إكمال الرسالة الأولى :
قال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } (159) سورة آل عمران
رحمة الله واسعة كما يقول البعض .. لكن هل نستطيع أن نرى رحمة الله .. هل متنا ورأينا كيف يرحمنا الله يوم القيامة .. إذا كيف نتحسس رحمة الله .. وكيف نشعر بهذه الرحمة وماهي أبعادها وطريقتها ومقدارها وقربها وبعدها .
عقلي يقول .. نحن لانستطيع أن نرى الله .. لكن يمكن أن نحس به عن طريق عقولنا .. ويمكن أن تحسس برحمته عن طريق أنبياءه وأصفياءه .. والطيبين والصالحين من خلقه .
مثلاً .. إذا رأينا كيف يرحم النبي صلى الله عليه وآله البهيمة .. ويرحم الجار والأسير والجريح والسبايا من الأعداء .. وكيف يشدد ويذكر بالإحسان لهم ماداموا بحضرة المسلمين .. هذا مثالاً عن الرحمة .
مثلاً .. بكاء حفيد النبي صلى الله عليه وآله الإمام الحسين سيد الشهداء عليه السلام يوم كربلاء على أعداءه خوفاً أن يدخلون النار بسببه .. مثالاً عن الرحمة .
لنتمعن في الأمر قليلاً .. فالإمام الحسين عليه السلام حفيد وتلميذ جده رسول الله صلى الله عليه وآله.. وأقل منه منزلة .. فإذا كانت رحمة الحسين هكذا من العظمة ..فما بالك برحمة العظيم الأكبر جده أفضل الخلق أجمعين وسيد الأنبياء والمرسلين .. ولو أرتقينا إلى أعلى بما اندهشنا بأمثلة عظيمة من الرحمة كالتي ضربناها عند الإمام الحسين عليه السلام ومن هو أعلى منه مرتبة ومنزلة جده النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وهما من البشر من ولد آدم يأكلون الطعام كعيسى وأمه عليهما السلام .. فما بالنا برحمة الخالق الله الجليل أمام رحمة المخلوق !!
قال تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر
ما هي صفات النبي ؟
لنحاول أن ندخل في أعماقه وندرس بعض صفاته .. مما قرأت ومما قيل .. كان رسول الله صلى الله عليه وآله كما روى المؤرخون دائم البشر .. سهل الخلق .. لين الجانب .. ليس بفظ .. ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق .. ولا فاحش ولا عياب .. ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ويؤيس منه .. ولا يجيب فيه.. قد ترك نفسه من ثلاث : المراء .. والإكثار .. ومالا يعنيه وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ، ولا يعيره ، ولا يطلب عوراته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه.
إذا تكلم أطرق جلساؤه .. كأنما على رءوسهم الطير.. وإذا سكت تكلموا.. ولا يتنازعون عنده الحديث من تكلم أنصتوا له .. حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم .. يضحك مما يضحكون .. ويتعجب مما يتعجبون ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه.
كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وآله على أربع :
على الحلم والحذر والتقدير والتفكير فأما تقديره ففي تسوية النظر .. والاستماع من الناس .. وأما تفكيره ففيما يبقى .. ولا يفنى وجمع له الحلم في الصبر .. فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه .
وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدى به .. وتركه القبيح لينتهى عنه .. واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته .. والقيام فيما هو خير لهم .. جمع لهم خير الدنيا والآخرة.
كان سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مشاح .. يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه راجيه ولا يخيب فيه.
وماذا قالوا عن أخلاقه ؟
يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام :
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم .. ولا يفرقهم .. يكرم كريم كل قوم .. ويوليه عليهم .. ويحذر الناس ويحترس عنهم .. من غير أن يطوي عن أحد بشره وخلقه .. ويتفقد أصحابه .. ويسأل الناس عما في الناس .. ويحسن الحسن ويصوبه .. ويقبح القبيح ويوهنه .. معتدل الأمر غير مختلف .. لا يغفل مخافة أن يغفلوا .. أو يملوا .. لكل حال عنده عتاد .. لا يقصر عن الحق .. ولا يجاوزه إلى غيره .. الذين يلونه من الناس خيارهم .. وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة .. أحسنهم مواساة ومؤازرة .
ووصفته زوجته خديجة عليها السلام إنه يصل الرحم .. ويحمل الكل .. ويُكسب المعدوم.. ويُقري الضيف.. ويُعين على نوائب الدهر .
