وصلت رسالة مصطفى إلى رحاب أسرع مما كانت تنتظر لأنه تعجل جوابها قبل بداية الامتحان ، فاستعارت من حسنات الكتب التي ذكرها فزادها ما قرأت إيماناً واطمئناناً ولكنها كانت لا تزال تحس أن هناك سؤالاً يلح عليها بين حين وحين ، فصممت أن تلقيه عليه كآخر سؤال فقد صممت أن تكشف له بعد ذلك الحقيقة وأن يكون اعترافها قبل نهاية السنة الدراسية وقبل عودته إلى الوطن ، ولهذا فقد بادرت إلى الكتابة فكتبت إليه تقول :


بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزي مصطفى
ألف سلام وألف تحية راجية من الله عز وجل أن يحرسك بعينه التي لا تنام ويجعلك منار هدى وهداية....
لا شك أنك مشغول بالاستعداد للامتحان ولهذا فأنا استميحك العذر إذا الححت عليك بالأسئلة ولكنها قضية حياتية بالنسبة إليّ وأنت الذي بعثت الحياة في وجودي فمن حقي أن أستمد منك مقوماتها... وسؤالي اليوم هو أننا ما دمنا قد سلمنا
وآمنا أن الله تبارك وتعالى هو خالق هذا الكون فمن خلق الله يا ترى ؟

حسنات


أبردت رحاب رسالتها إلى مصطفى وعادت إلى البيت فلم تجد حسنات فسألت عنها أمها فقالت أنها في غرفتها لم تبرحها منذ الظهر فخمنت رحاب أن حسنات غير مرتاحة نفسياً فعزّ عليها ذلك وذهبت تحوم حول غرفتها وهي مترددة بين الدخول وعدمه حتى صممت أن تدخل عليها مهما كلف الأمر فطرقت الباب بهدوء وأحست أنه مغلق من الداخل فنادت بهدوء أيضاً : حسنات ، حسنات . ففتحت حسنات الباب وهي تتصنع الابتسام. ولكن رحاب لاحظت آثار الدموع في عينيها فشعرت بطعنة دامية في فؤادها وهي تعرف أنها هي السبب في ذلك ، وكادت أن تنهار فتعترف لها بالحقيقة ، ولكنها جبنت فأوحت إلى نفسها أن حاجتها لمصطفى لم تنته بعد وأنها سوف تعترف بعد اقتناعها الكامل ، ولهذا فقد دخلت وجلست إلى جوارها ، ثم أخذت بيدها برفق وحنو بالعين وقالت : ما لي أراك حزينة يا حسنات ومن حقك أن تكوني أسعد الناس...
فسكتت حسنات ولم تجب ولكنها ارتاحت لحنو اختها وانعطافها نحوها وقد بدا ذلك عليها أيضاً إذ وضعت رأسها على كتف رحاب وكأنها تريد أن تستند إليه ليحمل عنها ثقل الألم...
فعادت رحاب تقول وهي تبذل طاقة كبيرة في كبح جماح قلقها ، قالت : لا تحسبي أن هناك ما يستحق أن يقلقك يا حسنات فان الخير كل الخير هو الذي ينتظرك يا أختاه...
وهنا تنهدت حسنات ورفعت وجهها نحو أختها لتقول : كيف تقولين هذا يا رحاب ؟ ألا ترين أنني ومنذ سبعة أشهر مرتبطة شرعاً وعرفاً مع رجل لم أسمع منه كلمة ، ولم أعرف عنه خبراً ؟ الشيء الذي جعلني أتأكد أنه لم يكن راغباً بي وأنني فرضت عليه فرضاً ، ولم يبق على عودته إلا أسابيع فماذا سوف يحدث بعد أن يعود يا ترى ؟ أنني لا أريد أن أشكوه ولكنني أتألم وأفكر بمستقبل حياتي مع زوج حملت عليه تحميلاً...
كانت حسنات تتكلم وكل كلمة منها بمثابة شفرات حادة تقطع نياط قلب رحاب ، ولكنها تماسكت ورأت أن عليها أن تعمل شيئاً من أجل هذه الأخت المسكينة فقالت بنغمة حاولت أن تكون مشرقة : كلا ، كلا يا حسنات أنك غلطانة في طبيعة تفكيرك عن الموقف فان هذا الرجل الذي ارتبطت به شرعاً وعرفاً هو من أحسن الناس وأنبلهم وأليقهم بك يا عزيزتي...
قالت حسنات : أنني لا أنكر ذلك ولكن يبدو أنه لم يكن مقتنعاً باختياره لي...
قالت رحاب : أنه مقتنع تمام الاقتناع وليس لعدم اقتناعه أي دخل فيما تجدين كوني واثقة من هذا يا أختاه...
فتطلعت حسنات نحو اختها وسألتها بتعجب : من أين لك هذه الثقة يا رحاب ؟
فاحتارت رحاب بماذا تجيب ولكنها أجابت قائلة بإصرار : أنني أعرف وتأكدي مما اقول...
قالت : ومن أين عرفت ؟
وكادت رحاب أن تنهار فماذا عساها أن تقول ؟ من أين عرفت ؟ نعم من أين ؟ يا لدناءة الطريق الذي عرفت منه ذلك ، ولكنها تماسكت وقالت : يكفيك أن تعلمي بأنني متأكدة مما أقول وسوف أشرح لك ما أعرف بعد أيام قليلة أو أسابيع المهم أن تستعيدي ثقتك بزوجك المنتظر وتعودي إلى اشراقتك الباسمة للحياة ، أرجوك يا حسنات ... قالت هذا ونهضت لتطبع على جبين أختها قبلة أودعتها الكثير من الحب والحنان ، ثم قالت : أتعاهديني أن تعودي طبيعية يا حسنات عودي إلى عهدك بالرضا والسعادة وسوف ترين بأنني صادقة فيما أقول...
فابتسمت حسنات وقالت بوداعة : لقد وثقت بكلامك يا اختي وإن كنت لا أعرف كيف أفسره ولكنني قد بدأت أطمئن من جديد...
فأخذت رحاب بيدها وأنهضتها قائلة : إذن هيا بنا إلى أمنا فهي تنتظر...


يتبع..