كلمة سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام جعفر بن محمد الصادق ((عليه السلام)) / 1424هـ
صور من نشاط الإمام الصادق ((عليه السلام))
إن سيرة أهل البيت ((عليهم السلام)) سفر جامع لكل ما تحتاجه البشرية من اراء ومواقف وحلول وبرامج عمل لمختلف القضايا التي تواجهها ولا عجب في ذلك فانهم عدل الكتاب العزيز وصنوه وقد وصف القرآن نفسه بانه فيه : تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ. سورة النحل : 89 . مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ سورة الأنعام : 38. فهم كذلك.
وبمناسبة ذكرى وفاة الإمام الصادق ((عليه السلام)) نريد ان نستلهم من حياته ((عليه السلام)) بعض المعالجات لمشاكلنا ونتعلم منه ((عليه السلام)) كيف نصمد أمام التحديات التي تحاول تقويض شخصيتنا ومسخ هويتنا ونعرض ذلك باختصار من خلال نقاط :
الأولى : ان الفترة التي نعيشها تشابه تلك التي عاشها الإمام الصادق ((عليه السلام)) من حيث انها شهدت ضعف وانحلال دولة هي الأموية وظهور دولة جديدة هي العباسية فكان أهم عمل قام به في هذه الفترة الانتقالية وتخفيف قبضة الظالمين عنه هو نشر علوم أهل البيت ((عليهم السلام)) وتثبيت الركائز الفكرية والعلمية الرصينة لهذه المدرسة حتى لقد نسب المذهب اليه فقيل المذهب الجعفري لان جهده ((عليه السلام)) كان هو الأوضح في تأسيس هذا الصرح الشامخ وقد قطع الإمام شوطا واسعا في هذا المجال فقد تخرج على يديه اربعة آلاف عالم في مختلف العلوم والفنون فابو حنيفة شيخ أئمة المذاهب من تلاميذه ((عليه السلام)) وله كلمته المشهورة (لولا السنتان لهلك النعمان) وجابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء من طلابه ((عليه السلام)) وغيرهم كثير وقد انتشر هؤلاء في الامصار ونقلوا معهم ما تعلموه وكان ((عليه السلام)) يحث على طلب العلم ويقول : ((لوددت ان اصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا)) وخاطب ((عليه السلام)) اصحابه : ((عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا اعراباً فانه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر اليه يوم القيامة ولم يزك له عملاً)). ونقل ((عليه السلام)) عن جده رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : ((أف لرجل لا يفرغ نفسه في كل جمعة لأمر دينه فيتعاهده ويسأل عن دينه)). ونحن اذ نعيش اليوم زوال أيام النظام الجائر الذي حرمنا من كثير من حقوقنا ونشوء دولة جديدة يكون من اولياتنا تأسيس الحوزات العلمية الشريفة والمؤسسات الثقافية في جميع المدن لخلق واقع جديد من انتشار مراكز العلم والمعرفة يكون اساساً تبنى عليه الحياة الجديدة حتى يتسع الوضع الحالي الذي يفترض وجود الحوزة العلمية في مدينة النجف الأشرف لان مجرد وجود الكيان العلمي الديني في مدينة ما يعني دفعة قوية للحركة الإسلامية والالتزام الديني فضلاً عما لو تحرك هذا الكيان ليبلغ الاحكام ويعظ ويوجه ويرشد فانه سيملأ تلك المدينة ولا يترك فراغاً يمكن ان يشغله غيره ويحاصر الفساد والانحراف ويسد عليه منافذ الحركة.
