الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام, من المعصومين الأربعة عشـ14ـر
نسبه الشريف :
هو الإمام العاشر من أئمة الشيعة الأثنى عشرية ، ذو المكارم والأيادي ، والمعجزات والفضائل المشهورة بين الخاص والعام والحاضر والبادي ، المعصوم العاشر والنور الباهر ، المعصوم الثاني عشر مولانا ومولى الجن والممكنات والبشر ، مبدأ الفضل والأيادي الإما مأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
وهو رابع العليين الأربعة في الأئمة الأطهار بعد العليين الثلاثة ، الإمام أميرالمؤمنين والإمام زين العابدين ، والإمام الرضا .
فنسبه من نسب أبيه ، تلك الذرية الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا ، واصطفاها على البرية جميعا ، وزكاها على خلقه ، وجعلهم أئمة يهدون بامره تعالى .
وأما أمه ، فكانت جارية اشتراها الإمام الجواد بسبعين دينار وكانت تسمى سمانة المغربية " ويقال " متفرشة" ، ويقال أنها معروفة بالسيدة أم الفضل ، وهي من القانتات الصالحات ، وكان الإمام الهادي يقول على ما روي : (( أمي عارفة بحقي وهي من أهل الجنة ، ما يقربها شيطان مريد ، ولا ينالها كيد جبار عنيد ، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام ، ولا تختلف عن أمهات الصديقين والصالحين .
مولده عليه السلام :
ولد في قرية صربا بالقرب من المدينة المنورة ، يوم الثلاثاء في الثاني من شهر رجب الأصب من سنة اثنتي عشرة ومئتين للهجرة النبوية الشريفة ، وربما يؤيد ذلك ما ذكرناه في ولادة الإمام الجواد من الدعاء في أول رجب (( اللهم إني أسألك بالمولدين في رجب محمد بن علي الثاني وأبنه علي بن محمد المنتجب )) وهذا يؤيد ويرجح ذلك ، بل يعينه ويحدده وإن كانت هناك روايات غير ذلك .
كنيته وألقابه عليه السلام :
يكنى بأبي الحسن ، ويقال له تمييزاً " أبو الحسن الثالث " بعد أبي الحسن الأول أمير المؤمنين وأبي الحسن الثاني جده الرضا
وأما القابه فكثيرة منها : الهادي وهو اشهرها ، والعسكري ، والفقيه ، والمؤتمن ، والنقي ، والعالم ، والمرتضى ، والناصح ، والأمين ، والمتقي والطيب ، والنجيب ، والفتاح ، والمتوكل وغيرها .
وقد كان يخفي اللقب الأخير - أي المتوكل - و يأمر أصحابه بأن يعرضوا تلقيبه به ، لكونه يومئذٍ لقباً للخليفة العباسي المعاصر ، وهو جعفر المتوكل المعاصر للإمام الهادي .
وأما لقب العسكري ، فسببه أ ن جعفر المتوكل أشخصه من المدينة المنورة إلى بغداد إلى سر من رأى ، وكان يعسكر فيها الجيش ، ولذا سميت عسكراً ، وقد أقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر ، فلذلك قيل للإمام وولده العسكري نسبةً لها ، وإن غلب هذا اللقب على ولده الإمام الحسن العسكري
النص على إمامته عليه السلام :
كان الإمام الهادي مهئياً للإمامة والخلافة ، فقد كان أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة ، وكان شكلاً أحسنهم واملحهم ، وكانت أوصافه كلها تجعله المبرَّز والمقدم لإمامة البشر كيف لا وهو من بيت الرسالة والإمامة ، ومقر الوصية والخلافة ؟! كيف لا وهو شعبه من روح النبوة منتضاه ومرتضاه ، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناه ومجتباه .