وقالت أم معبد لزوجها في وصف أخلاقه صلى الله عليه وآله لما مر بها في رحلة الهجرة :
إن صمت فعليه الوقار .. وإن أمر تبادروا إلى أمره .. لا عابس ولا مقند .
عزيزي القارئ الكريم .. ما أسلفنا ذكره من صفات عن معلم الإنسانية قليل وأقل من القليل في مقامه ، لكن هي جانب مما شاهده ممن عاصروه وعاشوا معه .. لكن ماذا قال عنه المستشرقون الذين يدينون بالمسيحية :
يقول المستشرق آرثر جيلمان : لقد اتفق المؤرخون على أن محمداً كان ممتازاً بين قومه بأخلاق جميلة من صدق الحديث والأمانة والكرم وحسن الشمائل والتواضع وكان لا يشرب الأشربة المسكرة ولا يحضر للأوثان عيداً ولا احتفالاً.
و يقول كارل بروكلمان :
"لم تشبْ شائبة من قريب أو بعيد فعندما كان صبياً وشاباً عاش فوق مستوى الشبهات التي كان يعيشها أقرانه من بني جنسه وقومه .
ويتحدث توماس كارلايل قائلاً:
لوحظ على محمد منذ صباه أنه كان شابًا مفكرًا وقد سمّاه رفقاؤه الأمين رجل الصدق والوفاء الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره وقد لاحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إلا وفيها حكمة بليغة . . وإني لأعرف أنه كان كثير الصمت يسكت حيث لا موجب للكلام ، فإذا نطق فما شئت من لبّ ! وقد رأيناه طول حياته رجلاً راسخ المبدأ صارم العزم بعيد الهم كريمًا برًّا رؤوفًا تقيًا فاضلاً حرًا، رجلاً شديد الجدّ مخلصًا .. وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جمّ الِبشر والطلاقة حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق.. وكان ذكي اللب، شهم الفؤاد.. عظيمًا بفطرته، لم تثقفه مدرسة ، ولا هذبه معلم ، وهو غني عن ذلك.. فأدى عمله في الحياة وحده في أعماق الصحراء .
ويتحدث الباحث الروسي آرلونوف عن نبي الرحمة، ويقول :
اشتهر محمد بدماثة الأخلاق ، ولين العريكة، والتواضع وحسن المعاملة مع الناس، قضى أربعين سنة مع الناس بسلام وطمأنينة، وكان جميع أقاربه يحبونه حباً جماً، وأهل مدينته يحترمونه احتراماً عظيماً، لما عليه من المبادئ القويمة، والأخلاق الكريمة، وشرف النفس، والنزاهة.
أيها الناس ، ايها البشر كافة ، يامن تبحثون عن قدوةحسنة، قدوة لمعنى الإنسان الكامل ، إنكم لم ولن تجدوها إلا في محمد صلى الله عليه وآله ، سيد الكونين من عرب وعجم .. وياأيها الناس الذين تتطلعون إلى كرامة الإنسان الحقيقية ، إنكم لن تعثروا عليها إلا فيما أتى به دستور محمد صلى الله عليه وآله وفي سيرته الكريمة ، ويا من تتحرقون شوقا إلى المساواةوالعدل الحقيقيين إنكم لن تجدوها إلا في ميزان محمد صلى الله عليه وآله ، الذيجعل الناس سواسية كأسنان المشط ، وأقام لهم الموازين القسط ، ويا أيها المستعبدونللأهواء ، إنكم لن تريحوا رائحة الحرية ، ولن تتنفسوا بعبقها إلا في حديقة محمد صلى الله عليه وآله ، ويا أيتها النساء اللاتي غرّر بكنالسفهاء، وتاجروا بأعراضكن، وأجسادكن واستعرضوا جمالكن في الملاهي والفنادق، لا يريدون منكنإلا إشباع شهوة، واقتناص لذة ولعب بلحم وعرض ، إلْجأن إلى حمى محمد صلى لله عليه وآله الذي جعلالجنة تحت أقدامكن وحماكن حتى من خائنة الأعين ، ويامن تبحثون عن دستور يحمى الإنسان من داخله قبل خارجه ، لن تجدوا أنصف وأعدل وأوضح ميزان للحق في الأرض والسماء ، كدستور محمد بن عبدالله وهو القرآن الكريم .
سيدي القارئ والمتمعن ، أقولها ملء فمي وبدون عاطفة كوني مسلماً ، إن هذا المعلم العظيم أحق أن يسمى بالإنسان الكامل ، إنه خير متمم للإخلاق إنه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم .
المرشد الدولي
المفضلات