[grade="00008B FF1493 008000 4B0082 FF1493"][align=center]الدرس التاسع عشر
وقال سلام الله عليه في الدعاء :
وأفتح اللهم لنا مصاريع الصباح بمفاتيح الرحمة والفلاح.
الفتح: هو إزالة الإغلاق. والمفتاح آلة الفتح، وهي ما يفتح به المغلاق. وقد استعير لكل ما يتوصل به إلى الأمر، ومنه قوله سبحانه وتعالى) : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو(.
قال الراغب: يعني ما يتوصل به إلى غيـبه المذكور في قوله تعالى: ( عالم الغيب فلا يظهر على غيـبه أحداً) .
المصاريع: جمع مصراع، والمصراع من الباب شطره، وهما مصراعان، ينضمان جميعاً مدخولهما في الوسط منهما.
والرحمة: هي الرقة، والتعطف بكل شيء فيه خير.
هذا ولا يخفى أن هذا التعريف اللغوي للرحمة لا ينسجم معه سبحانه وتعالى، وذلك لنكتة عقائدية مهمة في المقام، وهي أن تعريف الرحمة بالرقة، أو رقة القلب يعني أنها انفعال، ومن المعلوم أنه سبحانه فعّال مطلق.
وعلى هذا فما هو المراد من الرحمة الواردة في الدعاء، إن الرحمة المرادة في الدعاء، تعني الوجود المنبسط على كل ماهية بحسبها، وعلى كل مادة بقدرها، فرحمته الواسعة في العقل عقل، وفي النفس نفس، وفي الطبع طبع.
أما الفلاح: فهو الفوز، والنجاح والبقاء في النعيم، والخير.
هذا وأول ما في هذا المقطع الإشارة إلى مطلب يعتبر من شرائط كمال الدعاء، بل قيل من شرائط الإجابة، وهو تسمية الحاجة حين الدعاء، مع أن المدعو وهو الله سبحانه وتعالى يعلم بها، ومطلع على ما في ضمير الداعي، لكنه سبحانه يحب أن تُبث إليه الحوائج.
ثم إن في الكلام استعارة بالكناية، وتخيلية وترشيحية، حيث شبه(ع) أجزاء الصباح لكونها ظرفاً بالمنـزل والدار المقفول بجامع عدم العلم بما فيه من الحوادث الاستقبالية، وطوى ذكر المشبه به مصرحاً بالمشبه، وأثبت له المصاريع والمفاتيح، ثم ذكر الفتح ترشيحاً للاستعارة، أو هو استعارة تبعية.
ولعل المراد بمصاريعه هو طلوع قوس النهار قطعة قطعة، أعني: انقضاء أجزاء النهار تدريجاً.
ويمكن أن يقال: لما كانت الأفاق المائلة تخـتلف قطعها باختلاف عروض البلدان، ولذا تخـتلف الليالي فيها، فكان لكل أفق منها صباح وله مصراع، جمعها بقوله مصاريع الصباح.
ويمكن اعتباره بالنسبة إلى الآفاق الاستوائية، لكن بالإضافة إلى أشخاص لا بالنسبة إلى الأنواع.
الدرس العشرون
وألبسني اللهم من أفضل خلع الهداية والصلاح
الخلعة: بالكسر، الثوب الذي يعطى منحة، ويقال لخيار المال خلعة أيضاً.
أما الهداية: فهي مصدر هدى وهدى يهدي، أرشده ضد أضله، يقال: هداه الطريق، وإلى الطريق، إذا بينه له، وعرفه به، وهداه إلى الله إلى الإيمان، أرشده إليه، ومنه قوله تعالى ) ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم(
والهداية بناءاً على ذلك، هي الدلالة إلى ما يوصل إلى الشيء.
وصلح: ضد فسد. والصلاح ضد الفساد. وهو الخروج عن الاعتدال اللائق به، فالصلاح حصول الشيء على الحالة المستقيمة النافعة، وكلاهما يعمان كل ضار ونافع . ولا يخفى أن ما ذكرناه كان عبارة عما يذكره اللغويون في بيان هذه المفردات ، ولأهل الاصطلاح كلام آخر في معنى الهداية والصلاح، فقد ذكروا ، أن الهداية: هي الاهتداء إلى كل حق، وصواب، وقبوله، والعمل عليه.
وذكروا في الوقت نفسه، أنها عدم الرجوع معه إلى الباطل. وقيل إن معنى ذلك هو التقيّد بالأحكام الشرعية، والأخذ بها.
أما الصلاح: فقد فسر على ما قيل عنه: بأنه ضد الفساد، وهو السير على الطريق المستقيم سواء بالأخذ بما يمليه عليه الحكم الشرعي من الأوامر والنواهي، أم مراعاة ما يفرضه عليه الواجب إزاء الناس.
هذا وقد نقل عن بعضهم في تعريفه للصالح أنه الذي يؤدي ما فرض الله عليه، ويؤدي إلى الناس حقوقهم.
هذا بحسب المعنى اللغوي والاصطلاحي لما ورد من كلمات في هذا المقطع، لكننا عندما نتأمل فيه بدقة، ونغور في عمق المعنى المراد من كلامه(ع)، نجد التعبير قد ورد كالتالي: وألبسني من أفضل خلع الهداية والصلاح، وهذا يعني أن للهداية أقساماً وأنواعاً، فطلب (ع) أفضل أنوعها وأحلى أقسامها.
وهذا يجعلنا بحاجة إلى التعرف في البداية على أقسام الهداية، ومن ثم نحاول التعرف على أي قسم من أقسام الهداية هو الذي طلبه(ع).