ومن تلك الأخبار المروية عن أبيه الجواد عن ابائه :
روى عن اسماعيل بن مهزيار أنه قال : لما خرج أبو جعفر من المدينة المنورة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خروجه قلت له : جعلت فداك إني خائف عليك من هذه الوجه فإلى من الأمر بعدك ؟ فكرّ بوجهه إلي ضاحكاً وقال : ليس الأمر حيث ضننت في هذه السنة فلما استدعى به المعتصم صرت إليه فقلت له : جعلت فداك ها أنت خارج فإلى من الأمر من بعدك ، فبكى حتى اخضلت لحيته بالدموع ، ثم التفت إلي فقال : عند هذه يخاف علي ، فالأمر من بعدي إلى ابني علي ، فإن أمره امري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمامة بعده في ابنه الحسن .
سنوات عمره عليه السلام :
انتقل أمر الإمامة والخلافة إليه وهو في مدينة جده الرسول عن شهادة أبيه الجواد في بغداد . وله يومئذٍ من العمر ثمان سنوات وأربعة أشهر قريباً من قدر سني عمر أبيه الجواد عند انتقال الأمر والخلافة إليه بعد أبيه الرضا ، وبقي سلام الله تعالى عليه في المدينة بعد شهادة أبيه الجواد بقية ملك المعتصم ما يقرب من سنتين ، حتى أنتقل الأمر للمتوكل ( لع) حيث أشخص الإمام من المدينة المنورة إلى " سر من رأى " التي تبعد عن بغداد مسيرة ثلاثة أيام ، وبعد هلاك المتوكل في الرابع من شهر شوال سنة سبع وأربعين ومأتين ، بويع ابنه محمد بن جعفر الملقب بالمنتصر إلى أن وصل الأمر في النهاية للمعتز بن المتوكل وأسمه الزبير وكان ذلك في السنة الثانية والثلاثين من إمامة أبي الحسن الهادي ثم كانت شهادة الإمام في السنة الرابعة والثلاثين من إمامته .
وقد بقى في سامراء عشرين سنة وكانت مدة إمامته بعد أبيه الجواد أربعاً وثلاثين سنة ويوماً واحداً ، وقد تقدم انه أقام مع أبيه ما يقرب من ثمانية سنوات فيكون مجموع عمره الشريف نحو اثنين واربعين سنة.
أولاده عليه السلام :
خلف الإمام الهادي خمسة أولاد ، أربعة ذكور وأنثى واحدة مسماة "عالية" والذكور هم : الإمام الحسن العسكري الإمام بعده، والذي سنتعرض لسيرته تالياً ، إن شاء الله تعالى ، ومحمد صاحب الكرامات الباهرة والآيات الواضحة ، وهو المعروف بالسيد محمد ، والمدفون قريباً من سامراء على مسيرة ثمان ساعات ، وله قبة عالية ومزار مقصود في كل سنة ، وإن هذا السيد الجليل ، لكثرة ورعه ووفور علمه ، كان يظن انتقال الإمامة والخلافة إليه . ومن أولاد الإمام كذلك الحسين وأخيراً جعفر ، وهو المعروف بجعفر الكذاب والذي سبقت الإشارة إليه في حديث عن الإمام الصادق حول الحديث المروي عن الإمام السجاد ، وهذا كان عكس أخيه السيد محمد فقد ادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام الهادي كذباً وافتراءً على الله ورسوله ، وإجتراء على الدين ، وقد سعى في إذاء أخيه الإمام الحسن العسكري وبعده في إذاء إمام العصر الحجة المنتظر ، وكان يلقب بزق خمر ، لكثرة شربه للخمر ولعبه بآلات اللهو والقمار ، وقد ورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان في حقه أن سبيله سبيل ابن نوح ، وكان أبوه الهادي يقول فيه على ماروي " تجنبوا ابني جعفر فإنه مني بمنزلة كنعان بن نوح النبي إذ قال : ربِ إن ابني من أهلي فرد الله عليه بقوله تعالى : (( يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح )) .
