عزيزي مصطفى
كيف تقول أنك قد أتعبتني فيما كتبت مع أنك بدأت تكشف عن عيني غشاوة طالما حالت بيني وبين معرفة الطريق ،
وأسلمتني إلى التيه والضلال ، وها أنا ذي أطلب منك المزيد بعد أن قرأت الكتب التي ذكرتها وشعرت بالكثير من الراحة النفسية ، فهل تراك على استعداد لأن تكتب إلي من جديد وأن تذكر لي مزيداً من الحقائق التي ذكرتها سابقاً ؟ ثم أرجو أن تعلم بأنني بدأت أولد من جديد وأن حاجتي إلى مزيد من المعرفة حاجة الطفل الرضيع إلى الحليب ، ولعل في هذا ما يدفعك أو يشجعك على تحمل ما أكلفك به من جهد لم أكن لأستحقه منك ولكنني أرجوك أن لا تخذلني وأنا في أمس الحاجة إليك ـ أقصد إلى علمك ودرايتك ـ

حسنات


وصلت رسالة رحاب إلى مصطفى فقرأها بامعان ثم بادر إلى الكتابة لها لأنه كان على أبواب الامتحان فكتب يقول :


عزيزتي حسنات
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
أكتب اليك متمنياً لك السعادة الكاملة في الدارين وقد ارتحت لرسالتك الأخيرة لما كانت تعبر به عن اجتيازك لمرحلة العبور ورحلتك الموفقة من الشك إلى اليقين ، فهنيئاً لك هذا الميلاد الجديد الذي أرجو أن يكون ميلاداً سعيداً وكل عام وأنتِ ومن معك بخير ، ولا تحسبي أنني متبرم بشيء مما تريدين بل على العكس من ذلك تماماً. فإن مما يسعدني أن يكون الله عز وجل قد اختارني لأقف إلى جوارك في محنتك بدينك وإيمانك فأكون سبباً لكشف الحقائق أمامك ، هذه الحقائق التي طمست معالمها الأفكار الهدامة فكنتِ أنت ضحية من ضحاياها وها أنت وقد استجبت لصوت الحق الذي يناديك ليأخذ بيدك من الظلمات إلى النور ولهذا فأنا راض ومقتنع بضرورة الكتابة اليك أكثر فأكثر وإن كنت أجد في الكتب التي ذكرتها لك رصيداً يغنيك عن كل سؤال ، أما وأنك ما زلت تريدين المزيد فهاك منه بعضاً وهذا البعض له ارتباط بأجسامنا ، فهل سبق لك أن وقفتِ حائرة أمام النظام المعقد لأسلاك الهاتف ، وكيف أن مكالمة تنتقل عبر الأسلاك من مصر إلى لندن أو من العراق إلى واشنطن ؟ لا شك أنه أمر معقد جداً يبعث لمتأمله الحيرة ويدفعه إلى الاعجاب بالمصممين البارعين لهذا النظام ، ولكن لماذا لا يقف الانسان قليلاً أمام نظام أوسع من هذا النظام وأشد تعقيداً ، ألا وهو نظامنا العصبي ! ان ملايين الأخبار تجري على أسلاك نظامنا العصبي من جانب إلى آخر ، لا تتوقف ليلاً ولا نهاراً ، تقوم بمهمتها في توجيه القلب والتحكم في حركات الأعضاء ، وحينما كان لا بد لكل نظام من مركز فان مركز هذا النظام للمواصلات هو مخ الانسان وفيه يوجد ألف مليون خلية عصبية ، ومن هذه الخلايا تخرج أسلاك تنتشر في سائر جسم الانسان وهي ما يسمى بالأنسجة العصبية... وفيها في هذه الأنسجة يوجد نظام استقبال ، ونظام إرسال ، وبواسطتها نسمع ، ونتذوق ، ونرى ، ونقوم بشتى
أعمالنا ... هذا المخ هل تأملتِ كم يضم بين جوانبه من أسماء ، وأرقام ، وتصورات لأحداث طويلة ، وقصيرة ، وصور لوجوه لا تعد ولا تحصى ، يعرف بعضها ويجهل البعض الآخر ؟ فكيف وأين تختفي كل هذه الاسماء والارقام والأحداث والصور وحجم المخ كما تعلمين صغير ؟ أفتراها الطبيعة الغير ذات الشعور هي التي نظمت للمخ هذا النظام وجعلته مركزاً لانطلاق الأفكار والأعمال في جسم الانسان ؟ هل تعقلين هذا يا حسنات ؟ أو هل هناك عاقل يؤمن به حقاً دون رغبة منه في عناد أو مراء ؟ ثم هل تعلمين أن هناك الكثير من الآلات والمكائن هي في الواقع تقليد لما خلقه الله عز وجل فعدسة الكاميرا مثلاً ، هي كالشبكة الخارجية للعين ، والحجاب الحاجز هو يقوم مقام قزحية العين ، والفلم الذي يتأثر بالضوء في جهاز الكاميرا ما هو إلا تقليد شاشة العين ، التي توجد فيها خطوط وأشكال مخروطية ترى الأشكال وهي معكوسة ولكن ليس هناك من يجرؤ على القول أن الكاميرا صنعت نفسها بنفسها ، وإن وجد يجرأ من يقول أن العين خلقت بدون خالق وان الصدفة وحدها هي التي نظمتها على هذا الشكل !! ثم هل تعلمين أن جامعة من جامعات موسكو قد ابتكرت آلة لقياس الذبذبات تحت الصوتية ومهمتها التقاط أخبار الفيضان والزلزال قبل حدوثها بساعات ، وقد استوحى العلماء فكرة هذه الآلة من سمكة قنديل البحر التي تسمى ( هلامي ) إذ أنها تستشعر بحدوث الفيضان والزلزال قبل حدوثها بساعات ، فقلد المهندسون أعضاءها التي هي من الحساسية بشكل يجعلها تتحسس حتى الذبذبات تحت الصوتية ؟ هذه أمثلة قصيرة ولك أن تراجعي كتاب مع الله في السماء وكتاب الطب محراب الايمان ، وكتاب طبائع الأحياء لتتعرفي على شيء مما خلق الله عز وجل ولك مني أصدق التمنيات والتحيات.

مصطفى

يتبع..