إشكال خائف لرئيس الملائكة

فرأيت رئيس الملائكة قد صغر أكثر، وقال: « إنّ خوفي نابع من أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعليّ صريحاً: إنّ الطيّب لم يزل غير متميّز عن الخبيث، ولا يكون الظهور إلاّ بعد تمايز الطيّب عن الخبيث وانفصالهما عن بعض، كما في قصّة نوح، ولكنّكم تسعون ـ بخلاف التقديرات الإلهية ـ أن تستعجلوا حدثاً يقدّر الله أن يتأخّر وقوعه. وبعبارة أُخرى، إنّ ما قُدّر له أن يحدث غداً أتريد أنت أن تجعله يحدث اليوم ؟! وهذا في الواقع ادّعاء الربوبيّة
».
فسالته: « هل يُقدَّر كلّ حدث في هذا العالم ضمن سلسلة أسبابه أم لا ؟ ».
قال: « لا شكّ أنّها تقدّر ضمن سلسلة عِللها، لأنّ الطفرة في هذه الأحوال مستحيلة ».
قلت: « أحسنت، إنّ سلوكنا هذا ودعاءنا وإلحاحنا في الطلب، مهما كان عجيباً في نظرك، قد يكون من جملة الأسباب والمقدّرات الإلهية، لأنّ خطرات النفس وميولها كثيراً ما لا تكون مسيطَراً عليها.
وعليه فإنّ الإلحاح في الدعاء والطلب من الله من جملة المقدّمات التي تقرّب ظهور البعيد، وتبعد ظهور القريب، وترفع الموانع، وتوجد شروط الحدوث، وإنّ الإلحاح في الدعاء من المستحبّات، إذ إنّه إذا لم يكن له تأثير فإنّ له في الأقلّ ثوابه ».
فخفّ عبوس رئيس الملائكة، وانتقل من الانغلاق إلى الانفتاح، ولان طبعه، وقال: «لكنّ النبوءات والإلهامات والخطرات الرحمانية لعبيده، تأتي عن طريق الملائكة ، ولا يكون غير ذلك، لأنّ الطفرة مستحيلة، ونحن لا علم لنا بهذه الخطرات والحوادث».
قلت: « لقد نزلت الآيات الأخيرة من سورة البقرة بغير وساطة جبرائيلكم، أليس لكم رؤساء ؟ ».
قال: « بلى كثيرون، ولا نعلم درجاتهم ».
قلت: « فلعلّ هذه الخطرات والحوادث قد وقعت عن طريق رؤسائكم. ثمّ إنّنا من محبّي أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإلاّ لما كنّا في هذا الجاه والمقام. وإنّ من لوازم المحبّة إعانة العاشق معشوقه للوصول بكلّ ما يمكن، ولو بلسان الدعاء، فما وجه اعتراضكم ؟ تقولون: لماذا تحبّونهم، أو لماذا تعملون وفق لوازم المحبّة ؟ وماذا إذا لم يحر جواباً ».
قلت: « إنّ ما يوجب تعاليكم هو تجرّدكم. ولو أنّنا ظللنا على تجرّدنا الأوّل أيضاً، ولم نتعلّق بالتراب، لكنّا مثلكم، بل لعلّنا كنّا ندّعي الإلوهية، كما يقول الإمام الصادق عليه السّلام. ولكنّكم تؤيّدون حتماً أن ليس كلّ متجرّد أعلم من المادّي غير المتجرّد وأرفع منه ».
على سفح جبل الرحمة

وهكذا كنّا نسير بكلّ أُبّهة وجلال على رأس هذا الفوج من الملائكة، ونحن نهتف: لبّيكَ لبيك! حتّى وصلنا إلى سفح جبل شاهق اسمه جبل الرحمة، وكان فيه باب وسور: فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَهُ بَابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ
.
كانت أفواج طلائعنا قد ضربت الخيام عند سفح الجبل، وجلست في انتظارنا. وعند وصولنا انطلقت هتافات لبيك، لبيك! من الجميع، فارتجّت أركان الجبل وجنباته. وكانت خيمتنا قد نصبت فدخلت فيها مع رئيس الملائكة ورؤساء أفواج الملائكة السابقين الاثني عشر، وسألنا: «لِمَ وقفتم عند سفح الجبل ولم تصعدوا ؟».