الرسالة الخامسة عشر :
كيف نصنع السعادة ونحارب الإكتئاب ...
معنى السعادة .....
السعادة ... كلمة جميلة تنم عنى معنى لا يوصف بالنطق والتفوه ، هي إحساس وتناغم للروح مع من حولها ومع البيئةالمحيطة بها .
السعادة ... تراشق الإنسان لأخيه الإنسان بريش الإطمئنان ولغة الحنان ، سواء كان الإنسان ذكراً أم أنثى ، سواء كان أسوداً أو أبيضاَ ، أباً أمأماً .... لافرق هناك بين ما خلف الجلد أو من هو صاحب الجـلد ، .... إن السعادة تمازج روح الإنسان وإنصهارها برضا وقناعة مع من حولها حتى في أتعس الأوقات .
بإختصار : السعادة تعني الرضا بالوضع الوقتي والمكاني المحيطان بالشخص .
لكنمهما بعدت عنا السعادة ، او بمعنى أصح افتقدناها لفترة معينة،...سنعتقد أن الحزن حلمحلها وأستعمر مكانها ، وهذا غير صحيح ، والصحيح إنها حجبت عنا فقط أي أصبح الحزنكالستار الحاجب بيننا وبين إحساس السعادة .
ومهما طالت المدة أو قصرت ، سيأتيزمن تزول فيه ستارة الحزن والكآبة ، وسترجع أمامنا لوحة السعادة مشرقة مفعمة نشطةكنور الصباح الذي يدخل نافذة أنفسنا لينير قلوبنا ، وهذا يعود إلى مدى جديتناوصدقنا مع أنفسنا قبل صدقنا مع الآخرين .
الخوف والقلق أقرب الطرق إلى الحزن :
في أيام المرحلة الثانوية ...... كان معظم زملاء المدرسة يشكو قلة نومه ، أو بمعنى أصح إنعدامه ،وخاصة أيام الإختبارات النهائية ، والسبب هو إنشغال عقولهم بالإختبار غداًَ ، وكيف سيكون اللقاء بالصفحة الأولى.
مذاكرة حتى آخر الليل ، تتخللها أوقات من القلق والهلع المخيف ، كأنه شبح مخيف يحوم حولهم.... كنت دائماً أردد لهم مقولتي المشهورة عني ( لن أخاف ، لأن غداً ليس يوم شنقي ) ، إنه فقط اختبار سيمضي كما مضى غيره ، أي نعم كنت أؤمن إن كل الذي يمر علينا من خوف هو من صنع أيدينا ، وإنه كثوب نخيطه ونلبسه أجسادنا ، ....إننا نعطي الأمور والظروف أكثر من حقها ، إننا نحولها إلى كابوس وجحيم يهددنا ، .....وسوف تمضي الأيام ، ونكبر ونحصل فيه على وظيفة وسنتزوج ونصبح أباء ، وسنأسف على الأيام التي أضعناها في الخوف والتفكير والسهر حتى الفجر ، أي نعم كنت أؤمن بأن الصبح سيأتي ولاحاجة للخوف !، هل نحن ممن صدرعليهم حكم بالإعدام في السوق !، وأمام مرأى الناس ، لا أعوذ بالله
إذاً لماذا نخبز أقراص الخوف ونضعه في سلة فوق رؤوسنا من الأساس ؟
بعد أنجلاء الأيام والفصول ، وبعد مرور السحاب فوق رؤوسنا ، .....صدفة قابلت أحد هؤلاء الذين كانوا يئنون في الليل بجنون ، وخاصة كلما أقتربت حصة الاختبار، ووقت الذروة الرهيبة قبل دخول الفصل بدقائق ، فترى قلب تزدادضرباته ، وتنفس يزداد زفيره ، ولون شاحب مع قليل مع اسوداد الشفتين .....والسبب كابوس تخيلوه وعجنوه من المواد العلمية ، وحرموا أنفسهم من الأكل والكلام معالآخرين .
سألته : عزيزي
: هل ندمت على الأيام التي ضيعتها في الخوف ولم تسمع كلامي ؟
ها آنت موظف ما شاء الله عليك وميسور الحال .
قال لي صدقت ، كلما أحسست بالخوف والقلق ، أتذكر كلامك ، غداً نحن لن نعدم في السوق حتى نخاف ، فيهدأ بالي وأتنفس الصعداء .
الكثير من الناس ، رجالاً ونساء تعودوا صنع الخوف من لاشيء ، ....قلق واضطراب وقتي أو مؤقت ، فنرى بعض النسوة، يسهرن الليل ولا يستطعن النوم ،بسبب إن غداً عندهن وليمة لبعض النسوة ، وتفكرن ماذا سيعددن من الطعام غداً !! ( ورق عنب أو محشي كذا ) وكأنها تعد حرباً لتحرير فلسطين، فيصبحن مملوءين بالتعب ، من رؤوسهن حتى أخمص أقدامهن ...إنهاك نفسي حتى قبل الطبخ والنفخ !
