بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل ِ على محمد ٍ وآل ِ محمد وعجل فرجهم

شهر شعبان قد هلَّ علينا بالفرح والمحبة ومشعا بنوره الوضاء متباهيا على باقي الشهور بما يحمله من نور أهل البيت الأطهار عليهم السلام ؛؛ وعبق أفراحهم السعيدة وشذى عبيرهم السني الذي يفوح في سماء حب محمد وآل محمد وفي قلوب الموالين ..

ففي ذكراه الأولى التي يفتخر بها .. في اليوم الثالث .. ولادة ريحانة المصطفى وسيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين
والسبط خير الخلق بحر الندى ** ومن به غرد صوت السحاب
بدر الهدى خامس أهل العبا ** شمس سماء المجد عالي الجناب
الفرقد النور ومن أنزلت ** في شأنه النور بغير ارتياب



الوليــد السعيــد
كان ذلك الفجر (الثالث من شعبان من السنة الثالثة للهجرة) أبهى فجر حيث استقبل بأصابع من نور، وليداً ما أسعده، وما أعظمه.
حيث غمر بيت الرسالة نور، سنيٌّ متألقٌ، إذ جاء ذلك الوليد المبارك واصطفاه الله ليكون امتداداً للرسالة، وقدوة للأمة، ومنقذاً للإنسان من أغلال الجهل والعبودية.

