الفصل الرابع:
رفعت جفنيها الذابلين لتلتقي عيناها بسقف الغرفة..
تلفتت في أنحاء الغرفة وما هي عليه ..
فعلمت أنها ترقد في المستشفى والدكتور (محمد) يقف بالقرب من طرف السرير وبيده أوراق يخط عليها سرعان ما ناولها الممرضة التي تقف بجانبه ..
ثم اختطف كرسي وجلس عليه بالقرب من السرير .. صامتاً ..
وعيناه يشع منهما الغضب ..
بادرت (حلا) بقولها:
-ماذا حدث ؟!..
_.............
_ ما بك؟؟ أجبني لمَ أنا راقدة هنا؟؟
_ إلى أي حال وصلتِ بنفسكِ ؟!.
فاجأتها كلماته ..
فهزت رأسها مستفهمة..
فأجاب بصوت غاضب :
-يبدو أنكِ مرهفة الحس .. ورقيقة..
لا تقوي على هول المواقف ..
بدليل أنكِ فقط سمعتِ بخبر وفاته..
أما لو رأيته فماذا كان سيحدث لكِ ؟!
" قال جملته الأخيرة بهدوء مفتعل" ..
أما (حلا) فحاولت أن تجيبه بثقة:
-وما شأنك بي.. هل أصبحت مسئولاً عن تصرفاتي وردّة فعلي ..
_ لا.. فقط أحببت أن أنبهكِ إذا كنتِ غافلة عن نفسكِ.. اليوم سقطتِ بلا وعي..
وفي الأيام الأخيرة صرتِ تزورين المستشفى في غير وقت دوامكِ الرسمي..
وتدخلين وتخرجين ودموعكِ تصب على خديكِ ..
ما الخبر ؟!..
هل ينسب إليكِ من أجهدتِ نفسكِ من أجله ؟..
-وما ضيرك في الموضوع ..
لا شأن لك بي ..
ثم عليك أن تحادثني في حدود العمل فقط فلا تخرج عن هذه الدائرة وتتدخل في أموري الشخصية..
فجأة..
سمعا طرقاً خفيفاً على الباب وإذا بعائلة (حلا) تتقدم للداخل..
سلموا جميعاً على الدكتور الذي بدا خجلاً خوفاً من أن يكونوا قد سمعوا شيئاً من حواره مع (حلا)..
بل قل شجاره..واستأذن خارجاً ..
وبعد الترامي في الأحضان وامتزاج الدموع ..
استقر بهم المقام .. بدت أشكالهم على غير عادتهم ..
كأنه قد نُـــعي إليهم خبر موت أحد..
ابتدأ الأب :
- مابكِ يا ابنتي .. ماذا حدث ؟..
_ لقد توفي جارنا ..
_ يرحمه الله .. وسقوطكِ في المستشفى لم يجعلني أستكمل الدفن مع الجماعة ..
_ ليس بيدي ..
فقالت الأم محاولة استفزاز الأب بقولها له :
-إنك لم تصدق أن (غلا) تخبرك عن (حلا) وسقوطها في المستشفى حتى استطيرت فرحاً وهرباً من مواساة جارك في ابنه ..
ردت (غلا) محاولة تدارك الموقف:
-لا يا أمي.. فأبي سارع للذهاب لجارنا ..غير أن سقوط (حلا) حال بينه وبين ذلك ..
_ سقوط (حلا) ؟!..أم شيء آخر ..
رد الأب بثقة غاضبة:
-أي شيء تقصدين ؟
فأجابت الأم كالسيل الهادر :
-دوام حزنك ومكوثك في الحديقة ..
حاولت بشتى الطرق أن أعرف ما يدور في خلدك ..
أحببت مساعدتك لكنك دائماً ترفض و....
صرخت (حلا ):
-أمي ..أبي...يكفيكما شجاراً الآن .. دعوا البقية حتى نصل إلى البيت ..
أنهت كلمتها الأخيرة لتسمع و أسرتها طرقاً على الباب .. وإذا به الدكتور (محمد) يتقدم بثقة وابتسام..
قال موجهاً حديثه للأب:
-حالة (حلا) النفسية مستقرة حتى الآن..تستطيع مفارقة السرير ..
رد الأب مداعباً:
-السرير.. بل قل المستشفى ..
فأجاب الدكتور بجدية مفتعلة :
- ولِـــــمَ .. بقيت ساعتان على انتهاء دوامها الرسمي ..
فضحك الجميع وقالت الأم:
-سامحها هذه المرة لأجلي يا دكتور..
ألقى بنظرة خاطفة على (حلا) التي سرعان ما أشاحت عنه بخفة،
فقال:
-لأجلكِ فقط.. سأسامحها هذه المرة..