أو مثلاً ، بعض الشباب يعد العدة لتجهيز كل ما يحتاجه من الأدوات اللازمة للرحلة ، فتراه على السرير يحوم في شوارع أفكاره دون النوم ، حتى يأتي الصباح وهو يفكر ( ماذا أحضر ، وماذا أشتري ) وهو في حالة خوف نوعاً ما ، وكأنه أرتكب ذنباً ، حتى تشرق الصباح وهو تعبان ونائم طول الرحلة !
الروتين والكآبة :
هل نستطيع أن نصنع السعادة أم هي عابرة حسب الظروف؟
هل نستطيع أن نخلع شتلة سعادة ونغرسها في قلوب غيرنا ؟
هل الكآبة توأم للتعاسة ؟
من هم المتذمرون ؟
هل الحياة مصدر تعاسة ونحس لدى البعض ، أم هم السبب في ذلك ؟
هل الحزن موجود أصلاً ؟
التفاؤل ... القناعة ....البشاشة ...صفات الأنبياء والصالحين ، وهي أهم مصانع السعادة .
البشر من حولنا ( رجال ونساء ) على أربعة أصناف :
الأول : صنف يعيش في جو مليء بالسعادة ، ويعيش السعادة .
الثاني : صنف يعيش في جو مليء بالحزن ويعيش السعادة .
الثالث : صنف يعيش فيجو مليء بالسعادة ، ويعيش الحزن .
الرابع : صنف يعيش في جو مليء بالحزن ويعيش الحزن .
الصنف الأول من البشر إنسان سعيد ومحضوض ، .....فقد حباه الله ببيئة سعيدة ورغد من العيش ، وولد وفي فمه ملعقة منالسعادة ، فتأقـلم مع حياته الجميلة وأصبحت السعادة جزءاً لا يتجزأ من حياته الهنيئة ، ولا شئ يعكر صفو حياته ، سواء المادي أو الاجتماعي ، وهذا النوع ممنون لظروفه وبيئته التي يحوم فيها وتحوم حوله ، والفضل لله ثم لمن تسبب بذلك ، وعليه الشكر والحمد .
الصنف الثاني من البشر ، إنسان أكثروأوفر حظاً من سابقه ، لأنه قاوم الحزن ، وعالج ظروفه وحولها إلى سعادة وتكيف معحياته ،دون اللجوء إلى التكوّن في قالب الحزن ، والتمرد على بيئته الحزينة ، وحياته تتصف بالقناعة والتفاؤل ، وهذا عين العقل ، ومهما انقلبت عليه الظروف وتكالبت عليها لأحداث سيعيش سعيداً إلى آخر رمق في حياته ، وهذا النوع من البشر ، بحق معلموأستاذ وصانع للسعادة ، الذي ونحن في أمس الحاجة إليهم .
الصنف الثالث من البشر ، إنسان عكس الصنف الأول تماماً ، ....بيئة سعيدة من عدة نواحي ، حياته ملئها سعادة ، لو وزعت وقسمت ، لكفت عشرات الأشخاص ، مادياًواجتماعيا وفكرياً ، لكن لا فائدة من ذلك ، فهو متذمر طول الوقت وجاحد لما يقع بينيديه ، ولا يشكر الله على ما أتاه ، ....دائماً ينكر ما بحوزته من سعادة ، زوجته مؤمنة وجميلة ، ويخاطب نفسه وربه بأنه تسرع في الاختيار ولم يفكر ، ...لديه عائدمادي جيد ، وأموال ورثها دون تعب ، ومع ذلك يلطخ نفسه في التراب ، لماذا ربحت القليل ولم أربح الكثير ، لماذا سيارتي كذا وكذا ، ومعظم هؤلاء يتلبسون الكسل والإهمال في حياتهم ، ويحبون التسويف والتأجيل لمعظم شؤونهم وشؤون أسرهم ومن حولهم، وأتمنى أن يقل عددهم ، وأن يهدي الباقي منهم .
الصنف الرابع والأخير ، إنسان مستسلم للبيئة الحزينة من حوله ، وأسيرلظروفه ، ولا يجتهد أو يفكر أن يحرك ساكناً ، يعيش الحزن والكآبة ، وكأن الله لم يخلق حزيناً غيره ، وكأن الحياة تنتظر وصوله كي تقف فوق رأسه منغصة لعيشته ، والكون كله عدو له ، ... وهذا النوع مريض سهل علاجه، ومعظمهم متقوقع في داخل نفسه ، ولايحب الاختلاط مع الآخرين ، وهنيئا لمن يرمي حبل النجاة على أحدهم لينتشله .
أي نعم نحن من يفعل ذلك ، نحن نقدرأن نصنع السعادة والفرح ونضعها في صندوق ونقفل عليه وندعي أن المفتاح ضائع .
وفي نفس الوقت نصنع الكآبة والحزن والقلق وكل السلبيات، ونضعها في وعاء في عقولنا، حتى تسيطر علينا وتستعمرنا ونصبح كالرهائن والأسرى.