وكان أبو محمد الحسن العسكري يقول على ماروي : الله الله أن يظهر لكم أخي على سر، فوالله ما مَثلي ومَثلهُ إلا مَثل هابيل وقابيل ابني ادم ، حين حسد قابيلُ هابيل على ما اعطاه الله تعالى ، ولو تهيأ لجعفر قتلي لفعل ولكن الله غالبٌ على أمره .
وقد أمعن الشيعة بعد أبي محمد وزادوا في هجره حتى تركوا السلام عليه ، ولكنه بعد استشهاد أخيه الإمام العسكري وبعد مماته ورد النهي من مولانا الحجة عن سب عمه جعفر ، ونهى شيعته عن لعنه ، وذكر لهم أن حاله حال أولاد يعقوب بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قد وفقه في اخر عمره للتوبة والرجوع للحق . والله بصير بالعباد .
علمه ومحاججاته عليه السلام :
عاش الإمام الهادي في عصر كانت فيه المناقشات الفقهية والمجادلات الكلامية والمذاهب الفلسفية شاملة وعنيفة ، وكان على شبابه وصغر سنه بالنسبة إلى شيوخ الكلام ، واساطين الفلسفة يرجع إليه ، ويُسأل عن رأيه ، فكان الذروة في المعارف الدقيقة والأحكام الصائبة وكان قوله الفصل وحجته المفحمة .
وقد تسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه المشرّف في المسائل المعقدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية . إذ لم يكن هناك أحد يضارعه في ثرواته العلمية المذهلة التي شملت جميع أنواع العلوم من الحديث والفقه والفلسفة وعلم الكلام ، وغيرها من سائر العلوم .
ومن الغريب أن المتوكل على الشيطان العباسي الذي كان من ألدِّ أعداء الإمام قدم رأي الإمام الهادي على أراء علماء عصره في المسائل التي اختلف فيها .
وأثرت عن الإمام روايات عن النبي وعن أمير المؤمنين والباقر والصادق والرضا ، وكذلك محاججاته المبهرة عن امتناع رؤية الله عز وجل دنيا وأخره ، واستحالة التجسيم واستحالة وصفه ، وحقيقة التوحيد ، وإبطال الجبر والتفويض وأثرت عنه الأدعية والمناجات والزيارات أيضاً ومن أشهر زيارات الإمام الهادي لأبائه الأئمة الطاهرين الزيارة الجامعة .
وتعتبر الزيارة الجامعة من أشهر زيارات الأئمة واعلاها شاناً ، واكثرها ذيوعاً وانتشاراً ، فقد أقبل أتباع أهل البيت وشيعتهم على حفظها وزيارة الأئمة بها خصوصاً في يوم الجمعة .
وسنتحدث عن سند الزيارة الجامعة وبلاغتها وشروحها باختصار وايجاز شديدين للغاية :
أما سندها ، فقد حاز درجة القطع من الصحة ، فقد رواها شيخ الطائفة الطوسي في التهذيب ، ورئيس المحدثين في " من لا يحضره الفقيه" ، و"العيون " وغيرهما ، قال المجلسي : إن هذه الزيارة من أصح الزيارات سنداً ، وأعمقها مورداً ، وأفصحها لفظاً ، وأبلغها معنى ، وأعلاها شأناً .
وعن بلاغتها فتفيض هذه الزيارة بالأدب الرائع ، فقد رصعت بأرق الألفاظ - كما تحلت بجواهر الفصاحة والبلاغة ، وبداعة الديباجة ، وجمال التعبير ، ودقة المعاني . الأمر الذي يدل على صدورها عن الإمام الهادي .
فقد اعتبر أن أية الخبر الصحيح هو ما إذا كان في أرقى مراتب البلاغة ، فإن الأئمة الطاهرين هم معدن البلاغة والفصاحة ، وهم الذين أسسوا قواعد الكلم البليغ ، فكان كلامه في أعلى مراتب الكلام الفصيح ، فكلامهم دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوقين .





رد مع اقتباس
المفضلات