بسم الله الرحمن الرحيم
عزيتي حسنات
ألف سلام والف تحية
سرني جوابك لما فيه من انسجام ( نسبي ) مع ما كتبت ، أرجو أن تكون هذه بداية الانسجام الفكري الكامل ، ولكنني عجبت لأمرك وأنت تتصورين أن الايمان بالله نتيجة الضعف لدى الانسان ، ولو صح ما تقولين لكان من المفروض أن نجد الانبياء والدعاة إلى الله هم أضعف البشر في كل دور من الأدوار ، مع أننا نجد أن الانبياء الذين دعوا إلى الله ، وإلى الايمان بالله ، كانوا من القوة بمكان ، فهذا نبي الله نوح مثلاً ، استمر يدعو قومه للايمان بالله تسعمائة وخمسين سنة دون أن يتعب أو يمل ، ثم كيف أنه بنى السفينة بنفسه ، وتحمل خلال البناء شتى أساليب التقريح ، والتفنيد ، والتهديد ، والوعيد ، دون أن يتردد أو يتراجع ، ثم وبعد ذلك حينما طغى الماء على أمر قد قدر ركب السفينة هو وأهل بيته آمناً مطمئناً لم يرهبه الموج الطامي ، ولم يزعزع عواطفه الابن العاصي ، أوليس في هذا دليل على قوة الارادة وثبات الشخصية يا حسنات ؟ ثم هذا نبي الله إبراهيم ، وموقفه الصامد أمام الاعداء ، ورفضه كل مهادنة ومساومة حتى هددوه بالحرق وهو واقف حيث وضع الله أقدامه لا يريم ، ثم يأتي به يشهد النار التي توقد لاحراقه ، وهم يراجعونه بين حين وحين عساه يضعف أو ينهار دون أن تهن له قوة أو ينهار له بناء ، ثم يرمى به من عل إلى النار دون أن تسمع منه كلمة تظلم أو ترحم فتكون النار عليه برداً وسلماً ، فهل هناك دليل على القوة والصلابة أكثر من هذا ؟ أو هل هناك من يتمكن أن ينسب إلى هذا الانسان الضعيف والخمول يا ترى ؟ ونبي الله موسى عليه السلام ، يدخل على فرعون وهو الطاغية الجبار ، وليس معه سوى أخيه ، وكلمة الحق ، فيدعوه إلى الايمان بالله غير عابىء بكل ما تنتظره من أهوال وأهوال ، أو ليس في هذا دليل على القوة والصرامة ؟ ونبي الله عيسى ، وصموده في الدعوة إلى الله ، ونبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) وما لاقاه في سبيل الدعوة إلى الايمان بالله دون أن يتطرق إليه الضعف أو الوهن ، حتى أنه حينما أجمعت قريش على محاربته وطلبت منه أن يترك الدعوة للايمان بالله قال = والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته = وتاريخ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) يشرح من بطولاته كل شيء وإذا شئت ، أو أنني أطلب منك أن تقرأي سيرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فلعلك تجهلين عنه الشيء الكثير لكي تتمكني أن تعرفي بعد ذلك كيف أن الأنبياء كانوا من أقوى الناس جأشاً ، وأكثرهم صلابة ، وأشجعهم روحاً ، ثم ليتك تقرأين كتاب قصة الايمان فإن فيه متعة وفائدة ... هذا واعلمي أنني على استعداد للجواب عن اي سؤال.
