الإمام موسى الكاظم عليه السلام .. نموذج عصره ، وفريد دهره ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، مهيب الطلعة ، كثير التعبد ، يطوي ليله قائما ونهاره صائما ، عظيم الحلم ، شديد التجاوز ، حتى سمي لذلك كاظما ، لاقى من المحن ما تنهد لهولها الجبال فلم تحرك منه طرفا ، بل كان ( عليه السلام ) صابرا محتسبا كحال آبائه وأجداده ( عليهم السلام ) . يعرف بألقاب عديدة تدل على بعض مظاهر شخصيته، وجملة من جوانب عظمته، وهي كما يلي:

الصابر : لأنه صبر على الآلام والخطوب التي تلقاها من حكام الجور، الذين قابلوه بجميع ألوان الاسائة والمكروه.

الزاهر : لأنه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضيء الذي مثل به خلق جده الرسول(صلى الله عليه وآله).

العبد الصالح : ولقب بالعبد الصالح لعبادته، واجتهاده في الطاعة، حتى صار مضرب المثل في عبادته على ممرّ العصور والاجيال وقد عرف بهذا اللقب عند رواة الحديث فكان الراوي عنه يقول: حدثنى «العبد الصالح».


الكاظم : وانما لقّب بذلك لما كظمه من الغيظ عما فعل به الظالمون من التنكيل والارهاق حتى قضى شهيداً مسموماً في ظلمات السجون لم يبد لاحد آلامه وأشجانه بل قابل ذلك بالشكر لله والثناء عليه، ويقول ابن الاثير: «انه عرف بهذا اللقب لصبره، ودماثة خلقه، ومقابلته الشر بالاحسان<<


ذو النفس الزكية : وذلك لصفاء ذاته التي لم تتلوّث بمآثم الحياة ولا بأقذار المادة حتى سمت، وانبتلت عن النظير.


باب الحوائج : وهذا أكثر ألقابه ذكراً، وأشهرها ذيوعاً وانتشاراً، فقد اشتهر بين العام والخاص أنه ما قصده مكروب أو حزين إلا فرّج الله آلامه وأحزانه وما استجار أحد بضريحه المقدس إلا قضيت حوائجه، ورجع الى أهله مثلوج القلب مستريح الفكر مما ألم به من طوارق الزمن وفجائع الايام،

وقد آمن بذلك جمهور شيعته بل عموم المسلمين على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، فهذا شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي أبو علي الخلال يقول:
« ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر الاّ سهّل الله تعالى لي ما أحب»
وقال الإمام الشافعى: «قبر موسى الكاظم الترياق المجرَّب»

لقد كان الإمام موسى في حياته مفزعاً وملجأ لعموم المسلمين وكذلك كان بعد وفاته حصناً منيعاً لمن استجار به .


000 000 000 000

مراحل حياة الإمام الكاظم (عليه السلام)


المرحلة الاُولى : :

هي مرحلة نشأته وحياته في ظلّ أبيه(عليهما السلام) وهي تناهز العقدين من عمره الشريف. وقد تميزت هذه المرحلة بظهور علمه الربّاني وقدرته الفائقة على الحوار والحجاج حتى أفحم مثل أبي حنيفة وهو صبي لم يتجاوز نصف العقد الواحد من عمره المبارك.


ومن المناظرات التي وقعت بينه وبين أبي حنيفه ماروي عن محمّد بن مسلم قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام فقال له: رأيت ابنك موسى يصلّي والناس يمرّون بين يدَيه فلا ينهاهم، وفيه ما فيه!

فقال أبو عبدالله عليه السّلام: ادعوا لي موسى. فدُعيَ فقال له: يا بُنيّ، إنّ أبا حنيفة يذكر أنّك كنت تصلّي والناس يمرّون بين يديك.. فلم تَنْهَهم. فقال: نعم يا أبتِ، إنّ الذي كنت أُصلّي له كان أقربَ إليّ منهم، يقول الله عزّوجلّ: « ونحنُ أقربُ إليهِ مِن حبلِ الوريد).
قال محمّد بن مسلم: فضمّه أبو عبدالله عليه السّلام إلى نفسه، ثمّ قال: بأبي أنت وأُمّي يا مُودَعَ الأسرار


000 000 000 000


المرحلة الثانية :

وتبدأ بتسلّمه لزمام الامور الدينية (العلمية والسياسية والتربوية) بعد استشهاد أبيه في ظروف سياسيّة قاسية كان يخشى فيها على حياته المباركة حتى اضطرالإمام الصادق(عليه السلام) لان يجعله واحداً من خمسة أوصياء في وصيته المشهورة التي بدّد فيها تخطيط المنصور لاغتيال وصي الإمام الصادق(عليه السلام).


