ويبدو أن حسنات لم تشأ أن تفتح مع أختها حديث الجدل فردت قائلة باقتضاب : أن الله أعرف بالصالح يا اختاه ...
وهنا ضحكت رحاب بتهكم ثم قالت : أنني أعرف كيف ابني مستقبلي بيدي يا حسنات فأنا لست مثلك ارتبط مع رجل لا أعرف عنه كل شيء...
وهنا رأت حسنات أن عليها أن تجيب دفاعاً عن الفكرة التي تؤمن بها فقالت : كيف تقولين أنني لا أعرف عنه شيئاً وأنا أعرف عنه كل شيء ويكفي أن يكون انساناً متديناً
قالت رحاب : وهل أن الدين هو كل شيء يا حسنات أنك ما زلتِ صغيرة وأخشى أن تتعرفي على الواقع بعد فوات الأوان...
قالت حسنات : أي واقع تقصدين يا رحاب ؟
قالت : مثلاً أن العروس في مثل هذه الأيام ينبغي لها أن لا تفترق عن خطيبها ساعة لكي تتمكن أن تحول بينه وبين الاتصال بغيرها ، وليس مثلك أنت حيث تجلسين هنا بين جدران أربع ورجلك الذي وهبت له وجودك ينقلب بين أحضان الغانيات...
قالت حسنات : يؤسفني أن أقول بأنك غلطانة يا أختاه فأنا ما كنت أهب وجودي لرجل يتقلب بين أحضان
الغانيات ، إن مصطفى رجل مؤمن مستقيم لا يقلب حتى عينيه في وجوه الغانيات ، وهذا هو ما دفعني إلى قبوله بكل سعادة ورضاء ، فما دمت أعلم أن لديه رادع من نفسه ودينه أكون واثقة منه في قربه وبعده لأن هذه هي الحصانة الوحيدة التي تلازمه في مكة كان أو في باريس.
وحاولت رحاب أن تجيب ولكن الأم أرادت أن تقطع عليهما طريق الجدل والنقاش فتدخلت بينهما قائلة : كفى كفى فان لديكما الكثير من الأعمال ، ولدينا ضيوف ظهر اليوم.
مرت الأيام ناعمة وسعيدة بالنسبة لحسنات لولا مضايقات رحاب ، وبطيئة وثقيلة بالنسبة لرحاب ، فقد كان مما يغيظها جداً أن تجد حسنات سعيدة وأن تسمع التهاني والتبريكات تنهال عليها دونها ، وبعد أسبوع حيث كانت رحاب عائدة من وظيفتها إلى البيت وجدت ساعي البريد يحاول أن يطرق بابهم وعندما وجدها داخلة سلمها رسالة باسم اختها حسنات ، وكانت الرسالة تحمل طابع المملكة المتحدة الشيء الذي جعلها تعرف أنها من مصطفى فاستلمت الرسالة بيد ترتجف وبشكل لا اختياري اخفتها في حقيبتها ودخلت دون أن تشير إليها ، ثم تعجلت في الذهاب إلى غرفتها بعد الغذاء ، وهناك وبدافع شرير من الغيرة
والحسد فتحت الرسالة ، فطالعها خط جميل منمق يحكي عن شخصية الكاتب ، ثم بدأت تقرأ الرسالة فكانت :
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزتي حسنات ، يا من اصطفتيك لنفسي على بعد الطريق والمسافات ، ها أنا أكتب اليك لأول مرة وإن كنت قد عشت معك الأيام الماضية بجميع أدوارها ، عشت الأمل فيك ، وعشت الانتظار لك ، وعشت الشوق واللهفة بعد أن طالت فترة تطلعي نحوك يا حسنات ، والآن وقد حقق الله أملي ، حيث وجدت فيك تلك الأمنية الغالية ، وذلك الكنز الثمين ، وجدتني أكتب اليك عسى أن تعوض الكتابة عن بعض مراتب الحرمان من اللقاء ، ثم لكي أحدثك عن نفسي ، التي أصبحت نفسك منذ الآن ، فأنا انسان أحببتك بعمق قبل أن اراك ، لأني عرفت بأنك تحبين ما أحب ، وتؤمنين بما أؤمن ، وأنا انسان أخلصت لك بصدق ، منذ اللحظة التي تمّ فيها ارتباطنا المقدس ، لأن هذا الارتباط لم يكن ليتم لولا إخلاصك لدينك ، واقتناعك بي من أجل ذلك ، وأنا انسان أجد في الحياة الزوجية شركة روحية وفكرية متجردة عن المادية وزيفها ولهذا اخترتك أنت دون سواك ، لكي نبني معاً حياة زوجية مثالية ، مفروشة بزهور الايمان ، منارة بأشعة القرآن ، مدعومة بتعاليم الاسلام ، كلها حب ، وكلها وداد ، وكلها اخلاص ووفاء ، فأنا لله أولاً ولك ثانياً بكل وجودي ما دمتِ أنت لله أولاً ولي ثانياً بكل وجودك يا حسنات ، فليبارك الله وحدتنا الروحية ، وليرع حبنا بعين رعايته ، وليسدد خطواتنا للسير على دربه.
وأخيراً ، فقد كان بودي لو أطيل معك أكثر فأكثر ، لأن حديثي معك طويل وطويل ، ولكنني انتظر منك الجواب لأعرف منه ذوقك بقصر الرسالة وطولها ، فتقبلي تحياتي وحبي واسلمي لايمانك ولي إلى الأبد
مصطفى
يتبع..
المفضلات