(لم يكن لنا بعدَ الطفِّ مصرعٌ أعظمُ مِن فخّ) . ماذا تعرف عن واقعة فخ؟
..
بسم الله الرحمن الرحيم
قبور بكوفان و أخرى بطيبة ... و أخرى بفخ نالها صلوات
ويقول الإمام الجواد سلام الله عليه : «لم يكن لنا بعدَ الطفِّ مصرعٌ أعظمُ مِن فخّ»
فماذا تعرف عن فخ ؟
وفي عهد من من أئمة أهل البيت سلام الله عليه كانت ؟
ماهي الدواعي التي دعت إلى القيام بها؟ وماذا كان موقف الامام المعصوم منها؟
و هل أشار نبي الرحمة صلى الله عليه وآله يوما بحديثه ؟
..............................................
يطلعنا التاريخ عن بعض ابشع جرائم العباسيين الفضيعة والقاسية التي اريقت وابيحت فيها دماء ذرية آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في واقعة فخ الفاجعة في مكة المكرمة وكان على رأس الشهداء الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام).
فلم يراعي العباسيون كل قيم وحدود الاسلام والاخلاق ولم يراعوا قرابتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع ان العباسيين ماقامت دولتهم وسلطانهم الا على التسول في سكك الكوفة والعراق من المسلمين باسم القرابة من العلويين وباسم شعار يا لاثارات الحسين (عليه السلام) فما ان استتبت لهم الامور في ايدهم حتى راحوا يقتلون ويتتبعون العلويين في كل مكان، قال الشاعر:
والله ما فعلت امية فيهم
معشار ما فعلت بنو العباس
اقول: في عام 132 هجرية انتقلت زعامة مكة وسائر البلاد الاسلامية الى الحكم العباسي وقد ثار في زمن المهدي العباسي من الحسنيين الحسين بن علي بن الحسن المجتبي بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) ثار ضد العباسيين فقتل في فخ وهو مكان قريب من مكة بعد ان اعد له العباسيون جيشاً كبيراً فقتلوه فدفن في موقع فخ وتسمى اليوم بمقبرة شهداء فخ.
قال الشاعر دعبل الخزاعي في شعره:
قبور بكوفان واخرى بطيبة
واخرى بفخ نالها صلواتي
جاء في كتاب قاموس الحرمين الشريفين للنعمتي: (فخ هو وادي الزاهر وفيه قبور جماعة من العلويين قتلوا فيه في واقعة فخ كانت لهم مع اصحاب موسى الهادي بن المهدي بن المنصور العباسي في ذي الحجة سنة تسع وستين ومائة (169) هـ وقبر الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن ابي طالب (عليه السلام) على يمين الداخل الى مكة ويسار الخارج منها يقرب الموضع المعروف بالزاهر ويعرف مكان الموقعة التي بفخ اليوم بالشهداء وفي الشرائع وتجرد الصبيان من المخيط من فخ) .
جاء في كتاب أداب الحرمين: (ومن المزارات شهداء فخ (رضوان الله تعالى عليهم) وفيها قتل نحو مائة نفر من ذرية فاطمة (عليها السلام) على ايدي عمال موسى الهادي العباسي.
ونقل عن المحدث القمي قال: قال في كتابه الكنى والالقاب نقلاً عن الامام الجواد (عليه السلام): (لم يكن لنا بعد الطف مصرع اعظم من فخ) .
وأرسلت رؤوس الأبرار الى الطاغية موسى الهادي، ومعهم الأسرى وقد قيّدوا بالحبال والسلاسل ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد، وأمر الطاغية بقتلهم فقتلوا صبراً وصلبوا على باب الحبس.