وفي هذه المرحلة عاصر الإمام عليه السلام عدة من ملوك بني العباس ومنهم المهدي الذي اتبع منهج أسلافه العباسيين في معاملة البيت العلوي وعلى رأسهم الإمام الكاظم عليه السلام حتى عمد يوم إلى مؤامرة للقضاء عليه في السحر بمعونة من بعض جنده ، فنام فرأى في منامه علياً يشير اليه ويقرأ: (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطّعوا أرحامكم) ،فانتبه مذعوراً، ونهى حميداً عمّا أمره، وأكرم الإمام الكاظم(عليه السلام) ووصله بشكل ظاهر أمام الملأ ..


ومن أبرز الأحداث التي جمعته مع الإمام الكاظم عليه السلام أيضا تلك المناظرة التي كانت بينه وبينه عليه السلام بمحضر علي أبن يقطين..

صدقتَ يا رافضيّ!

• في ( الكافي ) للكليني: عن عليّ بن يقطين قال: سأل ( المهدي العباسي ) أبا الحسن ( الكاظم ) عليه السّلام عن الخمر، هل هي محرّمة في كتاب الله؛ فإنّ الناس إنّما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها! فقال له أبو الحسن عليه السّلام:

بل هي محرّمة في كتاب الله عزّوجلّ.

فقال له: في أيّ موضعٍ هي محرّمة في كتاب الله يا أبا الحسن ؟

قال عليه السّلام: قول الله عزّوجلّ: إنّما حرَّمَ ربّيَ الفواحشَ ما ظَهَر منها وما بَطَنَ والإثمَ والبغيَ بغيرِ الحقّ ( سورة الأعراف:33 )،

فأمّا قوله: ما ظَهَرَ مِنْها يعني الزنا المُعلَن ونَصْبَ الرايات التي كانت ترفعها الفَواجر للفواحش في الجاهلية. وأمّا قوله عزّوجلّ: « وما بَطَن » يعني ما نكح الآباء؛ لأنّ الناس كانوا قبل أن يُبعَث النبي صلّى الله عليه وآله،

إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوّجها ابنُه مِن بعده إذا لم تكن أُمَّه؛ فحرّم الله عز‍ّوجلّ ذلك، وأمّا « الإثم » فإنّها الخمرة بعينها؛ وقد قال الله تبارك وتعالى في موضعٍ آخر: « يَسألونَك عنِ الخمرِ والمَيسِرِ قُلْ فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافعُ للناس »( سورة البقرة:219 )،

فأمّا الإثمُ في كتاب الله فهي الخمر والمَيْسِر، وإثمهما كبير كما قال عزّوجلّ.



فقال المهدي: يا عليَّ بن يقطين ( وكان وزيره، وهو شيعيّ يتستّر ): ـ هذه ـ واللهِ ـ فتوى هاشميّة!
فقال عليّ بن يقطين: صدقتَ واللهِ يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يُخرِجْ هذا العلمَ منكم أهلَ البيت.

قال الراوي: فوَاللهِ ما صبَرَ المهديّ إلاّ أن قال لابن يقطين: صدقتَ يا رافضيّ!




موقف الإمام الكاظم(عليه السلام) من ثورة الحسين بن علي ابن الحسن ـ صاحب ثورة فخ:


استولى على الحكم موسى الهادي بعد وفاة أبيه وبالرغم من قصر المدّة التي حكم فيها موسى الهادي إلاّ أنها قد تركت آثاراً سيّئة على الشيعة وامتازت بحدث مهم في التاريخ الاسلامي وهو «واقعة فخ» التي قال عنها الإمام الجواد(عليه السلام): «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ» ،

وكانت من الأسباب التي أدّت الى الثورة عديدة، نذكر منها سببين:


الأوّل: الاضطهاد والإذلال الذى مارسه الخلفاء العبّاسيون ضد العلويين واستبداد موسى الهادي على وجه الخصوص .
الثاني: الولاة الذين عيّنهم موسى الهادي على المدينة مثل تعيينه اسحاق ابن عيسى بن علي الذى استخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز.

وفي سنة ( 169 هـ ) عزم الحسين بن علي ـ صاحب فخ ـ على الخروج فجمع أصحابه واستولى على المدينة و توجّه نحو مكة وبعد أن وصل الى ( فخ ) فعسكر فيه وكان معه (300 ) مقاتل ولحقته الجيوش العبّاسية وبعد صراع رهيب استشهد الحسين وأصحابه

وأرسلت رؤوس الأبرار الى الطاغية موسى الهادي، ومعهم الأسرى وقد قيّدوا بالحبال والسلاسل ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد، وأمر الطاغية بقتلهم فقتلوا صبراً وصلبوا على باب الحبس.

ولمّا سمع الإمام الكاظم بمقتل الحسين رضي الله عنه بكاه وأبّنه بهذه الكلمات : «إنّا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله مسلماً صالحاً، صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله»


000 000 000 000