*************
رجعت (حلا) مع أسرتها إلى الفيلا ..
انفردت بغرفتها كعادتها بحجة أنها مازالت مرهقة ..
أما والديها و(غلا) فذهبوا لبيت جارهم قياماً بالواجب .. وفي طريقها إليها صادفت الخادمة (تناكا) :
_ حمداً لله على سلامتكِ آنستي ..
_ شكراً لكِ..
_ هل تودين أن أجهزلكِ شيئاً ..
_ آ.. عصير برتقال إذا سمحتِ..
_ حاضر..
دخلت (حلا) غرفتها ..
وبخفة..
اتجهت إلى مكتبها لتبحث عن صورتها يوم كانت طفلة ومعها طفل..
وكالعادة..
أخذت تتأملها ملياً ..
ثم قبلتها بهدوء لتبعدها قليلاً وترى دمعتها قد صافحت الصورة ..
مسحت الدمعة ..
وإذا بها تسمع طرقاً خفيفاً على الباب تنبأت أنها (تناكا) فقالت بوهن :
- تفضلي ..
فدخلت وبيدها كوباً من العصير .. وضعته على المكتب قائلة :
- هاهو العصير الذي طلبته يا آنستي ..
_................
تأملتها الخادمة وهي مازالت على حالها ممسكة بالصورة .. بالرغم من أنها أول مرة تفعلها ..
حيث لا أحد يعلم بشأن هذه الصورة..
ترددت (تناكا) في الخروج أو البقاء لتستحث (حلا) بأن تتكلم وتخبر بما يجول في خلدها ..
ثم تقدمت لها بخطوات جريئة قائلة :
- ما بكِ آنستي .. لِــــمَ أنتِ مرهقة ..
_ ليس الآن فقط ..
_ ماذا ؟.. منذ متى ؟.
_ منذ سنين..سنين..
"قالتها بشيء من البطء"
_ أخبريني .. ماذا هناك..
فناولتها الصورة وهي تقول:
- هذا ما يعذبني..
أخذت (تناكا ) الصورة وكأنها غير قادرة على استيعاب ما تسمع فقالت :
- ولكنني ظننتكِ حزينة على موت ابن جارنا ..
-ذاك هم أوشكت على الانتهاء
منه.. لا أعرف ماذا جرى لي وكأن مشاعري قد تبلدت..
- لا أفهمك جيداً .. هل يمكنكِ توضيح الأمر..
- حاولت أن أبعد عني خاطر الحزن على ابن جارنا وهو _رحمه الله_لا يعلم بما بدا لي تجاهه .. لكني الآن لا أفكر فيه ..بل أفكر في ..
- في ماذا ؟..تكلمي أنا أسمعكِ..
فانتفضت (حلا) وكأنها مستيقظة من حلم مزعج ونظرت إلى (تناكا) ..
مازالت تحمل بيدها الصورة ..
فاختطفتها منها (حلا) وخبأتها بين طيات أوراق لديها .. وقالت :
-أما زلتِ هنا؟..
- نعم آنستي .. إني أستمع لما تقولين ..
- ماذا ؟ .. وماذا قلت ..
- لقد أخبرتني بما يدور في خلدكِ.. لكنكِ لم توضحي الأمر كلياً ..
- هاه (تناكا) عزيزتي ..
إني مرهقة وأرجو أن تقدري ما أمر به..
أنا متأكدة أنني كنت أهذي ..
فلا تجعلي اعتبار لما سمعته مني..
وأرجو أن لا يعلم به أحد..
- حسناً .. كما تريدين..
وهمت بالخروج..
فاستوقفتها (حلا) بقولها بشبه رجاء :
- أ رجو أن لا يعلم أحد بما دار بيننا ..
وخصوصاً الصورة..
- لا تخافي .. هذا ليس أول سر تودعينني إياه..
فاكتفت (حلا) بابتسامة ..
وخرجت (تناكا) لتدع (حلا) تصارع هماً جديداً :
" يا إلهي .. كيف أبحت بسري .. ولمن ؟ للخادمة !.. آه .. ذاك ذنبي .. إذ إنني لم أقرب شخصاً بي في البيت سواها "..
فتوقفت عند هذه الكلمات لدى سماعها رنين هاتفها المحمول لترى رسالة واردة من رقم جديد..
فتحتها لتقرأ :
قصيدة القمر تنشدها النجوم
لتسمعها الطيور وترسلها الغصون
لأحلى (حلا) في دنيا الجنون
" ماذا ؟!
المرسل يقصدني ويعرف اسمي أيضاً ..
من هو يا ترى ؟!
..أوه.. سأتجاهل الأمر ..
حتى إذا تكرر أتصرف تصرفاً آخر "
*************
البقية تأتي..
المفضلات