كيف ظلم المحبون عليا عليه السلام؟



الشيخ حبيب الكاظمي



..



· إن الظلم لا يلازم العداء دائما، والدليل على ذلك ما ورد في القرآن الكريم: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.. فالخوارج ظلموا عليا (ع)، ومن حارب عليا (ع) فقد ظلمه، ونحن كذلك لم نعطِ الإمام حقه فظلمناه.. ومن صور الظلم أن كل قوم عرفوا الإمام حسب مذاقهم..

· فقوم من محبيه رأوا فيه تلك الشجاعة الحيدرية، ولم يعرفوا منه إلا سيفه المعروف بذي الفقار، فكلمة علي مترادفة مع السيف المعهود.. ولكن لا يعني ذلك أن عليا (ع) منحصر في عنصر الشجاعة، وإن كانت شجاعته ليست شجاعة الأبطال فحسب!.. ولكن شجاعته نستلهمها من كلمته الخالدة عندما فتح باب خيبر: (والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، ولا بحركة غذائية.. ولكني أُيّدت بقوة ملكية، ونفس بنور بارئها مضيئة).. فالإسلام لم يقم إلا بسيف علي، ومع ذلك فإن من يرى عليا بهذه الصورة فحسب، فقد ظلم عليا، وإن كانت هذه الصورة صحيحة في حد نفسها.

· وقوم ظلموا عليا (ع)، فلم يروا فيه إلا ذلك الزاهد، الذي لا يُعلم منه إلا الدعاء والبكاء والأنين.. وليس هناك فرقة من فرق المتصوفة، أو العرفاء، أو ممن يدعون السير إلى الله عز وجل، إلا ويقدسون عليا (ع).. نحن أيضا نقول: بأن عليا (ع) بلغ في العبادة ما لا تحتمله عقولنا.. ومع ذلك فإن تصوير علي بهذه الصورة ليس من الأمر الصحيح.. ولهذا فإن الشريف الرضي، التفت إلى هذه الظلامة، فقال: (الذي يسمع كلام علي في الزهد وفي الوعظ وفي الزجر، لم يعترضه الشك في أنه كلام من لا حظّ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة.. ولا يكاد يؤمن بأنه كلام من ينغمس في الحرب، مسلّطا سيفه، فيقتّ الرقاب، ويجدّل الأبطال).

· وهناك قسم ظلموه من خلال تصويره بأنه صاحب كرامة ومعجزة.. فالله عز وجل قد يأذن لوصي نبيه أن يتصرف تصرفا غير مألوف، لحكمة ولهدف مقدس يراه هو جل جلاله.. ونحن نفتخر بما صدر من علي في أيام حياته، وبعد استشهاده.. فكما أن الحسين (ع) الإجابة تحت قبته، والشفاء في تربته، فكذلك مرقد الإمام علي (ع) شهدت كرامات وكرامات.. ولكن ليس معنى ذلك أن نرى عليا من خلال الكرامات فحسب!.. فليس هذا بُعد علي.

· وقسم ظلم الإمام (ع) بأن جعلوه وسيلة لقضاء الحوائج، ولهذا نرى أن الناس عندما لا يكون لهم حاجة، ويذهبون إلى المشهد الشريف.. فإنهم يزورن زيارة متعارفة، لا تفاعل فيها.. ولكن إذا كانوا أصحاب حاجات، كأن يكون عليهم دين، أو لديهم مرضى، فإنهم يتضرعون، ويتوجهون ويتفاعلون أثناء الزيارة.. فإذن، من الخطأ الجسيم أيضا، أن نجعل أئمتنا ذرائع ووسائط لقضاء الحوائج فحسب.

· ومن صور الظلم، أن نروج له بما لا يرضاه، وألا ندافع عنه كما دافع هو عن نفسه.. قال الإمام الباقر (ع): (يا جابر!.. أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت؟!.. فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله، وأطاعه.. وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله....).. وعليه، فقد ظلمنا عليا (ع) في أن انتسبنا إليه معتمدين على شفاعته يوم القيامة.. ونحن لا ننكر أن الذي يسعى سعيه، ويبذل جهده، ويراقب ربه، ويجاهد نفسه.. ثم يقصر به العمل، ويذهب من هذه الدنيا سليما في عقائده، نزيها في شخصيته، ولكن تغلب سيئاته حسناته.. عندئذ قد تدركه شفاعة علي وأولاد علي (ع) بإذن الله عز وجل يوم القيامة، ذلك اليوم الذي تتجلى فيه الرحمة الإلهية من أوسع أبوابها.. فإذن، إن عليا أيضا أوسع من هذا المعنى.

· وكل ينظر إلى علي من زاويته.. فالبعض يرى في علي حاكما سياسيا تابعا لقواعد السياسة المتعارفة، فهذا الرجل المسيحي يقول: إن الذين قالوا: "علي لا يعرف السياسة" يريدون أن يكون كغيره، ويأبى علي إلا أن يكون عليــا بن أبي طالب، فهذا عنوانه المتميز.. وعمر بن عبد العزيز كان معروفا ببعض الصفات، ولهذا يرى عليا من زاويته التي يريدها، وهذا النص مأثور عنه: ما علمنا أن أحدا في هذه الأمة بعد النبي أزهد من علي بن أبي طالب.. بل أن أحمد بن حنبل إمام أحد المذاهب الأربعة، كما يروي عنه السيوطي في تاريخ الخلفاء/ صفحة 168: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل، ما جاء لعلي بن أبي طالب.. إن عليا (ع) آية الله العظمى، التي لم يخلق أفضل منها بعد النبي (ص).. ولأن النبي كان خاتم الأنبياء، فإن عليا خاتم الأوصياء.

· إذن، كيف نفهم عليا (ع)؟.. إنه فاتك ناسك حليم شجاع جمع هذه الصفات، وقد قيل في وصفه: خلق يخجل النسيم من اللطف، وبأس يذيب منه الجماد.. فإذن، علينا أن نعرفه من زاوية شاملة، وبكلمة واحدة: علي خليفة الله وسفيره في أرضه، حقق الهدف من الخلقة، ورفع استغراب الملائكة عندما نظروا إلى آدم وقالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}.. فعندما قال لحبر من الأحبار يصف الله عز وجل وصفا بليغا: انقطعت الغايات عنده، فهو منتهى كل غاية، فقال: يا أمير المؤمنين: أنبي أنت؟.. عندئذ قال: ويلك!.. إنما أنا عبد من عبيد محمد.. فهو الجامع لكل الصفات الإنسانية الكاملة.. علي التجلي البشري الأرضي لأسماء الله الحسنى، بمقدار ما يأذن الله عز وجل بتجلي صفاته في عبد مخلوق.
فإذن، هذا هو علي (ع) فلنكن في جامعية علي، فلا يكون أحدنا حمامة المساجد وفي خلقه سوء، وفي تعامله فظاظة، وفي علمه ضحالة.. فليس هذا أسلوب علي، إن البعض ينشغل بالعمل الاجتماعي والسياسي، يفكر في الناس جميعا إلا في أحب الأنفس إليه، فهذا ظالم لنفسه، كالشمعة تحترق لتنير للآخرين.. ويوم القيامة يأتي نادما، حيث كان جسرا للعباد عبروا عليه، وهوى هو في النار.. أحدنا عليه أن يكون ساعيا في الحياة، كادا على عياله، كما كان علي (ع).. ولكن مع ذلك لا ينسى أنه خليفة الله في أرضه.