الرسالة العشرون :
الحاجة مريم ... " إمرأة بقلب 100 رجل "
مما سمعت وقرأت من معركة الحياة ....هذه القصة واقعية ، وقد رواها لي الابن الخامس لبطلة القصة ، وهي من إحدى عوائل الإحساء الكبيرة
القصة :
توفي زوج الحاجة مريم الإحسائية القاطنة بدولة البحرين عام 1972 م رحمه الله ، مخلفاً عدداً من اليتامى ، هم خمسة أولاد وأربع بنات ، تاركا لهم بيتاً قديماً ، قليل الغرف ، متوسط الحال، حيث تزوجها على زوجته الأولى أم العيال التي تقطن أيضا في بيت مستقل بها .
من هنا بدأت معاناة الحاجة مريم ، حيث ترملت واستلمت زمام الأمور وأبنها الكبير يبلغ من العمر فقط 13 سنة ، وترتيب اليتامى بالتسلسل .
المشكلة هي إن الحاجة مريم مقطوعة من شجرة ....فليس لها سوى أخ واحد ، وأبويها توفيا رحمهما الله ، وأخوها الوحيد وقع في مشكلة بلا إرادة منه فضرب من قبل مجموعة من الظالمين فأصبح معاقاً مريضاَ .
نظرت الحاجة مريم من حولها فلمتجد من يمد لها يد العون من أهل زوجها الأحسائيين سوى العزاء وقراءة الفاتحة على زوجها المرحوم ، وبدأت تفكر في المشكلة الإقتصادية الصعبة التي ستواجهها مستقبلاً ، فكان أول حل تأجير القسم العلوي من المنزل ، والعيش فيالدور الأرضي هي وأولادها التسعة حتى لو ضاق بهم المكان !
أجرت الدور العلوي من بيتها العربي بمبلغ مناسب ، فجمعت المبلغ مع مبلغاً كانت أدخرته منقبل معها وذهبت مع أبنها الأكبر للسوق واشترت بعض الملابس
الجاهزة والمستلزمات المنزلية البسيطة و مجموعة مع الحلويات والبسكويت وعملت لها بسطة كما تسمى أوبياعة داخل بيتها ، فأنتشر الخبر في الحارة بأن الحاجة مريم لديها بسطة ، فتم الإقبال عليها من قبل أطفال الحارة والنساء ، ثم
تطور الأمر إلى بيع بعض المشروبات الباردة المشهورة في زمانهم " كندراي ، سبورت ، أرسي" وغيرها ، فأصبحت تجمع النقود وتصرفها على أولادها بطريقة اقتصادية ومنظمة .
كان جدولهم اليومي ، أن تستيقظ صباحا ، فتطبخ الفطور وتعمل الساندويتشات المدرسية وتعطي أبنائها المصروف اليومي ، وبعد مغادرتهم المنزل تغسل ملابسهم وتجهز لهم الغداء وتكنس البيت وفي نفسالوقت تبيع من بسطتها المنزلية بعد الظهيرة حيث يأتي الأطفال والنساء لشراء مايحتاجونه ، وفي آخر الليل تنام معهم في غرفة واحدة وتغطيهم بالبطانيات شتاءَ حتى تطمأن إنهم ناموا.
بخصوص التربية الدينية ، فقد شجعت أولادها على أهم تربية أخلاقية ، وهي الصلاة وعلى ارتياد المساجد والحسينيات في المناسبات الدينية والتخلق بأخلاق أهل البيت ، وإسماعهم المحاضرات السمعية يومياً وعمل القراءةالنسائية بعض الأحيان.أما من الناحية التربوية ، فقد شجعت أولادها وبناتها عل الدراسة وعلى التحصيل العلمي الجيد ومتابعتهم أولاً بأول ، تذاكر معهم ليل نهار وتشجعهم على المثابرة وقالت لهم : أريد أن أراكم متعلمين وماسكين مناصب جيدة ووظائف ترفع الرأس
لقد أستمر الحال على ماهو عليه من الرعاية والدراية إلي عام 1982 /1402 هـ كبرت العيال ونمت العقـول وازدهـرت الأفكار حتى قررت العائلة الكريمة العودة إلى السعودية، فتخرج الأكبر من جامعة البترول وبعث إلي أمريكا حتىأصبح دكتوراً في جامعة البترول يرفع الرأس ثم ترقى وأصبح رئيساً في الجامعة ، يرفع رأس أمه خفاقا والثاني مدرساً والثالث مدرسا وآخر موظفا في شركة الكهرباء وتزوجن البنات وبنو الأرض التي أشتروها في حي وسط المنطقة وتزوج الأولاد والبنات وأصبحوا مرموقين في المنطقة .
كثر الأبناء وأصبحت عائلة كبيرة لها عروق منتشرة في المنطقة الشرقية ، والأم موجودة الآن يحف على رأسها تاج النجاح الأبدي وتتربع على قمة الأمومة.
لقد كنت سيدتي .. أماً عظيمة .. أماً رحيمة ..أماً كالمدرسة التي قال عنها الشاعر .......
والله بكسر الهاء لقد دمعت عيناي لك فرحة عندما تخيلت الضمة الكبيرة بينك وبين
أبنك الأكبر ، عندما وقع بين أحضانك ، أحضان المدرسة العظيمة بعد تخرجه من الجامعة .
سيدتي أبنك لم يرفع رأسك بل أنت من رفع رأس أبنائك وكذلك رؤوسنا نحن أبناء المجتمع ، يامن نجتمع معك في هذا الدين العظيم الذي تتربع عليه المدرسة الأولى فاطمة الزهراء عليها السلام .
كل هذا قام على أكتاف سيدة عظيمة.
سيدة كتبت درب أبنائها بحبرعرق جبينها.
كانت لهم الأب الحنون والأم العطوف .
كل هذا نتاج كفاح مرير مع معركة الأيام الصعبة .
مرغت رأسك في تراب الكفاح من أجل حصول أبنائك على كراسة علم .
أوجعت كاهلك لشراء ثوباً لهم يقيهم البرد .
والله سيدتي إنهم لم يفقدوا أباهم ، ولم يكونوا يتامى ، بل اليتامى ، كل أم لا تملك نفساً منأنفاسك ، وحساً من أحاسيسك .
اليتامى نحن الذين جهلناك ولم نعرف قدركالعظيم إلا متأخرين .
أرجوك سيدتي أن تقبليني ابناً بالتبني لديك لكي أتنفس الأمل الذي زرعته في قلوب أبنائك ، ولكي أتذوق النجاح الذي أساسه نور عينيك سيدتي..والسلام ....المؤلف
المفضلات