حادث الجسر.. جرحٌ مغلقٌ برصاصته
للشاعر: جاسم الصحيح
يُسَمُّونَهُ جسرَ الأئمَّة وأُسمِّيهِ جسرَ العشّاق..
ألفُ شهيد عراقيّ يسقطون من أعلاه في نهر دجلة
وهم في الطريق إلى زيارة الإمام موسى الكاظم ويغرقون في الحبّ!
ينمـو الـعـراقُ ولـيـسَ فــي غَــدِهِ غَــدُ
ويـجــودُ لـكــنْ لـيــسَ فـــي يَـــدِهِ يَــــدُ
وطـنٌ ذخيرتُـهُ الـفَـراَدَةُ فــي الأسَــى..
وكــــذا جـمـيــعُ الأنـبــيــاءِ تَــفَـــرَّدوا!
وطـــنٌ تَـعَـلَّـمَ مـــن ســــوادِ مـصـيــرِهِ
ألاَّ يُــفــاجِــئَــهُ مــصـــيـــرٌ أســـــــــودُ
مـنـذُ الـجـراحِ ومـنـذُ فـجــرِ ضـمـادِهـا
والـلـيـلُ يــجــرحُ والـصـبــاحُ يُـضَـمِّــدُ
أتُــرى الـعــراقُ خطـيـئـةُ الأزلِ الـتــي
مـا زال يقطـفُ مـن جَناهـا، السَّـرمَـدُ؟
أبـــداً أُطِــــلُّ عـلـيــهِ عــبــر جــراحِــهِ
فـــــأراهُ مــــــن أعـمـاقِــهــا يـتـنــهَّــدُ
ولَقَـدْ نطـلُّ عـلـى الـمـدى مــن شُـرفَـةٍ
خَــطَــأٍ فيـخـذلُـنـا هــنـــاك الـمـشـهــدُ!
***
يـا نهـرَ «دجلـةَ».. مـا أرابَــكَ حينـمـا
عُشَّاقُ «موسَى» فـي هـواهُ تَجَـرَّدوا!
أَرَأيــتَــهُـــمْ يـتــمــاوجــونَ كــأنَّـــهُـــمْ
نـهـرٌ عـلـى طــول الطـريـقِ مُـجَـسَّـدُ!!
ســالــوا فَـثَـمَّــةَ «دجــلــةٌ» بَـشَـرِيَّــةٌ
راحَـــــتْ عــلـــى شـطـآنِـهــا تـتــمــرَّدُ
مـــا عَـبَّــأَ الأمـــواجَ فــــي أسـمـائِـهـا
إلاَّ «الحسينُ» و«حيـدرٌ» و«محمَّـدُ»
ولَـرُبَّـمـا اخـتـصــرَ الـمـواســمَ بـلـبــلٌ
يــشــدو عــلــى أغـصـانِـهـا ويُــغَـــرِّدُ!
***
يـا نهـرُ.. فـاضَ العاشـقـونَ بِطُهـرِهِـمْ
فـالـمــاءُ فـــــي أجـســادِهِــمْ يَـتَـعَـمَّــدُ
وأَتَـــوكَ مـــن كـــلِّ الـجـهـاتِ منـابـعـاً
ومَصَبُّهُـمْ حيـث «ابــنُ جعـفـرَ» يـرقـدُ
وهنـاك لاح «الجسـرُ» حـيـث تَغَنَّـجَـتْ
بـالأمـسِ أســرابُ الـمـهـا «تَتَـبَـغْـدَدُ»
«الجسـرُ» أقـدمُ عاشـقٍ خَبَـرَ الهـوىَ
فـيـمـا رواهُ لــنــا الــــرُّواةُ وأســنــدوا
تـتــوقَّــدُ الأحـــجـــارُ فـــيـــهِ كــأنَّــمــا
هُــوَ مــن ضـلـوع العاشقـيـنَ مُـشَـيَّـدُ!