ولا ريب أننا سوف ننبهر إذا لاحظنا بيت الرسالة وهو يستقبل الوليد الجديد، فهذا البيت البسيط الذي يستقر على مرفوعته الأولى الرسول، الجد الرؤوم، والوالد الحنون.
وأتاه الخبر: أنه وُلِدَ لفاطمة (عليها السلام) وليد، فإذا به (صلى الله عليه وآله) يغمره مزيج من السرور والحزن، ويطلب الوليد بكل رغبة ولهفة !.
فماذا دهاك يا رسول الله !. بأبي أنت وأمي، هل تخشى على الوليد نقصاً أو عيباً ؟!
كلا.. إن تفكير صاحب الرسالة يبلغ به مسافات أوسع وأبعد مما يفكّر فيه أي رجل آخر، ومسؤوليته أعظم من مسوؤلية أب أو واجبات جد، أو وظائف قائد.. إنه مكوِّن أمة، وصانع تاريخ، ونذير الخالق تعالى إلى العالمين.
إنه يذهب بعيداً في تفكيره الصائب فيقول: لابد للمنية أن توافيه في يوم من الأيام، ولابد لجهوده أن تفسح أمامها مجالات أوسع مما بلغتها اليوم، فسوف تكون هناك أمة تدعى (بالأمة الإسلامية) تتخذ من شخص الرسول أسوة وقدوة صالحتين.
ولابد لهذه الأمة من هداة طاهرين، وقادة معصومين يهدون الأمة إلى الصراط المستقيم.. إلى الله العزيز الحكيم..
وسوف لا يكونون - كما أخبرته الرسالة مراراً - إلاّ ذريته هؤلاء، علي ابن عمه، وولداه (عليهما السلام)، ثم ذُرِّيتهم الطيبة من بعدهم !.
ولكن هل تجري الأُمور كما يريدها الرسول في المستقبل ؟. إن وجود العناصر المنحرفة بين المسلمين نذيرٌ لا يرتاح له الرسول (صلى الله عليه وآله) على مستقبل الأمة.
وإن الوحي قد نزل عليه غير مرة يخبره بأن المصير الذي رآه الحق المتمثل في شخص الرسول (صلى الله عليه وآله) هو نفس المصير الذي يترقبه الحق المتمثل في آله (عليهم السلام)، وأن العناصر التي قاومت الرسالة في عهده سوف تكون نفس العناصر التي تقاوم - بنفس العنف والإصرار - امتداد الرسالة في عهد أبنائه الطيبين صلوات الله عليه وعليهم.
فقد علم أنه سوف تبلغ الموجة مركزها الجائش، وسوف يقف أنصار الحق والباطل موقفهم الفاصل في عهد الإمام الحسين (عليه السلام)، هذا الوليد الرضيع الذي يُقلِّب وجهه فيظهر مستقبلُه على ملامح الرسول وهو يضطرب على ساعديه المباركتين.
والنبي (صلى الله عليه وآله) يلقي نظرةً على المستقبل البعيد، ويعرج فيه فيلقي نظرة أخرى على هذا الرضيع الميمون فيهزه البُشر حيناً، ويهيج به الحزن أحياناً، ولا يزال كذلك حتى تنهمر من عينيه الوضيئتين دموع، ودموع...
يبكي رسول الله (صلى الله عليه وآله).. وما أشجعه، وهو الذي يلوذ بعريشه أشجع قريش وأبسلها، علي بن أبي طالب (عليه السلام) حينما يشتد به الروع، فيكون أقرب المحاربين إلى العدو، ثم لايفل ذلك من عزمه ومضائه قدر أنملة، لكنه الآن يبكي وحوله نسوة في حفلة ميلاد.. فما أعجبه من حادث !..
تقول أسماء فقلت: فداك أبي وأمي ممَّ بكاؤك ؟! قال: على ابني هذا ؟
فقلت: إنه ولد الساعة يا رسول الله ؟!
فقال: (تقتله الأمة الباغية من بعدي. لا أنالهم الله شفاعتي)(1).
إن القضية التي تختلج في صدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليست عاطفة إنسانية أو شهوة بشرية حتى تغريه عاطفة إعلاء ذكره وبقاء أثره في آله.
كلا.. بل هي قضية رسول. اصطفاه الله واختاره على علم منه، بعزمه ومضائه، وصدقه وإيمانه.
قضية مَن تَحمَّل مسؤولية أشفقت من حملها السماوات والأرض والجبال الرواسي.. إنها مسؤولية الرسالة العامة إلى العالمين جميعاً.
والحسين (عليه السلام) ليس ابنه فقط، بل هو قدوة وأسوة لمن ينذر من بعده، فنبأ مصرعه - هو بالذات - نبأ مصرع الحق بالباطل، والصدق بالكذب، والعدالة بالظلم... وهكذا.
فيبكي النبيُّ (صلى الله عليه وآله) لذلك، ويحق له البكاء..
أنها ظاهرة ميلادٍ غريبة نجدها الساعة في بيت الرسالة تمتزج المسرة بالدموع، والابتسامة بالكآبة.. فهي حفلة الصالحين تدوم في رحلة مستمرة بين الخوف والرجاء، والضحك والبكاء.
لنصغ قليلاً لنسمع السماء هل تشارك المحتفلين في هذا البيت الهادئ البسيط.
نعم. نسمع حفيفاً يقترب، ونظنه حفيف الملائك، فإذا بهم ملأوا رحاب البيت.
يتقدم جبرائيل (عليه السلام) فيقول:
(يا محمد ! العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبي بعدك. سمِّ ابنك هذا باسم ابن هارون ؟
فيقول النبي (صلى الله عليه وآله): وما اسم ابن هارون ؟
فيجيب: شُبَير.
فيقول النبي (صلى الله عليه وآله): لساني عربي ؟!
فيجيب جبرائيل: سَمِّه الحسين. فيسميه الحسين !!


السلام على الوليد السعيد ـ أبا عبد الله الحسين عليه السلام ـ الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته ، بكته السماء ومن يها والأرض ومن عليها ، ولما يطأ لابتيها ، قتيل العبرة ، وسيد الأُسرة ، الممدود بالنصرة يوم الكرة ، المعوض من قتله أن الأئمة من نسله ، والشفاء في تربته ، والفوز معه في أوبته والأوصياء من عترته بعد قائهم وغيبته ؛؛