ضاعفت حسنات من إظهار عواطفها واهتمامها بأختها وأخذت تتقرب إليها وتتحبب وكلها أمل بعودة أختها إلى الايمان ، ولكنها كانت تلاحظ أن رحاب لا تتمكن أن تكون معها طبيعية أبداً ، وطالما حاولت أن تحنو عليها وتفتح لها قلبها مخمنة أن هذه الردود السلبية هي نتيجة رواسب ماضيها ولكنها كانت تجد أن رحاب تزداد حيرة وقلقاً كلما زادتها هي حباً وحدباً ، أما رحاب فقد أخذت تتفاعل مع مشاعر الندم وتأنيب الضمير ، وقد تغلب جانب الندم لديها على جانب الخوف من افتضاح أمرها ولولا خشيتها أن تخسر مصطفى فتخسر معه تعاليمه التي أصبحت في حاجة ماسة إليها ، لولا هذا لكتبت اليه تعترف أمامه بالحقيقة ، ثم لاعترفت بجريمتها أمام حسنات طالبة منها العفو والغفران ، ولكنها كانت لا تستشعر الضعف عن الانقطاع عما يكتب إليها مصطفى ، والضعف عن مواجهة أختها بالاعتراف ولهذا فقد قررت الاستمرار بمراسلة مصطفى فكتبت إليه قائلة :
عزيزي مصطفى
هل تعلم كم أنا شاكرة لك وخجلة منك ؟ لأنني قد استفدت منك بقدر ما أسئت اليك ! ولولا أنني أضمن أنك رجل نبيل لما كنت أغفر لنفسي أساءتي إليك أبداً .. رائع ما كتبت ومقنع ما وضحت ولكنني ما زلت أريد أن أسأل إن سمحت لي بالجواب ، فنحن ما دمنا قد صدقنا بوجود ما لا شك في وجوده دون أن ندركه بالحواس الخمس وإنما نتوصل إليه عن طريق الحقائق المستنبطة من الأدلة والبراهين ؟ فما هي طريقة الاستدلال على وجود الخالق ؟ هذا وأنني لن أنسى فضلك عليّ ما حييت.
حسنات
إلى هنا أنهت رحاب رسالتها ولكن خطرت لها فكرة ، أن مصطفى كان قد طلب من حسنات صورة في رسالته الأولى ولم يعد إلى طلبه ثانية بعد أن زهد بها نتيجة استلامه للرسائل المزورة التي وصلت منها إليه ، ولكن أليس أن عليها أن تعمل شيئاً من أجل أختها المسكينة البريئة ؟ أنها تتمكن أن لا ترسل الصورة ولكنها في ذلك سوف تسيء إساءة جديدة إلى حسنات ، أنه سوف يشك بجمالها كما جعلته يشك بدينها ، فهي إذن جريمة جديدة وحسنات جميلة وجميلة جداً ، أنها جميلة كملاك فماذا عساها أن تصنع دون أن تجعله يشك بجمالها ؟ لو كانت قد أرسلت إليه صورة في البداية لأرسلت صورتها هي بدلاً عن حسنات تمشياً مع موقفها العدائي ذاك ولكنها الآن تختلف عما كانت عليه ، صحيح أنها جميلة أيضاً ولكنها لا تريد أن تتردى بخيانة جديدة ، كلا ان هذا ما لا يكون من جديد ، ولهذا فان عليها أن تحصل على صورة حسنات وترسلها له ، وهي ليس لديها صورة واضحة لها ولهذا فان عليها أن تطلب منها صورة...
وعند الظهر حيث كانت حسنات في غرفتها ذهبت إليها رحاب وحاولت أن تبدو طبيعية وتمكنت من ذلك بعض الشيء فرحبت بها حسنات وأظهرت لها فرحتها بها فقالت رحاب : أن لي إليك حاجة يا حسنات !
فاستبشرت حسنات أن تطلب رحاب منها حاجة وقالت بلهفة واندفاع : أن أي حاجة لك مقضية يا أختاه قولي ماذا تريدين ؟
قالت رحاب وقد اصطبغ وجهها بحمرة الخجل : أريد صورة منك يا حسنات ، صورة من أجمل صورك يا عزيزتي.
فاستغربت حسنات هذا الطلب ولكنها لم تشأ أن تخدش مشاعر أختها فقالت سوف أعطيك البوم الصور واختاري منها ما تشائين ، قالت هذا ثم تناولت البوم الصور من فوق المكتبة وقدمته إلى رحاب ، فتناولته رحاب بيد ترتجف وأخذت تصفحه وهي لا تكاد تعي ما فيه لشديد اضطرابها ، ثم اختارت صورة كانت أوضح الصور وأبرزها ثم أعادت الألبوم إلى حسنات مع الشكر وذهبت إلى غرفتها وكأنها تهرب من خطر عظيم ، ووضعت الصورة داخل الرسالة ولم تكتب خلفها إهداءاً لكي لا تلوث صفاء الصورة بكلماتها الدخيلة ، ثم أبردت الرسالة عصر ذلك اليوم.
يتبع..
المفضلات