خلي نصر الله يعقد لك

حسين اليوسف * - 25 / 6 / 2008م - 9:11 ص


كبر الصبي فاجتاحته السنة الكونية لتنقله من حياته العازبة للحياة الزوجية التي عرفها عبر أشقائه الثلاثة الذين سبقوه، ولأنه آخر العنقود كانت له الحظوة بولادته في بلاد الحرمين التي قال الله عنها في كتابه على لسان نبيه إبراهيم ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ ﴾.


عاش وترعرع في هذا البلد، لكن ومع الأسف القانون في بلاد الحرمين لا يخوّل للأجنبي المولود بها الحصول على «جرين كارد».


قضى نشأته الدراسية بين مدينتي الدمام وسيهات. خالط واختلط بكثيرين من أبناء البلد دون أن يخطر له على بال أنه من أبناء الطائفة الشيعية رغم أن أقرب المقربين إليه من أبناء الطائفة السنية.


كبر الاثنان وكبرت معم أمنياتهم؛ فافترقا ولا يلتقيان إلا بالصدفة النادرة لطبيعة عملهما.


حمد تأهل وحصل على وظيفة في المحكمة السنية الكبرى بالدمام.


حسن عمل في الأعمال الحرة المتاحة إليه وفي طريقه للتأهيل بعد أن حظي بشريكة حياته من جنسيته، وهي كذلك من مواليد الدمام، ولم تتوقع أن اسم أبيها 'عبد الحسن'سيكون حجر عثرة في طريقها أو أنه سيعرضها للسخرية والاستهزاء.


حضر العريس بصحبة أهله لبيت العروس وبعد محادثة لم تطل صدحت الزغاريد وتطاير الدخان الأبيض.


في اليوم التالي حُدِّد موعد ذهابهم للمحكمة لكتب كتاب الزواج وعند وصولهم المحكمة الجعفرية بالقطيف قدموا طلبهم على سابق معرفة منذ بضعة أشهر بزواج ابن لهم، فتفاجأ الزوجان وذووهم بلائحة جديدة مفادها:



'
لاتخول المحكمة الجعفرية بالقطيف عقد زواج إلا لزوجين شيعيَّيِنِ من حملة الجنسية السعودية فقط'!!!.

تبلد الجميع في مكانه وتنغَّصت الفرحة بعض الشيء.


تقدم والد العريس متسائلا: وما العمل؟!


أجابه موظف المحكمة الجعفرية: عليك بالذهاب للمحكمة السنية الكبرى بالدمام.


عادوا أدراجهم من حيث قدموا، وفي الطريق حُشرت السيارة بالتساؤلات حتى وصولهم المنزل وعلى طاولة الغذاء، وامتد الحديث إلى ما بعد العشاء؛ فتفارقوا على قرار مفاده: غدا نذهب للمحكمة السنية بالدمام.


تباكروا يوم غدهم باتجاه المحكمة وعند وصولهم باشروا بالسؤال، وجَّههم أحد المراجعين للطابق العلوي، ساروا في الممرات وركبوا الأدراج وهم يسألون من يُصادفهم حتى وصلوا المكان الذي تُقدم فيه الطلبات.


دفعوا أوراقهم للموظف المختص فأعطاهم ورقة مراجعة للمحكمة بعد خمسة عشر يوما، فكان وقعها مريرا على العروسين.


حاولوا مع الموظف أن يُقدِّم لهم الموعد.. أشار بالرفض، شرحوا له ظروفهم أخرجوا له تذاكر سفر؛ لقضاء شهر عسل وأن موعد الإقلاع بعد يومين 'لقد أسمعت لو ناديت حيًّا'!!!.


قفوا والخيبة بضاعتهم متباطئين الخطى بانكسار حتى استووا في الممر الخارجي فكانت المفاجأة لحسن أن التقى زميله حمد.. أخذه بالأحضان، وبعد انتهاء الترحاب الطويل طرح عليه السؤال:


-

ما الذي تفعله هنا؟

-

عقد زواج..

-

لمن؟

-

لي.

عاد معانقًا ويبارك له، ثم لاحظ حمد على صديقه كآبة، أردفه القول: زواجٌ أم طلاق؟!!


-

لا زواج.. «وهو باسم الثغر».

-

ولماذا الحزن بادٍ عليك؟!

-

الأمر أننا قدِمنا وعلى أمل أن نعقد قراننا؛ فتفاجأنا بموعد بعد خمسة عشر يوم.

فهم حمد المسألة فأمسكه من يده وعاد به والعائلة تتبعه حتى وصل بهم عند أحد المكاتب، طلب منهم المكوث للحظات وغاب عنهم داخل المكتب بعد أن طرق الباب مستأذنا.


مرت عليهم الدقائق وكأنها ساعات، قرأوا اللافتة المعلقة على باب المكتب 'رقم القاضي 8 الدور الثاني'.


خرج عليهم حمد والبسمة تعلو وجهه. لقد أنجز شيئا كبيرا.. دفع لصاحبه بطاقة المراجعة بعد يومين الموعد، لن يفوتك موعد الطائرة.. «ابسط ياعم».


عانقه شاكرا، والعائلة تمتدح، شدوا على يده وغادروا وعادت لهم الابتسامة على مضض.


ركبوا سيارتهم وشقوا الطريق وألسنتهم تتذمر من أحد وتثني بالشكر على حمد.


عاد حمد للمكتبِ. قدم الأوراق للقاضي قرأ مافيها وتقف على اسم والد العروس 'عبد الحسن' هزَّ رأسه واستلَّ قلمه وهو يقول: «ايش هذا الكفر.. هذا من أي المذاهب»؟!


تبلم حمد وهو يردف بأكتافه لأنه لم يحسب حساب هذه المفاجأة أعاد عليه: من أي السكان هؤلاء؟!


فما كان له إلا أن يُهاتف صاحبه حسن:


-

ألو.. أهلا بك أهلا.

وضع حسن الهاتف على المسموع وكذاك حمد من مكتب القاضي تلعثم حمد في القول وقدم التبريرات تلو التبريرات وهو يقول سأسألك يا حسن سؤالا واعذرني فيه: من أي المذاهب أنت؟ شيعي أم سني؟


فأتاه الجواب: شيعي..


فسمعوا جواب القاضي مقاطعا:


«

إذًا خلي حسن نصر الله يعقد لك».

تبـــــــــــــــــــأ لك ايها القاضي