الجزء الثامن



في رحاب سورة الإنسان




قلت: « لماذا اختارَ سورة الإنسان ليتلوها ؟ ».
قال الهادي: « لسناندري الحكمة في ذلك، ولا حاجة لنا بأن ندري. كلّ الذي يلزم أن ندريه هو أنّ كلّ مايفعلونه ويقولونه قائم على الحكمة والصواب والصلاح. أمّا القول بأن حكمة ذلك هو هذاوليس ذاك، فإنّه فضلاً عن كونه نوعاً من الفضول، فهو ينطوي على الخطر أيضاً، لأنّهقد يحتمل الكذب والتكذيب. وكلّ الذي نستطيع أن نقوله هو ما يتوصّل إليه إدراكنا،فهذه السورة تدور حول فضائل الإمام عليّ عليه السّلام وأهل بيته، وهؤلاء يحبّونعليّاً سلام الله عليه، ولذلك فإنّهم يحبّون هذه السورة أيضاً، لما فيها من ذكرفضائل أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام. وكنتَ أنت نفسك قد قلت: أنّك تحبّها أيضاً: « ويُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأسِيراً .
ففيذلك إشارة إلى مصيبته ومصيبة أبيه عندما طلب الماء فلم يسقوه، مع أن الماء بلا ثمن،وهذا اليتيم والمسكين والأسير أفضل بكثير من أيّ يتيم ومسكين وأسير. مع ذلك، فمنالحكمة أن لا نتحدّث عن الحكمة في أعمالهم ».
قلت: « إذا كان غرضه هو هذا الذيقلته أخيراً، فإنّه يدلّ على أنّ دماءهم ما زالت فائرة ».
قال: « هي كذلكبالطبع، وما ذاك الأثر الأحمر تحت رقبته إلاّ توكيد لما أقول، بل هو أقوى دليل،وإنّهم لأشدّ منّا انتظاراً للفرج حتّى ينتقموا، وإلاّ فإنّ دماءهم لن تهدأ عنالفوران، مثلما أنّ فوران دم يحيى النبيّ عليه السّلام لم يسكن إلاّ بعد أن قُتل منبني إسرائيل سبعون الفاً أو سبعمائة ألف »(.
قلت: « لقد قال: إنّ هذه الخلعةتناسب هذا العالم، وكلّ حسنات هذا العالم ظلّ لذاك العالم ».
قال: « هو كذلك،مثلما إنّ الدنيا ظلّ لهذا العالم، فكلّ ما هو فوق تجد صورة له تحت. إنّ كلّالمحاسن والكمالات تعود للوجود، ويمكن أن تنزل إلى أيّة درجة من درجات الوجودوتضعف، فيضعف أيضاً وجود الكمالات وآثارها »وإذ رأى الهادي أنّني لا أكفّ عن ذكرهوالتفكّر فيه، وأنّ تلك الجولة في الحدائق لا فائدة فيها، عُدنا إلى البيت، وهناكقال: « إنّ لنا أن نبقى هنا عشرة أيّام لإعداد أنفسنا وتهيئتها، واستعادة قوانا قدرما نستطيع، لأنّ الطريق يكثر فيه قُطّاع الطرق الأشدّاء، وأنت ضعيف في قواك، لذلكعليك أن تزور دارك الدنيوية ليلة الجمعة، فلعلّهم يذكرونك بمقتضى: اذكروا أمواتكمبالخير، فيكون ذلك سبباً في اشتداد قوّتك ».




قطاع طرق في دار السلام
قلت: « ألم تَقُل: إنّنا في أرض واديالسلام، حيث نكون في مأمن من كلّخطر ؟! فكيف يكون في وادي السلام قطاع طرق ؟! أنا لا أُصدِّق ذلك، وإنّما هدفكتأخيرنا عن السفر. فيا رفيقي الوفيّ، هل ضعف وفاؤك ؟ لقد أصبح وادي السلام بدايةلتعاستي! ». وخنقتني العبرة.
قال: « يا عزيزي، إنّ وفائي لك يدعوني للتفكير فيمستقبلك، فأنت لا تعرف الطريق، إنّه طريق ضيّق يمرّ بمحاذاة أراضي بَرَهُوتالمملوءة بالنار والعذاب، وخلال هذه المراحل من الطريق سوف يحاول أغبرك أن يُزلّكعن الطريق، فبانزلاقك أدنى انزلاق سيكون مصيرك أن تهوي إلى أرض بَرَهُوت، حيث لايمكنني الدخول، وأخشى أنك ـ بعدم قبولك البقاء هنا عشرة أيّام ـ سوف تجد نفسكمحبوساً في تلك الأرض المليئة بالعذاب عشرة أشهر ».
قلت: « أتريد أن تقول: إنّأمامنا صراطَ يوم القيامة لنجتازه ؟ هذا غير ممكن! ».
قال: « نعم، وهذا ما سبقلي أن قلته، ولكنّك مضطرب الحواسّ.
إنّ الطريق خلال هذه المنازل ضيّق، وهو ظلّ لذاك الصراط، ولا مندوحة لنا عن الذي قلته. علينا أن نعالج الواقعة قبل الوقوع ».