الرسالة الحادية عشر :
الإمام علي عليه السلام ورسالة في حقوق الجار
يعرف الجميع ، إن الجار نال نصيب الأسد من نسيج الوصايا الاجتماعية ، وله موقع مهم في التركيب الديموجرافي للمجتمع ، فبات جداره يقارع جدار بيتك ، وأذنه تسمع صراخ أهلك ، وأنفه يشم رائحة طعامك ، وربما هو أقرب إليك من أقربائك وإخوتك .
تراه كل يوم أمامك ، تصبح عليه أول النهار ، وتمسيه فيآخره ، وربما يكون شبحه آخر من تراه قبل دخولك النوم ، وهو أول من يسمع ندائك ،وخاصة عند طلب العون والغوث ، دائماً تتذكر أسماء أبناءه وتنسى أسماء أقربائك ، وتعرف أوصافهم دون أهلك .
والشارع المقدس المحمدي أول من وضع أسس قانون حقوق الجار، وطورها ورتبها وأطرها ، كي تكون أحد بنود دستور المجتمع الإسلامي المتكافل ، فلن ننسى قول المعلم الأول للتربية الاجتماعية الإنسانية النبي محمد ( صلى الله عليه وآله) : " مازال جبريل يوصيني بالجار ، حتى ظننت إنه سيورثه " ، ولن ننسى قصته مع جاره اليهودي الذي يرمي الفضلات أمام بيته كل يوم ، ولن ننسى أن بيت النبي يحوي طالباً واحداً تربي ودرس على يد ذاك المعلم الخالد منذ نعومة أظفاره ، فأنشأه نعم النشء ، ولقنه العلم أفضل تلقين ، من كل باب ألف الف باب من العلم ،ً وأدبه التأديب الرباني حتى اصبح من سنخه ، حيث قال : " أدبني ربي فأحسن تأديبي " ، فأصبح النبي المؤدَب ربانياً يؤدب علياً ويطعمه كما تطعم الأم رضيعها ، حتى تخرج الإمام علي من المدرسة الربانية بأعلى رتبة ومنزلة ، فتلفظ النبي آخر أنفاسه ( صلى الله عليه وآله ) وشفتاه بأبي هو وأمي توصي علياً ( عليه السلام ) بالجار ، الجار ، ثم الجار ... حتى تلقته ملائكة السماء مع طابور الأنبياء في عرس سماوي ، مخلفاً دستوراً راسخا في ذهن أبا الحسن مفاده : ( ياعلي لا يعرفني إلا الله وأنت ) ، وأنت أولى الناس بتوصيل رسالتي، ومنها رسالة (( حقوق الجار )).
فأضحى علياً ( عليه السلام ) ، يضرب الأمثال الرائعة ويجسد القيم الإنسانية الحقة في حقوق الجار، ليس للمسلمين فقط ، بل للإنسانية جمعاء ، ولنضرب مثالاً على ذلك :
كان الإمام علي ( عليه السلام ) يغدي أحياناً خلف بيته قبل ذهابه إلى عمله ، مخفياً شيئا صغيراً داخل ردائه ، ودون علمأحد ، لماذا ؟؟ لا أحد يعرف .
وفي يوم من الأيام تعقبته ً ( فضة ) وبأمر من الزهراء ( عليها السلام ) وهي تعلم بالأمر ، لكنها أرادت إيصالنا رسالة اجتماعية ، وإخبارنا (بأهمية الجوار) لنا جميعاً ، حتى رجعت فضة مهرولة إلى أم الحسن ( عليهاالسلام ) تخبرها :
سيدتي إني رأيت مولاي يكسر فتات الخبز على الأرض خلف المنزل وهو يبكي متمتماً بكلام ورافعاً يديه للسماء حتى غادر إلى عمله ، وعندما عاد في ذاك اليوم بعد عمل شاق ، سألته الزهراء وفضة تستمع لهما والحسن والحسين يصغيان ، لماذا ترمي الفتات يا أبا الحسن ، قال بأبي هو وأمي :
(( إن الشتاء قادم وبيت النمل جار لنا، فأردت إعطاءهم مما أعطانا الله كي يخزنوه قوتاً للبرد )) ، فدمعت عيون الجميع وبعدهم عيناي عند كتابتي لهذه الرسالة (( حقاً أنت حامي الجار)) ، كيف أهاب جيش نبي الله سليمان (عليه السلام) أن يدوس النمل وهو يضحك ويبتسم لقولها ، وأنت تعطي النمل من قوتك وأنت تبكي .
الفائدة من رسالة الإمام لنا :
عدة فوائد نستشفهامن الموضوع ، وعدة حكم نستطيع أن نستنبطها من هذه الرسالة ، ومنها مايلي :
*إن حق الجار عظيم كطوق العقد في أعناقنا .
*إن كل من جاورك ، تنطبق عليه حقوق الجوار ، حتى لو كان حيواناً .
*إن هناك ممالك عظيمة نجهلها تعيش بالجوار ، يجب علينا احترامها واحترام تقاليدها ، كبرت أم صغرت ، وهكذا مع الدول المجاورة ،هناك دول وممالك تحتاج مساعدتنا، يجب علينا مساعدتهم عند المصائب والمحن .
*إن الإمام أعطى الحيوان أو البهيمة من قوته الذي يأكله ، فما بالك بجارك الإنسان . وبغض النظرعن دينه أو جنسه .
*إن تأمين حقوق الجار واجب علينا وخاصة في المحن والمصائب ،وخاصة لو كان بالجار أيتام ومساكين .
*يجب على الإنسان وضع خطة في حياته لكلب رامجه الحياتية والمستقبلية .
*إن هناك ممالك حيوانية لا تعقل ، نجهلها ويعرفها الإمام ، وسبقت الإنسان صاحب العقل ، فدبرت نفسها ونظمت حياتها وخزنت قوتها ، حياة كاملة مليئة بالقوانين والضوابط والنظم ، فعندها العاملات يأخذن دور حمل الغذاء وتخزينه وتطعيم الملكة واليرقات ، وهناك رئيس ومرؤوس ، وهناك مستودعات ومخازن للدولة ، وهناك نظام حماية عسكرية للحدود ، وشرطة حراسة للملكة ، ورجال للتكاثر والدفاع ، والكثير مما نجهله عن ممالكعدة ، حتى أصبحنا في عصر التطور ونحن متأخرين في اكتشاف أنظمتهم ونظمهم ، إلى أن سلطنا مجاهرنا العلمية وعرفنا كيف أهتم الإمام علي بممالك صغيره داخل الدولةالإسلامية ، وعرفنا إن المجتمع لا يكمل بنيانه الاجتماعي ، إلا بكمال لبناته الأولى ، ومنها لبنة حقوق الجار ليصبح مجتمعاً فاضلاً بني على أساس العدل الإلهي، حيث خلطت عجينتها بيدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووضع بنيانها الإمام علي ( عليه السلام ).
المفضلات