الرسالة السادسة :
الجفوة والفجوة بين الزوجين
أول ما تسقط عيني القارئ على عنوان رسالتنا ، سوف يلاحظ الشقـلبة لأحرف كلماتنا (الجـفـوة و الفجوة ) ، اللتان تبدوان غليظتان على العين و ثقيلتان على اللسان ، واللتان تـتـنافـسان في تدمير الحياة الزوجية ، فكل واحدة أخطر من الأخرى ، وكلاهما ينبت كالكمأة ( الفقع أو الفطر ) في أرض أي مشروع زواج بكر يتم بين أثنين ، بغض النظر عن ديانتهم أو أفكارهم أو انتماءاتهم المذهبية ، بحيث إن كمية وجود هذين الفطرين في أسس أي زواج ، تحدد مدىنجاح و إستمرار بقاء هذه الزيجة ، ومدى عناية الزوجين بهاذين الفطرين السامين( الجفـوة و الفجوة ) بدون قصد ، سوف يثمر عن تكاثره كوباء داخل قفص الزوجية ،وحينئذ سوف يصبح قفص الحب تحت مستعمرة ( الجفوة و الفجوة).
كل عروسين يقبلان على مشروع الزواج ، سوف يعدان برنامجاً حافلاً قبل دخول معترك الحياة الزوجية الجديدة ، وكلاً منهما سوف يتسلح بالكلمات المعسولة والحركات الوردية التي سيشارك بها مع الطرف الآخر .... وسيّعد كلاً منهما الآخر بتقديم كل ما لديه من إمكانيات وتضحيات لإنجاح هذا الإستمرار الفطري .
أول ما يخطوان خطوتهماالأولى نحو القفص ، ستبدأ المواجهة الجميلة ، واللباقة اللطيفة ، وإثبات الميلللآخر.. سيرفرف جناحي كل منهما نحو الآخر بحنية ..... وسيضع كليهما راحة يديه بسلاسة على كف الآخر ....سيصبحان أعظم من ليلى ومجنونها ...وسيقدم كل منهما الآخرعلى نفسه ، في النفس ، والهمس، والمأكل والمشرب ....
سيحلق طائر الوروارعالياً في سماء قفصهم مخترقاً قزح العشق .... سيشم الجيران نسيم الورد ، مهما كانت نوافذهم موصدة ، وسيكتب عنهما الشعراء قصائد الحب والغزل ، وسيكمل كل منهما الآخر ... وأعتقد حينها ، لو حضر ملك الموت لا سمح الله ، لتفانى ولجاد كلا منهما بنفسه .
تمر الأيام والليالي ، فتقل لزُوجة الكلمات وتتبخر رائحة العطر ، وتـنشف قطرات الندى فوق الأوراق ....فتـذبل ، وتطأطأ أعناقها للأسفل ، فتبين أطلال الأحبة .....وستقع أشعة شمس ( الجفـوة ) عليهما وستغطيهما من رؤوسهما حتى أخمص قدميهما ....
سيظهر رأس الفطر كرأس الدبوس في أرضهما الخصبة، ستتسع المسافة والفرقةبينهما ...حتى تلد ( الـفـجـوة ) ، سيحل الأولاد وتحل الأعمال وسيبدلون ويملئون وقت عشقهما بأعمال أخرى ، سيبتعدان من الداخل عن بعضهما ، حتى لو تلاقيا وتعانقا من الخارج ليلاً !!
ولكن إذا دخلت رتابة الحياة والانسياق وراء عواصف العمل، وتجاهل أحدهما شريكه ، فإنها بداية النهاية ، وخاصة إن كانت الأنثى مرتبطة بحصاد أوعمل ما ، ستزداد الطينة ابتلالا، وستصبح أكثر إنشغالاً من ذي قبل ، فتكبر فتحة الخرق في اللباد ، وسيصعب على راقعها إصلاحها ... وستزداد ( الجفـوة ) نمواً ... وتزداد ( الفجـوة ) حجماً ، وكل هذا سببه الإهمال الذي طرأ من أحدهما أو كليهما ،فأوجدوا وحصدوا الفطر السام في أرض العشق .... فتهاونا ولم يحاولا مرة واحدة نزعه وتنظيف مكانه ، وزرع أرضهما من جديد ... كي لا يزيد الحمل على الحمال .... وكي لاتقف القافلة في وسط الطريق .
سؤال ستطرحه العقـول الباخـصة :
لماذا ازدادت (الـجـفـوة) نمواً ،ولماذا كبرت (الـفـجـوة) حجماً ؟؟
هل مات الحب بينهما ؟
هل كان تمثيلاً أو مجاملة ؟
هل كان هناك حب أصلاً ؟
لا يختلف إثـنان أن موضوع الحب في نجاح أي زواج أساسي و هام ، فكل البشر يمارسون الحب لأنهم في أمس الحاجة لهذا الإحساس السامي و النبيل لرباطهم ، والأشخاص المعقدون الوقتييون ( خاصةبعض الرجال من مجتمعنا ) يعتقدون أن الكلام عن الحب غير مهم وتافه ، وإن الحياة الزوجية سوف تسير بالمجاملات والتنازلات الوقتية على حساب الآخرين .