الثانية : بيان وتوضيح المعالم الصحيحة لشخصية المسلم بعد ان مسخها الحكام الظلمة بما كانوا يصورون للأمة من جوانب مخزية لشخصيتهم وبما كانوا ينشئون في حياة المجتمع الإسلامي من واقع فاسد من فسق وفجور وخيانة وجور وانكباب على الدنيا وتقاتل من أجلها وولع بالخمر وعدوان على أهل الحق وكان وعاظ السلاطين السائرون في ركابهم يرقعون لهم هذه المخازي بضلالاتهم فضاعت الصورة الحقيقية للمسلم خصوصاً عند الاقوام التي دخلت الإسلام جديداً وليس لهم عمق تاريخي فيه وحرموا من التعرف على أئمتهم الحقيقيين فنهض الإمام ((عليه السلام)) بمسؤولية هذا التعريف وكان يركز اهتمامه اكثر على شيعته باعتبارهم طليعة هذه الأمة التي عرفت الحق واتبعته فتكون المسؤولية عليهم أكبر قال ((عليه السلام)) : ((فان الرجل منكم اذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى للناس الامانة وحسن خلقه معهم وقيل هذا شيعي يسرني ذلك ويدخل عليّ منه السرور ومن كان غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره)). وقال ((عليه السلام)) : ((والله ما شيعة علي الا من عف بطنه وفرجه وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه)). ويروي الإمام الصادق ((عليه السلام)) قائلاً : ((خرجت انا وابي حتى اذا كنا بين القبر والمنبر اذا هو باناس من الشيعة فسلم عليهم ثم قال من كلام : واعلموا ان ولايتنا لا تنال الا بالورع والاجتهاد من ائتم منكم بعبد فليعمل بعمله. وقال ((عليه السلام)) : اوصيكم بتقوى الله واداء الامانة لمن ائتمنكم وحسن الصحبة لمن صحبتموه وان تكونوا لنا دعاة صامتين. ـــ ولما سأله احدهم مستغربا ـــ : يا ابن رسول الله كيف ندعوا إلى الله ونحن صامتون، فقال ((عليه السلام)) : تعملون بما امرناكم به من طاعة الله وتعاملون الناس بالصدق والعدل وتؤدون الامانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولا يطلّع الناس منكم الا على خير فاذا رأوا ما انتم عليه علموا فضل ما عندنا فعادوا اليه)).
ومجتمعنا اليوم يتعرض لحملة عالمية منظمة مدعومة باحدث التقنيات والوسائل الاعلامية كالصحف والمجلات والتلفزيون والستلايت من أجل سلخه عن عقيدته واخلاقه وإعادته إلى الجاهلية التي استنقذهم الله تبارك وتعالى منها فلكي نحافظ على هويتنا الإسلامية في العقيدة والسلوك علينا ان نحشد طاقاتنا ونبتكر الاساليب والوسائل المناسبة لتلك الحملة المنظمة فنعّرف بعناصر شخصية المسلم ومعالمه التي تميزه عن غيره وقد كتبت بحثاً بعنوان عناصر شخصية المسلم في آثار أهل البيت ((عليهم السلام)) ونُشر في كتاب نحن والغرب.
الثالثة : الوقوف في وجه التيارات الفكرية التي تنشأ من داخل المجتمع المسلم أو تفد عليه من الخارج والتي تهدد عقيدة الأمة أو سلوكها فعندما نشأت شبهة القول بالجبر وأن الله قد قهر العباد على افعالهم وساهمت السلطات الحاكمة على ترويجها لتبرير ظلمهم للعباد وقف الإمام ((عليه السلام)) بحزم لتفنيدها وخصص عدداً من اصحابه للحوار والجدال وانتشرت كلمته التي تعبر باختصار عن مذهب اهل البيت ((عليهم السلام)) وهي : ((لا جبر ولا تفويض وإنما أمر بين أمرين)) وكذا واجه حملات الالحاد وإنكار الصانع لهذا الكون وقد تبناها عدد من الزنادقة والدهريين وكانوا يصرحون بها ويدافعون عنها ويطلبون من يناظرهم فيها ويستغلون موسم الحج لنشر ضلالاتهم وتسفيه عقائد المسلمين في شعائر الحج وكان الإمام الصادق ((عليه السلام)) يقف لهم بالمرصاد فيفحمهم ويرد كيدهم إلى نحورهم وينصر المؤمنين ويشد على قلوبهم ويعزز إيمانهم.
