
أنت حر ما لم تضر
حب الذات من الصفات الممقوتة اجتماعيا والتي تثير نوعا من الكراهية
أو الرغبة في اعتزال الشخص الموصوف بحب الذات وفي الحقيقة أن حب الذات ا
لمجرد عن ضرر للآخرين هو الأصل الذي يتفرع منه حب الإنسان للمخلوقات والأشياء
، إذ كيف لإنسان يفتقد الحب لذاته أن يحب الآخرين أو يتعامل معهم بنوع
من المحبة التي ترضي الآخرين.
فحب الإنسان لا شك أن يكون في الأساس هو حبه لذاته ثم يندرج تحت
محبة الذات أنواع أخرى من المحبة، تشمل المحيطين وتتسع لتشمل الموجودات
والأشياء والقيم الإنسانية ومن ثم يستطيع الإنسان أن يتوسع في العطاء
الذي هو المرادف الحقيقي للحب بين الناس، فبقدر ما يعطي الإنسان لمن
حوله بقدر ما ينال من محبتهم، والعطاء هنا ليس مقصورا على العطاء المادي وإنما
هو عطاء متنوع فالابتسامة نوع من العطاء، والسؤال عن الجار ومساعدة المحتاج
باي شكل من أشكال العطاء هو نوع من إقامة علاقات الود والمحبة بين الناس
على اختلاف شكل العلاقات التي تربطهم يبعضهم البعض،
والسؤال هو هل يتناقض حب الذات مع محبة الآخرين خاصة وان مجرد ذكر محبة
الذات يكون مرادفا للأنانية والطمع والرغبة في الامتلاك.
أن الإنسان وبطبيعته الفطرية لا بد سيؤثر ذاته عن الآخرين لا سيما إن كان هناك
صعوبة أو تعارض بين مصلحة الإنسان ومصلحة الآخرين وما يختزله الناس أن المحب
للآخرين من يؤثر مصالح الناس على مصالحه والقول بذلك مثالي إلى حد ما ويكاد
ينعدم هذا المثل على ارض الواقع، إذ لابد أن تدفع الفطرة الإنسان إلى تفضيل
مصالحه على مصالح الغير إلا أن القاسم المشترك هنا هو ألا يكون الإنسان في سعيه
لتحقيق مصالحه قد تجاهل مصالح الآخرين، فالمطلوب أن يكون هناك نوع من الموازنة
فمتى سببت مصلحة الإنسان ضرر للغير فإنها أنانية مفرطة منه وتجاهل صريح لقيم
العدل والمحبة والترابط بين الناس بعضهم البعض، هذه القيم التي تهدف إلى خلق
نوع من الموازنة بين حب الإنسان لذاته وبين مراعاته لحقوق الآخرين ومساحة وجودهم
الحقيقية التي يتوجب عليه أن يحافظ عليها مع الآخرين وإلا وصلنا إلى النوع الممقوت من
حب الذات أو الأنانية التي إن وجدت كانت من اكبر الآفات التي تؤثر على ترابط الناس
وتوادهم تأسيسا لقيام مجتمع الخير والعدل.
وهناك قول مأثور يقول أنت حر ما لم تضر لكن تغير المفاهيم وارتباطها أيضا بنظرة
المصلحة جعل مفهوم الضرر موضوع نسبي يختلف من شخص لأخر لاسيما إذا كان الضرر
نفسيا يضر بسمعة الإنسان وكرامته، فما أراه أنا من مسببات الضرر قد لا يكون
بالنسبة لك كذلك وبعيدا عن مجالات التقاضي والقوانين فان الإنسان أيضا بحسه الفطري
قادر على أن يميز بين مسببات الضرر من عدمها، لكن البعض منا قد تأخذه العزة بالإثم
ويرفض قبول مبدأ انه تسبب في ضرر للآخرين وذلك بسبب اختلاف مفهوم الضرر من شخص
لاخر إما بسبب مجموعة العادات والتقاليد السائدة وإما بسبب مكانة الأشخاص التي
حتما ستتفاوت وتتعدد إلى درجات مختلفة، ويبقى أن نؤكد على أن حب الإنسان
لنفسه ليس ممقوتا بذاته ولكن بما يجلبه من إفرازات سيئة قد تكون هي أهم مسببات
توتر العلاقات الاجتماعية وتقطيع الروابط والصلات القريبة والبعيدة لكن ذلك كله مرتبط
بمفهوم الإنسان للمحبة سواء كانت لذاته أم للآخرين.
المفضلات