الرسالة الثانية :
يوماً رفعت أصبعي
يوماً وأنا على كرسي الدراسة ( رفعت أصبعي ) ، وياليتني لم أرفعه ، أمام مدرس التاريخ وكان سودانياً مهذباً، وكنت أكن له كل التقدير والأحترام .
رأى إصبعي يقاطع شرحه ، وبطولات أحد الفاتحين في طريقه إلي أوروبا ، فقال لي ما ذا تريد ؟
قلت : إستاد ( بلغتي العامية )
قال : إيش عندك ؟
قلت له : لماذا نسمع كلامك ولا تسمع كلامنا؟
قال إيش تقصد ؟
قلت لماذا يجب علينا أن نصدق كلامك ، ولا تصدق أنت كلامنا ؟
قال لسى ما فهمت شئ ؟
قلت له : أنت تعرف إنني أحد أعضاء المكتبةالمدرسية .
قال : نعم .
قلت له : أنا قرأت في الكتاب الفلاني كلام يختلف عما قلته لنا في الحصة !!
قال : أيش أعمل ، هازا الكلام مكتوب قدامي ولازم أقراه عليكم ، ولازم أنتو تعرفوه وتحفظوه ، وتختبروا فيه .
قلت له : بس إستاد
هذا إغتصاب فكري !!
صرخ بصوت عالي : أحسبها زي ما بدك ، إنت جاي تحاسبني ، وبعدين إنت لسانك طويل ولازم أكلم المدير .
ثم أخذني إلي مكتب المدير وعند باب المدير رن الجرس معلناً إنتهاء الحصة وبداية الفسحة .
أخبر الأستاذ المدير عما داربيننا .
سألني المدير ذو الملامح الشرسة والابتسامة المصطنعة .
: من علمك هالكلام ؟ يالله قول لي بالتفصيل الممل !!
قلت له : صدقني يا أستاد ماحد علمني ، إللي صار إني دخلت المكتبة كالعادة وجلست أرتب وأعدل الكتب المبعثرة والقصص الغير مرجعة مكانها ، ووقع بصريعلى فتوحا ...(.؟.؟.؟.....) وشد أنتباهي الكلام الموجود في الكتاب . ولم يوافق أمين المكتبة إستاد فلان إستعارته ، وقال لي هالكتاب مايصلح لعمرك ، توك صغير .
: بعدين كمل وش صار!! ( المدير )
بعد جهد جهيد وبعد اللتي والتي أستعرته وقرأته في نفس اليوم ، وقد أخذمني باقي النهار وكل الليل حتى الساعة الحادية عشر ، ولم أستطع مشاهدة ( جراندايزر ) ورفضت الذهاب مع أصحابي لشراء ( أيسكريم أبو عود ( المطرود ) ، كالعادة ونجلس على الرصيف في شارعنا ونتداول الحديث .
المهم قرأت الكتاب وأرجعته في اليوم التالي ، وصادف بعد أسبوع إن أستاد فلان درسنا نفس القصة وبأسلوب وطرح غير اللي قريته ، وناقشته وزعل وجينا عندك .
قال المدير ، خلاص أنسى اللي صار وروح فصلك ولا تعودها مرة ثانية.
قلت له : ليش يا أستاد ، المفروض إن الكتاب اللي في المكتبة يتلف ويبقى كتاب وزارة المعارف ، أو العكس ، قال شتقـول ؟!
قلت أنا شئ غلط يا أستاد؟
أعتقد هذي مدرسة ويجب أن يكون فيها مصداقية لنقل المعلومة ، كيف يدرسنا أستادحمدي كلام في الفصل ، وعلى بعد عشرة أمتار يوجد كتاب يكذب هالكلام !!
قال المدير : الظاهر أنت أذية ، ولازم تعاقب ، أنت مفصول !! ( عندها وقع قلبي في الأرض)، وكمل كلامه ، مفصول من المكتبة ، وممنوع تدخلها إلى التخرج ، ثم تنفست الصعداء وتلفضت أنفاسي وردتروحي وفكرت إنه فصلني من المدرسة كلياً ، والزمت بعدها أن أستعير الكتب بأسماء زملائي من دون علم المدرسة وأرجعه بعد فترة .
وترك لي ذاك الموقف أثراً لن أنساه إلى أن أتوسد التراب ، حيث الخوف عند سماعي كلمة ( أنت مفصول ) وأن يعلم والدي بذلك .
المفضلات