إن عدم تفهمنا للأمورالتي تحيط بنا ، وعدم نظرتنا للحياة بشفافية سهلة ،أدت إلى خلق مطبه كحجر عثر يقففي طريقنا ، وتطورت إلى سرطان يمنعنا من التكيف مع بيئتنا الإجتماعية ، ....فأصبحنامرضى مع أهلنا ، مع عملنا ، مع أصدقائنا ، والمهم الأهم هو ((( مع أنفسنا أولاً ))) .
يجب أن أحدث نفسي قبل تصنيف ما سيحدث أو حدث أمامي، وقبل الخوضفي مسألة ما ، أو قبل النطق بكلمة أو عمل له تأثير عليّ، يجب أن أفكر قبل أن أتخذ القرار النفسي ، ( هل ستلج نفسي في حديقة السعادة ، أم ستغرق في وحل الحزن وتصطدم بصخور التعاسة ) .
لقد تسبب أحدهم بزعل زوجته وتطفيشها وذهابها إلى بيت أهلها لمدة ثلاثة شهور ، والسبب كلمة خرجت من فمه ، جعلتهيعظ أصابع الندم ويتجرع كأس التوبة كل يوم ، ( بأن لا يعيدها مرة أخرى).
(لقد علق على مذيعة الأخبار الحسناء في القناة الفلانية ، وكيف إنه لاحظ إنها قصتشعرها ووضعت الميش !)
وكيف لم يلاحظ ذلك في زوجته التي تضع وتصنع الكثير ، ولايقول أو يمدح حتى هي تسأله !!!!
كلمة منه ، وكلمه منها ، ورمت هي بالوعاء الذي بيدها (على السيراميك )، فخرج صوت قوي ففاجأها بصفعة على خدها ،أضطرب المنزل ، خاف الأولاد ، اتصلت بأخيها وهي تبكي ، حضر وأخذها مع أولادها ومكثت عند أهلها ثلاثة أشهر .
والغريب إن عيد زواجهم بعد يوم واحد فقط ، وكانت زوجته وقت المشكلة تعد طبخة لذيذة ، كان الزوج يحبها لدرجة الجنون !
أخذالرجل يقضي معظم أوقاته الليلية في المقهى ، كالخشبة بين أصحابه ، يجاملهم بتوزيع الابتسامات المزيفة ، وخلف ستار قلبه هم مطبق عليه ، وحزن ، وكآبة سوداء ، لقد شكا لي همه ، وأبدى ندمه ، وإنه أضطر في بعض الأحيان إلى البكاء فوق سريره، وشدة ولهه على زوجته وأبناءه الملائكة .
لماذا نضع أنفسنا في تلك المواقف ؟
كيف أرى السعادة المقبورة في نفسي ؟
أخبرني أحدهم إنه تحولمن رجل حزين وتعيس ويائس من الحياة إلى رجل ملئه سعادة من رأسه حتى أخمص قدميه ،وقال إنه خسر من عدة سنوات ثلاثة أرباع ما يملك ، فعاش في قمة الحزن ، و أنعكس ذلكعلى علاقته بأهله وأصدقائه ، وصادف في تلك الفترة إنه أضطر إلى مصاحبة أخيه المصاب بالسرطان إلى الرياض كي يأخذ حقنة كيماوية الدم ، وعند وصولهما المستشفى صباحاً ،أدخلوهم إلى غرفة الانتظار ، وكان بالغرفة أعداد كثيرة من المرضى القادمين من أنحاء المملكة والعالم ، منهم الرجل والمرأة ،والشباب والمسنين .
وأستغرق انتظارهم حوالي ساعتين ، وكان معظم الجالسين يتحدث ويفضفض عن نفسه ويشكي همه ، هذا قال إن عنده سرطان الدم ، وهذا سرطان القولون ،وذاك سرطان المخ ، والكثير من الأمراض ولله الحمد والمنة ، وكان صاحبنا يستمع لهذيانهم وهرجهم ، حتى نسى إنه مفلس ، وعاش فترة من الزمن ، أكتشف إنه ملك عليهم ، وإن عليه تاج الصحة ، فقال في نفسه : هؤلاء يتمنون أن تعود صحتهم التي سلبت منهم ، مع أن بعضهم أغنياء جداً ولا يستطيعون شراء صحتهم التي خسروها ، فلماذا لا أعتبر إني فقدت صحتي واشتريتها بما خسرت من أموال ، وبضمان زمني ، وبدون تعب وعناء ، فقال إنه أحس بسعادة لا توصف ،وإنه أشتاق كثيراً لأولاده ، وخاصة إنه لم يتناول الفطور ، وتمنى لو يطير إلى بيته ويجلس مع عياله كما سبق .
لقد أكتشف صاحبنا إنه كان يعيش في كنف السعادة ، وإنه ملك للسعادة وياليت يعود في أحضانها من جديد .
أنظر لمن حولك وأحمد الله وأشكره على نعمته عليك ، وعش حياتك وتلذذ بها لحظة بلحظة حلالاً طيباً كما شرعتها لك السماء .
المفضلات