عزيزي مصطفى
لعلني أبطأت عليك في رسالتي ، ولكن مطالعة الكتابين الذين طلبت مني مطالعتهما قد شغلني إلى حين .. والآن دعني أقول لك بأنك تتحدث بأسلوب لطيف ، ومقنع ( إلى حد ما ) وقد قرأت سيرة الرسول التي أرشدتني اليها ، وعشت معها أياماً حلوة ، وعرفت منها ما لم أكن أعرف عن محمد بن عبدالله ، كما أنني بدأت أقرأ قصة الايمان ، وقد وجدتها تجيبني عن أكثر من سؤال ، كما يراودني ويلح علي ، فقد كنت مثلاً ولا أزال لا افهم كيف يمكن لي أن أعبد رباً لم أره ، ولم تدركه الحواس الخمس التي هي مصدر كل ادراك ! أو ليس في هذه العبادة شيء من التقليد القائم على الوهم ؟ يؤسفني أن أزعك بهذه التساؤلات ، ولكنني أصبحت أشعر بالحاجة لردك عليها ، وهذه الحاجة أخذت تسلمني إلى الكثير من القلق ، فلعل في رسائلك أو في قصة الايمان ما يهبني الاستقرار ، هذا وأرجو لك كل خير وأطلب منك العذر.

حسنات


وصلت رسالة رحاب إلى مصطفى وكان ينتظرها ليحدد موقفه منها على مدى ما تحمله أو تشير إليه من تجاوب ، فلو وجدها سلبية بالمرة لسقط عنه الواجب الشرعي تجاهها لعدم احتمال الفائدة ، ولو وجدها تحمل بعض مراتب التجاوب فسوف يستمر واجبه الشرعي تجاهها كانسانة ضالة ، وليس كزوجة ، فهو لم يعد يفكر بها كزوجة وشريكة حياة مع ما هي عليه من وضع منحرف ضال ، ولكنه عندما وجدها قد اقتنعت بما كتب ، وقرأت ما اقترح ، وها هي تسأله من جديد ، وجد أن عليه أن يكتب فكتب إليها ما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليك يا حسنات ورحمة الله وبركاته ...
الحمد لله الذي جعلني أكتب اليك بروح تفاؤلية جديدة ، فقد استبشرت بما كتبتِ ، وقد رحبت بالسؤال الذي وجهتيه إلي ، فهو دليل على رغبتك بالمعرفة ، ولكن جوابي لك في هذه المرة قصير ، بل أنه ليس بجواب ولكنه سؤال ، ولهذا أرجو أن تجيبني عن هذه النقاط :
1ـ بماذا يختلف الانسان عن الحيوان في الادراك ما دام يتساوى معه في أفعال الحواس ؟
2ـ هل تؤمنين بالوجود والعدم ؟
3ـ هل اتفق لك أن قلت عن شيء أنه محال أو مستحيل ؟
هذه أسئلة قصيرة أرجو أن تجيبي عنها مشكورة هذا ولك مني أصدق الأماني.

مصطفى


استلمت رحاب رسالة مصطفى وهي على لهفة الشوق لمعرفة ما تحمل اليها من جواب ، فوقفت أمام أسئلته حائرة وعز عليها أن لا يتاح لها فهم ما يريد من هذه الأسئلة ، ولهذا فقد لاحظت وجود حسنات في غرفتها فذهبت إليها وهي أكثر ارتباكاً من المرة السابقة لأنها كانت كلما ازدادت وعياً بوجود الله ازدادت إحساساً بتأنيب الضمير والجناية بالنسبة لحسنات ، ولكنها لم تجد طريقاً إلى معرفة أجوبة ما يريده من السؤال إلا بالاستعانة بحسنات ؛ ولهذا فقد ذهبت إليها متجاهلة عوامل الارتباك الموجودة لديها ، فرحبت بها حسنات ، وكانت خلال الفترة الاخيرة قد بدأت تنفتح لرحاب وتتقرب نحوها بعد أن رأتها تهتم بمطالعة الكتب الدينية ، فجلست رحاب وهي في هذه المرة لا تعرف إسماً لكتاب معين ، ولهذا فقد كان عليها أن تطلب من حسنات إرشادها إلى الكتاب المطلوب ، ولم تعرف كيف تبدأ فجلست ساكتة ، فابتدرتها حسنات قائلة : أرجو أن تكوني قد أكملت مطالعة الكتابين يا رحاب ؟ فردت رحاب باقتضاب : نعم. قالت حسنات : وهل أعجبك ما قرأت ياأختاه ؟ فردت رحاب وبنفس الاسلوب المقتضب : نعم. وهنا أحست حسنات أن رحاب تعاني ارتباكاً تريد أن تغطيه بالسكوت ، وأحست أن لديها حاجة ، ولا شك أن حاجتها كتاب فليس لديها مما تحتاجه رحاب سوى الكتب ، ودفعتها العاطفة الأخوية والمسؤولية الدينية إلى مداراة مشاعر رحاب وعدم محاسبتها على تقليص الجواب ، ولهذا فقد أردفت تقول بنغمة رقيقة مفعمة بالعواطف : إن جميع كتبي أمامك وأنت مختارة أن تقرأي فيها متى رغبت حتى لو لم أكن موجودة ، والآن ألا تريدين كتاباً يا رحاب ؟ قالت رحاب بصوت متذبذب : نعم أنني أريد ولكنني لا أدري ماذا أريد ! فلم تظهر حسنات أي استغراب ولكنها أجابت بنفس الأسلوب الهادىء الرقيق : كتب تاريخ ؟ كتب علوم ؟ كتب أخلاق ؟ كتب عن الايمان بالله ؟ قولي أي نوع من هذه الكتب تريدين ؟ قالت رحاب : أريد عن الايمان بالله . فحبذت حسنات اختيارها ثم أعطتها كتاب الايمان والعقل ، وكتاب الآخرة والعقل ، من تأليف محمد جواد مغنية ، وأعطتها أيضاً كتاب العلم يدعو إلى الايمان ... فأخذت رحاب الكتب وذهبت إلى غرفتها واستلقت على سريرها تستعيد كلمات حسنات الرقيقة ، وانعطافها نحوها خلال الفترة الأخيرة ، ومساعدتها لها في تنظيم غرفتها وخياطة فستانها ووضع جميع كتبها تحت تصرفها ، ولم يسعها بعد ذلك إلا أن تقول : يا لي من مجرمة ؟ ثم حدثت نفسها قائلة : لماذا لا أترك هذه اللعبة الخطرة ؟ لماذا لا أنسحب عن حياة هذه الفتاة المسكينة ؟ ولكن كلا فلا تسعني العودة قبل أن أبلغ نهاية الشوط ، لأنني أحس بحاجتي لأن أسمع من مصطفى ما يوضح لي هذه الصور الغامضة ، ولو حدث واعترفت بالحقيقة فسوف لن أحمل منه ومن الجميع بعد ذلك سوى المزيد من التحقير والتنكيل ... كلا لم يعد يمكنني التراجع...
وبعد أيام كتبت إلى مصطفى تقول :


يتبع...