«الجـسـرُ» أغـنـيـةٌ تـسـيـلُ فـيَـرتـوي
مـنـهـا الحـنـيـنُ وينتشـيـهـا الـمـوعــدُ
«الجـسـرُ» مـحـرابُ الـذيــن تَبَـطَّـنـوا
ســــرَّ الـجـمــالِ فـأَلَّــهُــوهُ ووَحَّـــــدوا
يـا نهـرُ.. هـل لِــيَ فــي دلـيـلِ سيـاحـةٍ
عبـر الـسـؤالِ، وأنــتَ فـيـه المـرشـدُ:
مـا بـالُ هـذا «الجـسـرِ» خــانَ تـراثَـهُ
فكَـبـا علـيـهِ «الأربـعــاءُ» الأَســـوَدُ؟!
أين «العيونُ» وأين «أسرابُ المها»
والــحــبُّ والــغــزلُ الــــذي يـتـوقَّــدُ؟!
أيــن الأغـانـي وَهْـــيَ راكـعــةٌ عـلــى
شطَّـيـهِ.. بَــلْ أيــن الأمـانـي السُّـجَّـدُ؟!
هــل يــا تُــرى سَقَـطَـتْ بـكـلِّ مجـازِهـا
فـي المـاءِ حـيـث العاشـقـونَ تَـمَـدَّدوا!
يــا نـهـرُ.. هــل نحـتـاجُ ألــفَ ضـحـيَّـةٍ
لِنـقـولَ أنَّ بـنــي الـعــراقِ تَـوَحَّــدوا؟!
هـل أَدرَكَـتْ أمــواجُ «دجـلـةَ» حينـمـا
غـرقـوا بـهـا : كـيـف الآلِـــئُ تُـولَــدُ؟!
***
يـا نهـرُ.. هـل لِــيَ فــي دلـيـلِ سيـاحـةٍ
عـبـر الـســؤالِ .. فـلــم أزلْ أَتَـشَــرَّدُ:
كيـف استحـالَ «الجـسـرُ» فَــكَّ منـيَّـةٍ
لِصَـحـابـةٍ فــــي شـاطـئَـيـهِ تـعـبَّــدوا؟!
شاخـوا.. ومـا شـاخَـتْ علـيـهِ حـجـارةٌ
شَــرِبَــتْ صِـبـاهُــمْ وانْـثَـنَــتْ تَــتَـــوَرَّدُ
أتُـراهُــمُ وجــــدوا الــعــراقَ رهـيـنــةً
فـي قــاعِ «دجـلـةَ» لــم تُـمَـدَّ لــهُ يــدُ!
فـهَــوَوْا إلـيــهِ.. كــــأنَّ كــــلَّ جــنــازةٍ
طَـــوقٌ يُـغــاث بـــهِ الـعــراقُ ويُـنـجَـدُ!
أمْ أنَّـهُـمْ فَـرَجُـوا الـغـيـوبَ وأبـصــروا
في المـوتِ أجمـلَ مـا يجـيءُ بـهِ الغـدُ!
قَــدَراَنِ يصـطـرعـانِ : هـــذا حـاضــرٌ
نَــكِـــدٌ ، وذَيَّـــــاكَ الـمــؤجَّــلُ أنـــكـــدُ!
***
يـا نهـرُ.. هـل وَهَبـوكَ مــن أرواحِـهِـمْ
مــــــا تـسـتـطـيــعُ بِـــسِـــرِّهِ تَــتَــأَبَّــدُ؟
يــا نـهـرُ.. هــل تـركـوا لـديـكَ وصـيَّــةً
تـدعـو إلــى تـقـوى الـعـراقِ وتُـرشـدُ؟
مـــا نَـــدَّ جُـرحُـهُــمُ الـمـدَمَّــى قــطــرةً
من فـرط مـا هُـوَ بالرصاصـةِ مُوصَـدُ!
جـــرحٌ تَـعَــذَّرَ عـــن حـمـايــةِ نـفـسِــهِ
فخَـبـا كـمـا يـخـبـو الـشـهـابُ ويـخـمـدُ
جــــرحٌ.. نَـسِـيـنـاَ أنْ نـقـيــمَ عــــزاءَهُ
مــــن فــــرط مـــــا أتــرابُـــهُ تـتــجــدَّدُ
جــرحٌ قــدِ افـتَـرَشَ الضحـايـا وانثـنَـى
غــــافٍ .. عــلــى ذكــراهُــمُ يَـتَــوَسَّــدُ
المفضلات