وكذا وقف بقوة ضد الفقهاء الذين بدأوا العمل بالقياس لاستنباط الاحكام الشريعة وحذرهم مغبة عملهم وقال إياكم ان يقف الناس يوم القيامة فيقولون قال الله ورسوله وتقولون قسنا ورأينا وقال لهم : ((اذا قيست السنة محق الدين)). واثبت بطلان العمل بالقياس بموارد ثابتة من الفقه تخالف أقيستهم ولولا هذه الوقفة الشجاعة لكانت الاحكام الشرعية الآن مخالفة تماما لما اراده الله ورسوله بحيث تؤدي إلى محق الدين كما عبر الإمام ((عليه السلام)) وتأسيا بالإمام ((عليه السلام)) فيجب على العلماء والمفكرين والمثقفين التصدي للشبهات والتيارات الفكرية والاجتماعية التي تهدد كيان الأمة كالالحاد وإنكار الخالق والقول بالصدفة أو الطبيعة وكالعلمانية ودعوات تحرير المرأة التي لا تعني إلا تدمير اخلاق المجتمع تحت هذه العناوين البراقة الخادعة ومثل دعوات التغريب التي يراد منها الحاق المجتمع الشرقي المسلم بالغربي بجميع انماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية رغم البون الواسع في مرتكزات كل منهما.
الرابعة : التصدي لتصحيح التصرفات المنحرفة التي تنشأ عن الجهل فمنها ما روي عن الإمام الصادق ((عليه السلام)) انه قال : ((قوله عز وجل : اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ : سورة الفاتحة : 6. يقول ارشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك والمبلغ إلى جنتك من ان نتبع اهوائنا فنعطب ونأخذ بارائنا فنهلك فان من اتبع اهوائه واعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه وتصفه فاحببت لقائه من حيث لا يعرفني لا نظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد أحدق به جماعة من غثاء العامة فوقف منتبذا عنهم متغشياً بلثام انظر اليه واليهم، فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم ـــ إلى ان يقول ـــ فلم يلبث ان مر بخباز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة ثم مر بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة ثم لم ازل اتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه، فسأله الإمام ((عليه السلام)) عن سر فعله هذا فاتهمه بجهله للقرآن يقول الإمام ((عليه السلام)) : قلت : وما الذي جهلت؟ قال : قول الله عز وجل: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا. سورة الأنعام : 160. واني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه اربع سيئات فلما تصدقت بكل واحدة منها كانت اربعين حسنة, انقص من اربعين حسنة اربع سيئات بقى ست وثلاثين, قلت : ثكلتك امك! أنت الجاهل بكتاب الله اما سمعت قول الله عز وجل : إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. سورة المائدة. 28، إنك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ولما دفعتهما من غير رضا صاحبها كنت انما اضفت اربع سيئات إلى اربع سيئات ولم تضف اربعين حسنة إلى اربع سيئات فجعل يلاحيني فانصرفت عنه وتركته)).
وكم يوجد مثل هذا الرجل في زماننا وكل زمان حيث يقومون بافعال يظنون انها تقربهم إلى الله تعالى وهي لا تزيدهم منه الا بعدا أو يحرصون على فعل المستحبات ويتركون الواجبات كالذي ينفق ماله في إقامة الولائم على حب أهل البيت ((عليهم السلام)) وهو لا يدفع ما بذمته من الحقوق الشرعية وهو بذلك يسرق حقوق مستحقيها.
