بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين ,واصحابه المنتجبين
ظلم الإنسان لربه
في الظلم يختلّ واقع البشرية في علاقتها بنفسها وعلاقتها بالله وعلاقتها ببعضها البعض وعلاقتها بالحياة كلها، بينما في العدل يتحقَّق التوازن ويحصل الازدهار والنمو والتطور. ومن العناوين الأولى لمسألة الظلم، هو ظلم الإنسان لربّه وظلمه لنفسه، أما ظلم الإنسان لربّه، فهو أن لا يعطي لربِّه حقه، لأن لله على عباده حقوقاً؛ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وأن يوحّدوه ولا يجعلوا له شريكاً، وأن يطيعوه ولا يعصوه، وأن لا يطيعوا غيره بمعصيته. هذه الأمور الثلاثة هي التي تمثّل عدل الإنسان مع ربّه، لأن العدل، كما ذكرنا، هو أن تعطي الذي تعدل معه حقّه، والظلم هو أن لا تعطيه هذا الحق، والظلم مع الله هو أن تشرك به في العقيدة، بأن تجعل له شريكاً في العبادة والطاعة.
وقد أطلق القرآن الكريم كلمة الظلم على الشرك، وذلك كما جاء في وصية لقمان لولده: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلمٌ عظيم} [لقمان:13]، وقد يقول قائل إن الظلم عادةً يكون من القوي على الضعيف، فكيف ينطلق الظلم من الضعيف إلى القوي، وكيف يقال إن الإنسان يظلم ربه؟ والجواب عن هذه المسألة يمكن أن يحدَّد بكلمة للإمام علي(ع) في نهج البلاغة في صفة الظالم، يقول(ع): "للظالم من الرجال ـ أي من الناس ـ ثلاث علامات؛ يظلم من فوقه بالمعصية، ومن دونه بالغلبة، ويظاهر القوم الظلمة"، أي يؤيّدهم ويدعمهم. إذاً ظلم الإنسان لربه لا يعني أن يقهره، لأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً إلا بالله، ولله القوة جميعاً، وللإنسان الضعف جميعاً، لأنه خلق ضعيفاً: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد* إن يشأ يذهبكم ويأتِ بخلق جديد* وما ذلك على الله بعزيز} [فاطر:15-17]. فالظلم لله ليس ظلم القوّة وظلم الغلبة وظلم القهر، بل هو ظلم المعصية، بأن لا يعطي ربه حقه الذي عنده، يعني أن يعصيه في وحدانيته في كل عناوين الوحدانية.
وهذا الظلم أيضاً يصدق على الإنسان عندما يظلم أباه، وقد يكون الأب أقوى منه، فيظلمه بأن يتمرَّد على أبوّته، وكذلك قد يظلم الدولة التي هي أقوى منه، بأن يتمرد على قوانينها
المفضلات