
من المغرب الى المشرق .
فالبلد المغربي جاز ان يرى فيه الهلال ، ولا يرى في البلد المشرقي ؛ لان حدبة الارض مانعة لرؤيته .
ولان غروبه في الاول بعد غروبه في الثاني بساعة مثلاً ، فيخرج بقدرها عن تحت الشعاع ، فيكون ممكن الرؤية في هذا البلد دون ذاك ، فكلما كان البلد اغرب ، كانت رؤية الهلال فيه امكن واقرب .
وبالجملة اختلاف الاهلة انما هو باختلاف البلدان شرقية وغربية ، فكل بلد غربي بعد عن بلد آخر شرقي بالف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي بساعة ، فيتحقق بذلك اختلاف المطالع .
المفضلات