الخامسة : حرصه ((عليه السلام)) على وحدة المسلمين والتأليف بين قلوبهم فرغم انه ((عليه السلام)) وأهل بيته ظلموا وغصبت حقوقهم الا انه لم يثر فتنة وسلم لهم من اجل ان تسلم امور المسلمين كما قال جده أمير المؤمنين ((عليه السلام)) : ((لقد علمتم اني احق الناس بها من غيري ووالله لاسلّمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور الا عليّ خاصة، التماساً لاجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه)). وضربوا ((عليهم السلام)) لذلك مثلاً في امرأتين تنازعتا في ولد كل واحدة تقول هو لي وتحيّر الخليفة الثاني في كيفية حل النزاع فالتجأ إلى أمير المؤمنين ((عليه السلام)) فما كان منه ((عليه السلام)) الا ان دعا بسيفه وقال ساقطع الولد نصفين لكل واحدة نصف مراعاة للعدل والانصاف فصاحت ام الولد الحقيقية لا تفعل يا أمير المؤمنين واحفظ الولد سالماً ولتأخذه المرأة الأخرى، فقال لها ((عليه السلام)) انت امه الحقيقية ودفعه اليها، فكان كل إمام يشعر انه ام الولد وعليه ان يضحي حفاظاً لسلامة كيان الأمة من التمزق والتشتت وكان الإمام الصادق ((عليه السلام)) يقول : ((ولدني أبو بكر مرتين))([1]). تأليفاً لقلوب العامة.
السادسة : الاهتمام بأمور المسلمين وقضاء حوائجهم ومساعدة ضعفائهم بحيث يصل إلى درجة التعبير عمن لم يهتم بامور المسلمين بأنه ليس منهم وكان الإمام الصادق ((عليه السلام)) يطوف بالبيت الحرام فجاء رجل إلى احد اصحابه طالباً منه قضاء حاجة فاجله إلى حين انتهاء الطواف فلم يرض الإمام عليه وطلب منه قطع الطواف حتى يقضي حاجة اخيه المؤمن ويعود إلى طوافه، ومر المعلى بن خنيس وهو من خواص اصحاب الإمام ((عليه السلام)) بمسلمين يتنازعان على مالٍ فدفع منه مالاً يرضيهما ولما استغربا من عظيم صنعه، قال : والله ليس هو من مالي وإنما وضعه عندي سيدي ومولاي جعفر بن محمد للمساعدة في اصلاح الخلافات بين المؤمنين وحل نزاعاتهم.
المواقف السياسية للإمام الصادق ((عليه السلام))
شهدت الفترة الأخيرة من الدولة الأموية اجتماعات عديدة كان يعقدها العلويون والعباسيون لاعلان الثورة وقد حاولوا اقناع الإمام ((عليه السلام)) بالانضمام اليهم الا ان الإمام ((عليه السلام)) كان يبين موقفه بوضوح باننا لسنا طلاب دنيا وليس لنا مطامع في السلطة وانما نريد الاصلاح وتهذيب النفوس وتكاملها ورقيها وهو ما يجب ان نعمل لأجله ومن دون وصول الأمة إلى مستوى رفيع من التربية الإيمانية لا يمكن ان تنجح فيهم سيرة الإمام ((عليه السلام)) في الحكم بين الناس وعندما كتب اليه ابو سلمة الخلال أحد قادة جيوش العباسيين التي اطاحت بالأمويين يعرض عليه الدعوة اليه بعدما تكشفت له نوايا القوم بالاستئثار بالسلطة دون العلويين قال الإمام ((عليه السلام)) مالي ولابي سلمة وهو شيعة لغيري ثم قال لخادمه : أدنُ مني السراج فادناه منه فوضع الكتاب على النار حتى احترق بكامله والرسول ينظر اليه فقال له الإمام ((عليه السلام)) هذا جواب كتابه ولما جاء ابو مسلم الخراساني قائد جيوش العباسيين يعرض عليه تسليم الأمر اليه بعدما أحس بخيانة العباسيين الذين بنوا حركتهم على الدعوة إلى الرضا من آل محمد ((صلى الله عليه وآله)) قال ((عليه السلام)) : لست