الرسالة الثانية عشر :
صيد العلم من المجهول ...
إن ماسيرد أدناه من قصص ومعلومات ، هو ماظهر في دلو المؤلف بعد رميه في جب التاريخ والكتب والعقـول ، وليس بالضروري تصديقه أو نقله .
تَخرُج العجوز الشمطاء في منتصف الليل ، مخفية كيس داخل عباءتها الملحاء، تترقب الشارع الضيق الذي يضيئه فقط مصباح مكسور معلق في البيت المجاور ،حيث الظلام يكسو المكان ، وهدوء يتبعه صوت أجراس الجنادب الليلية من خلال سعفات النخيل الموجودة في بعض البيوت ، تصل السيدة إلى بوابة بيت أحد الجيران ، فتلطش هبشة من التراب المتناثر أمام عتبة الباب ، فتضعه فيكيسها ، وتعود خلسة إلى منزلها .
اليوم التالي مساءً بالتحديد، تأخذ السيدة علبة صفيح كبيرة نوعاً ما ، بداخلها أثر بودرة حليب متعـفن ، فتضع التراب في الصفيحة ،وتضعه على النار حتى يسخن و يحمص ، ثم تنادي بأعلى صوتها على أحداهن ، فتأتي أبنتها الشابة والحيرة تملأ وجهها الشاحب ، والحديثة العهد بالزواج ، وبين يديها طفل رضيع يتباكى ، متدلياً من عنقه ، خيط مربوط بحَجَر أزرق فيروزي ،على هيئة عين جارحة .
تأمرالأم بوضع ( الطفل ) في مستوى مرتفع من الأرض ، فتأخذ الأم الصفيحة فتضعها أسفل الطفل وتسكب ماء الوَرَد داخل الصفيحة ، فيتصاعد الدخان بين جنبات الطفل ورائحة حراق التراب يملأ الغرفة ، والأم الجدة تتمتم بكلمات وتعويذات ، وتقرأ بعض آيات القرآن الكريم ، فتمسح ببعض الماء على وجهه وفوق رأسه وباقي بدنه .
تخرج السيدة بعد منتصف الليل وفي يديها علبة الصفيح ، وبه بعض الماء والرمل الأسود المحترق كحرقة قلبها على حفيدها ، فتذهببه إلى بيت الجيران ( صاحب الأثر ) وتسكب الماء والرمل أمام بيتهم على شكل تقاطع أوصليب.
بإذن واحد أحد ، يعتقد أهل الطفل إن العين قد هاجرت بيتهم دون رجعة ، وإن الطفل برأ من العين والحسد الملتهب الذي صب ناراً مشتعلة فوق رأسه وأدى إلىبكاء غير منقطع ، وذلك بعد خروج سيدة زائرة بعد قولها : ( إن أبنكم يشرب من صدر أمه جيداً !! ) ، .... حيث أعجز وأرهق كاهل قارئ القرآن والحكماء فلم يستطيعوا أن يسكتوه.
*هل ما قرأناه منطقي ويقبله العقل ،..... وهل شفي الطفل من علته ( البكاء ) ؟
* ماهي حقيقة كسرالبيضة في بعض مواقع البيت ، وماهي حقيقة كتابة اسم الشخص وأسم أمه دون أباه ؟
* ما علاقة الطيور السوداء والكلاب السوداء وكذلك القطط السوداء بالجن ؟ وماهي دعوة الرز الأحمر؟
* لماذا ُيرمى الخبز من السفينة التائهة في البحر ، وعظم الإبل من القافلة الضائعة في البر،...... فترجع السفينة والقافلة إلى بر الأمان ؟
* لماذا تتـقهقر الأرواح الشريرة وشياطين الجن من آيات القرآن الكريم والحديد؟
*ماهي ظاهرة اللون الأزرق ، وضرس الحمار ، والحرمل ، ورائحة الشبة الحلوة ، والسنا ،والملح ، ووضع المداس المقلوب ،وحدوة الحصان في مدخل البيوت ؟
كتاب شمس المعارف للغزالي !
سابقاً أخبرني أحدهم أن هناك كتاب باسم شمس المعارف للغزالي الأول ، وقال إن الكتاب ممنوع في كل الدول العربية منذ عدة عقود ، وقد طبع في الهند والعراق وترجم إلى عدة لغات حتىاليهودية ، وتقول الرواية أن الكتاب يحمل في جعبته معاني كثيرة من التفصيلات السالف ذكرها ، من الروحانيات وعلوم عالم ما تحت الأرض ، وبدقة متناهية ، .....وقال أيضا إن الكتاب يحتوي على عدة أبواب ، منها الفلكيات ، والمرئيات ، وتراتيل قرآنية ، وعلم الحروف والحساب والطالع العلوي والسفلي .
في الحقيقة لم أحصل على الكتاب ،لكني سألت بعض قارئيه ، ودفعت لهم المال كي أحصل على بعض المعلومات ، وكان هذا في الشارع على مرآى من الناس ، في حيدر آباد ومصر ، فمرت عدة ساعات ، كلفتني أضعاف مايجنيه من زبائنه في ذلك اليوم .
