كانت رحاب خلال الأيام التي أعقبت هذا الموقف لا تكاد تفارق حسنات إلا خلال ساعات دوامها ، فهي دائماً معها تلاطفها وتتحدث معها عن المستقبل وتحاول أن تساعدها بالخياطة والتطريز وهي بين ذلك كله تقرأ من كتبها ما تشاء فتزداد إيماناً واطمئناناً ولكنها كانت تنتظر جواب مصطفى حتى وصلها الجواب وكان ما يلي :


بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزتي حسنات
حرسك الله ورعاك وسدد في طريق الحق خطاك...
يؤسفني أن أكون قد تأخرت عنك في الجواب ولكنها مشاغلي واستعدادي للامتحان النهائي... فإليك الآن جواب ما أردت يا حسنات وسوف أورده لك باختصار وأطلب منك مطالعة أصول العقيدة لتجدي فيه التفصيل. والآن فنحن لو وجدنا ماءاً قد وصل إلى درجة الغليان نتمكن أن نتساءل عن السبب الذي أوصله إلى درجة الغليان فيأتينا الجواب أن السبب هو قربه إلى النار فنقول لماذا كان القرب من النار يوجب الحرارة ؟ فيقال لأن النار حارة ، وعند ذلك فهل يصح لنا أن نتساءل لماذا كانت النار حارة ؟ بطبيعة الحال أن هذا السؤال غير معقول لأننا متى رأينا ناراً ليست بحارة لنتساءل متى أصبحت حارة ؟ ثم ألسنا ( جميعاً ) مؤمنين وماديين متفقين على أن لهذا الكون سبباً وخالقاً ينتهي لديه التعليل والتفسير لأن لكل شيء نهاية ولا يمكن أن يستمر التفسير والتعليل إلى غير نهاية ، وإنما نختلف في نوعية هذا السبب الأول فالماديون يزعمون انه الطبيعة أو المادة أو الدهر كما يقول القرآن الكريم والمؤمنون يعتقدون بأنه الله العليم القدير ، فنحن إذن بين افتراضين وحيدين وكل منهما يعترف بوجود سبب أعلى ليس له بدوره سبب فالمسألة إذن أن نعين نوعية هذا السبب الأعلى فهل يا ترى بالامكان أن يكون هذا السبب الأعلى للكون بكل ما فيه من حكمة واتقان وجمال وتدبير وضبط وإبداع وتمشياً مع مصلحة الانسان وحاجة الحياة ، أقول هل يمكن أن يكون السبب الأعلى لكل ذلك قوة عمياء لا تعي ولا تدرك ولا تفهم ما هي الحياة ولا تعرف من سننها ما يعرفه حتى طالب الاعدادية كما يفترض الماديون من الههم المزعوم الذي يسمونة الطبيعة تارة والمادة أخرى والدهر ثالثة. ان الجواب كلا لأن النظام بحاجة إلى منظم والحكمة دليل على الحكيم والعلم والجمال لا يعطيه إلا العالم الجميل فتبارك الله احسن الخالقين.

مصطفى


عندما انتهت رحاب من قراءة رسالة مصطفى ذهبت إلى حسنات تطلب منها الكتاب وقد حسبت أنها لن تكتب إلى مصطفى بعد الآن وبدأت تقرأ وقد زادتها القراءة هدى واطمئناناً وصممت أن تكتب إلى مصطفى لتصارحه بالحقيقة إذ أنها لم تعد بحاجة إلى سؤال وجواب ، ولكن خاطر خطر لها أسلمها إلى الحيرة من جديد ، أنها ما دامت قد آمنت بالله فان عليها أن تؤمن بالقرآن ولكن كيف تعرف أو تطمئن إلى أن هذا القرآن هو من الله خالق الكون والحياة ؟ إذن فهي ما زالت مشدودة إلى مصطفى ... وصممت أن تكتب سيما وان حسنات قد تحسن وضعها النفسي بعد حديثها معها وأخذت تملي على نفسها التصديق بكلام أختها وإن كانت لا تعرف كيف تفسره... ولهذا فقد كتبت إليه من جديد قائلة :


يتبع...