إن العقل الذي يحرم الكلام عن الحب أو تجديد الحب عقل مهزوم ومكبل ، فلا يمكن للعقل أن يعمل بنجاح كما رسمت له السماء ،فالكبت يستعمره و يفقده الاتزان ، والمجاملة العبرية سوف تنهيه وتفضح أمره يوماً ما .
الحب المقصود هو الإحساس الروحي الجميل الذي خلقه الله فينا جميعاً والمطلوب ممارسته في إطار حدود الله ، الحب هو نقاء الروح من الشوائب تجاه الآخر ،الحب هو المصارحة ، الحب هو فتح القلب للآخر ، الحب هو المرآة التي من خلالها نرىأنفسنا في الطرف الآخر .
كثير من الرجال يحب زوجته في أول الزواج فقط ( حب وقتي ) كما قال قاموس الحب ،لكن لماذا؟
لأن الحياة جديدة بالنسبة لهما ، فكما يستسيغ الآكل طعم اللقمة في حلقه أول دقائق فقط ،،،،، وكما يقطع الطفل الغلاف عن هديته ،،،، وكمايستمتع الشاب كالشهوة بقيادة سيارته الجديدة لساعات !! يحس الزوجان أول زواجهمابنشوة حب هائمة ... عارمة..جامحة ...لذيذة .. لكن مع الأسف كالسحابة العابرة .
كل شئ جديد .. زوجة ، شقة ، غرفة ، طقم جلوس ، مطبخ ، أثاث ، حتىالملاعق جديدة ، كل شئ داخل إطار خلاب ، يتمنى الزوج إن لا يفتح الأغلفة ، وأن تبقى الأكياس تغطيها طول الدهر .. فتمر الأيام والليالي ، حتى يواجه الزوج السطحي أجمل الفتيات والحسناوات عن طريق أياً كان ، أمام الشاشات أو على الطبيعة .
فتتغير تصرفاته مع زوجته ، وتضعف المحبة والمودة بينهما ، فيحصل تنافر بينهما في أغلب الأحيان ، وخاصة إذا كانت الزوجة غير متفهمة ومطلعة على سلوك زوجها ، وتعيش معه عيشة روتينية ، أما في بعض الحالات الشاذة ، فيحدث توازن طبيعي ، حيث يبتعد هو عنها ، وتميل هي نحوه ، كي تملأ الفراغ الذي وقع بينهما ( الفجوة ) .
في الحالة الأولى والرائجة في مجتمعاتنا العربية ، تصبح الزوجة المسكينة بين مطرقة ( الجـفـوة ) وسندان ( الفجـوة ) ، وربما هو مكانها في بعضالأحيان ، فهو بين خيارين أحدهما مر ، فأما أن يصارحها أو يجاملها (المقصودبالمجاملة هنا إعطاء الحقوق ، فإن لم يحبها لم يظلمها كما قال رسول الله صلى اللهعليه وآله ) ، فالأمر سيان بالنسبة للزوج ، أما للزوجة فالمجاملة تعتبر حب لذيذ لايقاوم أما المصارحة بعدم الإحساس بالحب من قبل زوجها ، سيصيبها بالألم والنزف الحادفي قلبها وستزداد (الجفـوة ) من قبلها وتكبر رقعة ( الفجوة ) بينهما .
بعض الأزواج العقلاء الغير حمقى ، يحب التعامل بالحسنى مع زوجته(وكذلك مع باقي الناس) حتى لو لم يكن يؤنسها ويحبها من فؤاده ، فيضع كفه فوق كفهاويألفها قربة إلى الله تعالى .
سيكون هناك تراحم يجري في عروقهما وخاصة بعد الإنجاب، وكلاً الطرفين سيعرف حقوق شريكة أولا وواجباته ثانياً ، وسيتعاطف آدم مع حوائه وسيتعامل معها كزوج مؤمن يحبها من الخارج فقط لوجه الله....
الحياة ليست جنس كالبهائم ....وما سبق طرحه ليس نفاقاً للزوجة ، إنما هو القناعة والصبر على ماأوتينا من الله ، فمهما أرتبطنا وتزوجنا بأجمل فتيات العالم ، سوف تبحث أعينناالواسعة وقلوبنا الفارغة عن البديل السرابي الذي يعيش في مخيلتنا ولو لقليل منالوقت ،ومهما حلقنا بعيداً مع الطيور المهاجرة ، ومهما تذوقـنا ماء كل بحيرات العالم، في النهاية سنعود وسنقع عند شاطئ بحيرة وطننا ، التي شربنا منها أول مرة ،والعاقل من أقصى ( الـجـفـوة ) و ردم ( الـفـجـوة ) من حياته الزوجية وقنع بما جادبه الخالق .
بعض الأحيان أشعر وأنا أكتب هذه الرسالة برغبة لعن تلك الكلمتين، أو كتابتهما في ورقة وحرقهما لكي تتخلص البشرية من سمهما القاتل ، لكن ما باليدحيلة ، فهما لا تـنبتان كبذرة أو غرس فيمكن التخلص منها ، إنهما تنبتان كالكمأة في أرض بكر جرداء من صنع الزوجين ، وتسقى بدلوهما .
المفضلات