الفكرة القديمة كانت تأليف كتاب عن هذا الموضوع ، لكن بسبب عدة عوائق ، تغيرت الخطة ، وكان لمن يكن في الحسبان ، فقد وجهني أحدهم إلى السفر إلى منصور بن ربيع من قرية ( حورة ) في عمان فعرضت الموضوع على عدة أصدقاء مهتمين بالموضوع كي يرافقوني ، فتم الرفض في الحال ، والسبب الثاني حصل بمصر ، وذلك عندما أوقفتني سيدة كانت تسير خلفي ، ... حينها لم أصدق نفسي ، لقد سمعت من ينادي بأسمي وأسم أمي ( يا فلان أبن فلانة ) !! أي نعم نادتني في الشارع باسمي ، وكانت تسير خلفي حاملة قفص مليء بالحمام ، فتوقفت وجلست متربعاً الأرض أمامها وذلك حسب طلبها ،.......كان زميلي يقف خلفي ويغطي وجهه العرق وعلامات الغضب مني ، فقد كنا نبحث عن صراف للعملة ، قالت لي ( أٍسم زوجتك فلانة ) وأمرتني برمي الطالع فوق منديلها الأزرق المتسخ ، وقالت أنت تريد مني حاجة باللهجةالمصرية ؟ ، فقلت نعم ، فرميت ببعض النقود ، فتكلمت لمدة ساعة تقريباً ، حتى توقفت فجأة وقالت ، أمسح جبينك بالمنديل وهي تصرخ !! وقالت إنها تريد وصلاً لفك عقدة مربوطة عندي ، هنا قلت لها : قف ِ عندك لا أريد الإكمال .
منذ ذلك الوقت ومسيرة الكتاب توقفت ، وأناملي تعطلت ،بسبب نفوذ المعـلومات وإنقطاع المدلولات التي تثري العقل وتعبئ الكتاب .
من خلال قراءتي و تجاربي ورحلاتي ومعظم النقاشات التي تمت مع كبار السن من أهالي المنطقة وخاصة المميزين والمجربين ، ظَهرتُ ببعض النتائج الغريبة والمعلومات المشبوهة والسخيفة ، والتي سوف تذهب بصاحبها إلى متاهات وتسلسلات متفرعة ، ولأن الموضوع شائك والطريق غير معبد وسوف يؤدي بطالبه إلى ما يحمد عقباه .
تحليلات وتفسيرات:
تناقلت وتوارثت مجتمعات العالم القديم عادات وتقالي دروحانية مجهولة المصادر، ولها صلة بالسحر والشعوذة ، وهذا له أسباب كثيرة ، منها ندرة الحكماء والأطباء ، وتفشي الجهل بين العامة ،والحسد والغيرة والوسواس ، التي تملأ قلوب كثير من الناس ، وخاصة النساء ، في قضايا كثيرة متعلقة بالحب والزواج والطلاق ، حتى نورت الأديان السماوية الدنيا ، فأندثر الكثيرمن تلك العادات ، وظل البعض منها يطفو على سطح بعض المجتمعات و الأحياء الفقيرة الرجعية ،ومعظمها تعتقد وتعمل بها بقصد سوء النية والقليل من هؤلاء الناس يقصد الخير، قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم :( مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)) سورةالناس
الحسد والغيرة نزعتا شر منبوذتان لدى كافة البشر ، ومنتشرتان بين الشعوب، وخاصة العرب ، ولقد ركز عليها القرآن الكريم في عدة مواقع ، قال تعالى : ( وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5) سورة الفلق ، وقال سبحانه : ( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواكَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّاقَلِيلًا (15) سورة الفتح ، والعرافين والسحرة والنفاثين قال تعالى : وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (4) سورة الفلق .
نراهم منتشرين في كل مجتمعات الشرق والغرب ، مروراً بمكة نفسها قبلة المسلمين ، فهي ُمحاطة بعرافين وقرائي البخت والطالع ، ومعظمهم أستغلها كنوع من الرزق وقنوات الكسب الحديث ،فأخذوا يكذبون ويحللون القصص والروايات من خلال تنبؤات لبعض الجهلة وضعاف النفوس ، الذين أسرتهم مشاكلهم الإجتماعية أو الأسرية الخاصة وجعلت منهم صيد سهل وثمينلولائك المحتالين ، أو من أجل نوايا خبيثة تتعلق باستغلال النساء من أجل الزنا أوقطع علاقة زوجين سعيدين .
البعض يقول إنها حلال ويقرها الشارع المقدس لأنهم يستخدمون الجانب الإيجابي في القضية فيقومون بالندّية ومحاربةالأربطة والعقود الخبيثة والطبوب المشينة بسلاح القرآن الكريم وكلام الصالحين والتعويذات والتمائم والأحرار لبعض المرضى من الناس الذين وقعوا أسرى أو ربما عبيدلعمل ( مروض شياطين) أو ( مربي جن) في حظائر خبيثة تبعد مئات أو ربما الآف الأميال عن فرائسهم المساكين .
عالم الجن:
إن حقيقة الجن قضية ُمسلم بها ، وواقع نعيشه منذ خلق الله آدم عليه السلام ، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) سورة الذاريات ، ونحن نعيش معهم في هذا العالم الكبير دون علم كثير منا ، فمنهم الصالح ومنهم الخبيث ، ومنهم من يشترك مع الأنس ، كما كان أحد الوزراء في مملكة أنبياء الله داوود وأبنه سليمان عليهما السلام من الجن ، قالتعلى : قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) سورة النمل .
المفضلات