من رجالي ولا الزمان زماني فالتصدي للسلطة عند الإمام ((عليه السلام)) وسيلة لإحقاق الحق وإقامة شريعة الله تبارك وليست شهوة وغاية في نفسها فلذا نأى بنفسه عن الخوض في هذه الحياة بل تركها لأهلها الذين رضوا بهذه الدنيا الدنية ثمناً لدخولهم نار جهنم وتفرغ هو لبناء النفس المطمئنة والقلب السليم والمجتمع الإسلامي النظيف ولكنه ((عليه السلام)) كان يرى ان بعض الثورات التي تنطلق بين حين وآخر بقيادة العلويين كزيد الشهيد وبني الحسن ((عليه السلام)) كانت مخلصة وضرورية لابقاء إرادة الأمة حية ولتعميق وادامة رفض الظلم والظالمين وهو ((عليه السلام)) وإن لم يتبناها بشكل مباشر وحرص على ان لا يدان بشيء متصل بها الا ان تعاليمه وخطه الفكري والتربوي والاخلاقي كان يصب في إشعال هذه الثورات لذا كانت السلطات تعتبره المرشد لها وكان ((عليه السلام)) يقول : ((لا زال الدين بخير ما خرج الخارجي من آل محمد)) أي الثوار الرافضون لظلم الطواغيت ويقول : ((لوددت ان الخارجي يخرج من آل محمد وعليّ نفقة عياله))، فهو وان لم يكن يرى ان المقاومة المسلحة هي الحل الأمثل لبناء الأمة الا انه يراها قوة له وتصب في مصلحة الإسلام العليا، وكتب ((عليه السلام)) رسالة تفصيلية إلى عبد الله المحض وأخوته واولاده وبني عمومته من بني الإمام الحسن ((عليه السلام)) بعد ان اعتقلهم المنصور العباسي في الهاشمية للضغط على ولدي عبد الله محمد النفس الزكية وإبراهيم أحمر العينين حتى يتركا الثورة ويستسلما وضمن الرسالة كل معاني المواساة والصبر والمصابرة والتسلية وحينما قتل قائد شرطة الوالي العباسي على المدينة مولاه المعلى بن خنيس قصد مقر السلطة بنفسه على غير عادته وطالب بالاقتصاص من القاتل وبعد محاولات عديدة للتخلص من الموقف قابلها الإمام ((عليه السلام)) بالاصرار على إقامة العدل استسلم الوالي وقدم الجاني للقصاص.
وبهذه النشاطات الكبيرة والمتعددة التي كان يؤديها الإمام ((عليه السلام)) نجح في ادامة الروح الدينية في الأمة وتوعيتها وبناء الاسس الرصينة لشخصيتها لذا حظي بتقدير الأمة بجميع طبقاتها وصدرت منهم اعلى كلمات الثناء والاطراء، قال مالك بن انس أحد أئمة المذاهب : (ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً). وقال فيه ابو حنيفة : (ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد). وقال ابن ابي العوجاء عندما قصد الإمام الصادق ((عليه السلام)) ليناظره وقد قال له الإمام : ما يمنعك من الكلام، فقال له : اجلالا لك ومهابة منك ولا ينطق لساني بين يديك وإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني من هيبة أحد منهم مثلما تداخلني من هيبتك يا ابن رسول الله، وكان المنصور على شدة عداوته للإمام ((عليه السلام)) يقول : ان جعفر بن محمد من السابقين بالخيرات ومن الذين اصطفاهم الله من عباده وأورثهم الكتاب.
محمد اليعقوبي
النجف الأشرف
([1]) فأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وكانت في غاية الجلالة والكرامة بحيث قيل للإمام الصادق ((عليه السلام)) ابن المكرمة وكانت من اتقى نساء زمانها وامها اسماء بنت عبد الرحمن بن ابي بكر (معجم رجال الحديث : 14 / 49، ومنتهى الآمال مج2).
المفضلات