تنقسم الهداية إلى قسمين:
الأول: الهداية التكوينية: ونعني منها خلق كل شيء وتجهيزه بما يهديه إلى الغاية التي خلق لها، فلا يتوسط فيها نبي ولا رسول، قال تعالى حاكياً كلام النبي موسى (ع) :- ( ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى( وهذا يشير إلى أنه تعالى قد جهز كل موجود بجهاز يوصله إلى الكمال، فالنبات مجهز بأدق الأجهزة التي توصله في ظروف خاصة إلى تفتح طاقاته، فالحبة المستورة تحت الأرض ترعاها أجهزة داخلية وعوامل خارجية، كالماء والنور إلى أن تصبح شجرة مثمرة معطاءة، وكذا الحيوان والإنسان، فهذه الهداية عامة لجميع الأشياء ليس فيها تبعيض ولا تميـيز.
وتدل على هذا القسم من أقسام الهداية مجموعة من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى:- ( سبح اسم ربك الأعلى* الذي خلق فسوى* والذي قدر فهدى . وقال عز من قائل : ( ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين ) وقال سبحانه:- ( ونفسٍ وما سواها فألهمها فجورها وتقواها(
إلى غير ذلك من الآيات المباركة الواردة حول الهداية التكوينية التي ترجع حقيقتها إلى الهداية النابعة من حاق ذات الشيء بما أودع الله فيه من الأجهزة والإلهامات التي توصله إلى الغاية المنشودة، من غير فرق بين المؤمن والكافر.
فهذا الفيض الإلهي الذي يأخذ بيد كل ممكن في النظام عام، لا يخـتص بموجود دون موجود. نعم كيفية الهداية والأجهزة الهادية لكل موجود تخـتلف حسب اختلاف درجات وجوده.
هذا وقد عبر الباري سبحانه وتعالى في بعض الأحيان عن هذه الهداية بالوحي، مثل قوله تعالى : ) وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون(
ومن الهداية التكوينية في الإنسان، العقل الموهوب له، المرشد له إلى معالم الخير والصلاح، وما ورد في القرآن الكريم من الآيات الحاثة على التعقل والتفكر والتدبر، خير دليل على وجود هذه الهداية العامة في أفراد الإنسان، وإن كان قسم منه لا يستضيء بنور العقل ولا يهتدي بالتفكر والتدبر.
ثم إن الهداية التكوينية تنقسم إلى قسمين:
أولهما: الهداية الاستحقاقية: وهي التي يستحقها العبد على الله تعالى لوعده بها، لا لكفاءته لذلك، وهي التي عبر عنها قوله تعالى: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ( فإذا رأى الله عبداً مقبلاً على العبادة منيـباً إليه مقبلاً على خشوعه، رزقه نور الهداية، وطعّم قلبه بطعمها، ويشهد لما ذكرناه قوله تعالى متحدثاً عن أصحاب الكهف) :- إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى(
ثانيهما: الهداية التفضلية: وهي التي يهبها الله سبحانه عباده، ويتفضل بها عليهم ابتداءاً حتى لو لم يقوموا بجهد ولا عمل.
الثاني: الهداية التشريعية: وهي عبارة عن الهداية الشاملة للموجود العاقل المدرك، والتي تفاض عليه بتوسط عوامل خارجة عن ذاته، وذلك كالأنبياء والرسل والكتب السماوية وأوصياء الرسل وخلفائهم والعلماء والمصلحين، وغير ذلك من أدوات الهداية التشريعية العامة التي تعم جميع المكلفين، قال تعالى : ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )، وقال سبحانه:) لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط . ( وقال عز من قائل ) : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم(
إلى غير ذلك من الآيات الشريفة الواردة في القرآن الكريم التي تشير إلى أنه سبحانه هدى الإنسان ببعث الرسل، وإنزال الكتب
الدرس الواحد والعشرين
وَاَغْرِسِ اللّـهُمَّ بِعَظَمَتِكَ في شِرْبِ جَناني يَنابيعَ الخُشُوعِ
• الغرس : إثبات الشجرة في الأرض
• الشِرب : المورد من الماء أو مجرى المياه
• الجنان : القلب
• الينابيع : جمع ينبوع وهو عين الماء
• الخشوع و الخضوع : من صفات المؤمنين الصالحين ، و الخضوع
للبدن و الخشوع في الصوت و البصر قال تعالى ( و خشعت الأصوات
للرحمن ا لقصص ( 86(
الشرح
يوجه الدعاء الداعي أن يكون من جملة طلباته من الله
أن يثبت في قلبه الخشوع ليقابل ربه بقلب خاشع كما
أمر سبحانه في كتابه حيث يقول:
( ادعوا ربكم تضرعا و خفية إنه لا يحب المعتدين (
الأعراف( 55(
و للتضرع آثاره على النفس و له هيمنته على الإنسان ،
و به يستسلم الخاشع إلى ربه ، و ينقاد له بشكل بعيد
عن الترقق و الطيش ، وهو أضمن للإجابة .
و قد جاء في الأخبار فيما قال الله لموسى ( ع(
يا موسى كن إذا دعوتني خائفاً مشفقاً و جلاً .......
و عفر وجهك بالتراب ....
و اسجد لي مكارم بدنك ...
و اقنت بين يدي في القيام ،
و ناجني حيث تناجني بخشية من قلب وجل
إن الداعي بهذه الفقرة يطلب من ربه أن يملأ قلبه
بالخشوع كالأرض عندما يتفجر منها عيوناً ، و ليكن
الخشوع مغروساً في القلب نابتاً فيه بحيث يكون
راسخاً ليكون الداعي في كل وقت مستعد للقاء الله و الطلب منه .
وختاما نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اختكم ..... نور علي[/align][/grade]





رد مع اقتباس
المفضلات