مصطفى
بينما كانت رحاب تعيش أيام انتظار للجواب ، واعداد للرسالة ، وتأنيب ضمير خفي ، تستنكره وتنكر على نفسها الانقياد اليه ، كانت حسنات تطوي ضلوعها على ألم دفين تستنكره وتنكر على نفسها الانقياد إليه أيضاً ، وطالما حدثتها نفسها بالخيبة ، وطالما أوحت إليها تصوراتها أقسى الايحاءات ، فبماذا كانت تتمكن أن تؤول هذا الموقف المنكمش من خطيبها وزوجها الموعود ، ألم يكن من أدنى مستلزمات اللياقة أن يرسل اليها رسالة ولو صغيرة ؟ ألم يكن من التهذيب في شيء أن يرسل اليها صورته بعد أن علم أنها لا تملك له صورة ؟ وكانت هذه التصورات تلح عليها عنيفة بها تارة ورفيقة أخرى وهي بين كل ذلك لا تريد أن تصدق ما تلمسه من واقع فتحاول أن تنتحل لموقفه هذا شتى الاعذار ، وتبرره بمختلف التبريرات ، لعله مشغول ، أو لعله يخجل من الكتابة ، أو لعله يكتب فلا تصل رسائله ، وكان هذا العذر الأخير هو أحب الأعذار إليها فان مما يسعدها أن تتصوره يكتب إليها كما يكتب غيره ، ويهتم بأمرها ويفكر بها كما تهتم بأمره ، وتفكر فيه ، وهي في كل ذلك تنتظر عودة أخته من السفر بعد انتهاء السنة الدراسية لعلها تعرف منها شيئا عن أخيها ، وكانت تحاول أن تصرف نفسها عن التفكير بكثرة المطالعة والكتابة ، وفي مرة ، وكانت تجلس في غرفتها تقرأ ، دخلت عليها رحاب ، فاستغربت قدومها ولم تعودها ذلك من قبل ، ولهذا فقد رحبت بها واستقبلتها بحفاوة ، فجلست رحاب على طرف السرير ، وكان الارتباك يظهر عليها بوضوح ، وكأنها لا تعرف ماذا يجب أن تفعل ، فابتدرتها حسنات قائلة : أراك لم تذهبي إلى وظيفتك اليوم يا رحاب أرجو أن لا تكوني مريضة ؟ فهزت رحاب رأسها في حيرة ثم قالت : الواقع أنني كنت أشعر بصداع شديد ولهذا فقد اتصلت بصديقتي هناك وطلبت منها تقديم إجازة بدلاً عني ، ولكنني الآن أشعر بالسأم فهل عندك كتاب أقرأ فيه ؟.
فاستغربت حسنات من أختها هذا الطلب ، وأختها تعلم أنها لا تملك الكتب التي تعجبها هي ولكنها لم تشأ أن تصدمها في الجواب فقالت : أمامك كتبي فتشي بينها عما يعجبك يا رحاب...
فنهضت رحاب وأخذت تفتش بين الكتب وحسنات تتطلع اليها لتعرف أي كتاب سوف تختاره ، وفوجئت عندما وجدتها تخار كتاب قصة الايمان ، وكتاب موكب النور في سيرة الرسول ، وكأن رحاب لم تعرف كيف تتصرف أمام أختها وبماذا تفسر لها رغبتها في مطالعة هذه الكتب ، ولهذا فقد أسرعت بالذهاب إلى غرفتها قبل أن تسأل وتجيب ، أما حسنات فقد شعرت بالفرحة ، فما أحلى أن تعود رحاب أختها إلى حضيرة الايمان لقد أسعدها أن تجد أختها الضائعة السادرة في التيه وقد بدأت تفتش عن معالم الطريق ، أسعدها ذلك وأشغلها عن مشاعر الألم لديها إلى فترة . فقد أخذت تتصور رحاب وقد آمنت والتزمت بتعاليم الاسلام ثم يتقدم إليها خاطب مؤمن صالح مثل مصطفى ... وهنا وقف بها التفكير عند هذا ... مصطفى وكيف هو مصطفى يا ترى ؟ وعادت افكارها القاتمة تلح عليها من جديد فعادت إلى الكتاب الذي بين يديها تستجمع أفكارها بين سطوره من جديد أيضاً اندمجت رحاب مع مطالعة الكتابين ، ولكنها لم تغفل عن الكتابة إلى مصطفى فقد أصبحت تشعر بالحاجة إلى المزيد فكتبت إليه تقول :
يتبع..






رد مع اقتباس
المفضلات