ولمّا سمع الإمام الكاظم بمقتل الحسين رضي الله عنه بكاه وأبّنه بهذه الكلمات : «إنّا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله مسلماً صالحاً، صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله»
قبور بكوفان واخرى بطيبة واخرى بفخ نـالها صـلواتي
نعم وقد أشار دعبل بن علي الخزاعي بهذا البيت إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة , إذ أن الغري كان طرف جبانة الكوفة من الغرب , وذكر قبور الأئمة الأربعة الذين هم بالبقيع , وطيبة هي المدينة المنورة , وأما القبور التي بفخّ فهي قبر الحسين بن علي بن الحسن المثنى بن الحسن بن الحسن السبط , وأصحابه الذين قتلوا بفخ ,
وفخ : بئر قريبة من مكة المكرمة , على فرسخ منها , ولقد أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما نزل بفخ وصلى ركعتين وبكى , وبكت أصحابه , وقال صلى الله عليه واله وسلم : « نزل علي جبرئيل وقال : إن رجلاً من ولدك يقتل في هذا المكان وأجر الشهيد معه أجر شهيدين » .
ومر الصادق بفخ عند رواحه الى الحج , فنزل وتوضأ وصلى ثم ركب عليه السلام , فقيل له : هذا من الحج ؟ قال : « لا , ولكن يقتل ههنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم الجنة » .
.... ... ....
الحد الذي شابهت به واقعة كربلاء واقعة فخ :
إنّ الّذي يقف على وقعة فخ ومأساتها وأهميّتها التاريخية والحركية يدرك أنّها تكرار لواقعة كربلاء وصدىً لصوت الحسين السبط الشهيد، حتّى أنّ الّذي يقرأ تقريعَ زينبَ لاهلِ الكوفة ، ويُصغي إلى لوعتها وشكواها ، لا يشكُّ أنّ كربلاء تكرّرت في فخ ، وأن مأساة أهل البيت (ع) تجدّدت في هذه الارض الطّاهرة ، فزينب بنت الامام عليّ بن أبي طالب ، بنت فاطمة بنت رسول الله (ص) بالامس تخاطب أهل الكوفة بعد أن شهدت المأساة ووقفت على مصارع أهل البيت وقتلاهم :
«ويلكم ، أتدرونَ أيّ كبد لرسولِ الله فريتم ؟ وأيّ كريمة لم أبرزتم ؟ وأيّ دم له سفكتم ؟ وأيّ حُرمة له انتهكتم ؟ » .
ويعيد التاريخ نفسه فيحدِّثنا أن زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ ابن أبي طالب اُمّ الحسين بن عليّ صاحب ثورة فخ الشهيرة تعيشُ المأساةَ نفسها ، وتعاني اللّوعةَ ذاتها ، تلكَ المرأة العابدة الّتي قَتَلَ أبو جعفر المنصـور أباها وأخاها وعمومتها وبنيهم وزوجها ، فكانت تلبسُ المسـوحَ ولا تجعلُ بين جسدِها وبينها شعاراً حتّى لحقت بالله عزّ وجلّ ، وكانت تندِبُهُم وتبكي حتّى يُغشى عليها ، ولا تذكر أبا جعفر بسوء تحرُّجاً مِن ذلك وكراهة لان تشفي نفسها بما يؤثمها ولا تزيد على أن تقول :
«يا فاطرَ السّماوات والارض ، يا عالِمَ الغيبِ والشّهادة ، الحاكمَ بينَ عباده احكُمْ بيننا وبينَ قومِنا بالحقِّ وأنتَ خيرُ الحاكمين»
«وكانت زينب تُرقِّصُ الحسينَ وهو صغير وأخاه الحسن وتقول :
تَعَلّمْ يابنَ زينب وهِندْ *** كَم لكَ بالبَطحاءِ مِن مَعَد
مِن خالِ صِدق ماجد وَجَد»
فيأتي دور الحسين ولدها العلوي الثائر ليقتفي أثر الحسين السبط الشهيد ، ويحمل راية الجهاد والشهادة فيُراقُ دمه الطاهر ويفجع به رسـول الله (ص) ، كما فجع من قبل في كربلاء ، ولقد كانت هاتان الواقعتان (فخ ، وكربلاء) عظيمتـين على نفسِ رسول الله وأهل بيته ، وكان قد أنبأ عنهما وبكى ألماً ولوعةً لما يجري على أهل بيته فيهما .
المفضلات